رغم ان سنغافورة التى نعرفها الآن كدولة مرموقة من دول العالم الأول الأكثر تقدما كانت قبل عقود قليلة من دول العالم الثالث ، وكانت لديها العديد من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الضخمة لكنها نجحت بكثير من الجهد والعمل تحت اشراف رجال عظام وعلى رأسهم «لى كوان يو» رئيس الوزراء الذى أعاد تأسيس وبناء تلك الدولة بعد الاستقلال عن ماليزيا عام 1965.. ومن حقائق التاريخ القريب أيضا أن مصر كانت أول دولة تعترف باستقلال سنغافورة ، كما طالب الزعيم لى كوان يو بالاستعانة بالخبرات والمساعدات الفنية والتقنية - والعسكرية أيضا- المصرية لدفع بلاده قدما فى طريق الاستقرار والنمو والتطور ، وكانت القاهرة مركزا رئيسيا لزيارات «يو» حتى اثناء وجود سنغافورة رسميا كدولة ذات حكم ذاتى موسع تحت التاج البريطانى قبل الاستقلال والانضمام للاتحاد الفيدرالى الماليزى ثم الانفصال عنه عام 1965، وكانت هناك مواجهات وتوترات بين اندونيسيا من جانب والاتحاد الماليزى ،وسنغافورة جزء منه من جانب اخر ، وكانت القاهرة تقوم برعاية المصالح الاندونيسية وتمثيلها فى المباحثات بين الجانبين ولم تكن تمر شهور قليلة الا ويتم استقبال الزعيم «لى كوان يو» فى مصر من جانب الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ونوابه، ومسئولين مصريين آخرين ، وكان «يو» حريصا على زيارات ميدانية للقلاع الصناعية فى القاهرة، والاسكندرية، وبورسعيد، وكفرالدوار وغيرها ، والتى شيدت أيام عبدالناصر، وكثيرا ما أبدى اعجابه وانبهاره بالبرامج الطموحة والانجازات الكبيرة لعمليات التصنيع فى مصر، بل وطالب بايفاد فنيين، ومهندسين، وأطباء، وخبراء مصريين فى مجالات مختلفة للإستفادة منهم فى برامج مماثلة فى سنغافورة وهو ما قامت به القاهرة. ففى عام 1962 زار «يو» مصنعا لتجميد الجمبرى والخضروات،والفواكه بالمنطقة الصناعية ببورسعيد، كما قام بجولة فى هيئة قناة السويس، وميناء بورسعيد، والترسانة البحرية ، والحوض العائم بالميناء. وفى ختام نفس الزيارة، وفى بيان مشترك للزعيمين أكد الرئيس جمال عبدالناصر أن مصر ستزود سنغافورة بكل ما تحتاجه من فنيين ومهندسين، وأعلن أن بعثة صداقة ستزور هذا البلد الصديق للوقوف على الوسيلة المناسبة للمساهمة فى إمداده باحتياجاته الفنية والثقافية. وفى مذكرات الزعيم «يو» ذكر أنه وعقب اعلان الاستقلال مباشرة فى التاسع من أغسطس عام 1965 ارسل للقاهرة - من خلال القنصل العام للجمهورية العربية المتحدة فى سنغافورة- بطلب الاعتراف والتأييد من مصر ، والاستعانة بخبراتها العسكرية لدعم بناء قوة دفاعية بحرية فى بلده المستقل توا ، وردت مصر وقتها بإعلان تأييدها ومباركتها لاستقلال سنغافورة لكن لم يتضمن ردها أية تفاصيل عن الدعم العسكرى وهو ما أثار عتاب الزعيم «يو» من صديقه المقرب جمال عبدالناصر، لكن «يو» يعود فى مذكراته ليؤكد تفهمه لموقف القاهرة وكذلك الهند - التى طلب منها نفس الدعم العسكرى لبناء جيش- لأن كلتا الدولتين لم تكونا راغبتين فى اثارة حفيظة صديقتيهما إندونيسيا ولا ماليزيا ولا سكانهما من المسلمين ، حيث كانت القاهرةوالهند مع اندونيسيا ضمن الدول المؤسسة لمنظمة التضامن الأفروآسيوية، ودول الحياد الايجابى وعدم الانحياز.