للصحابة الكرام مكانة عالية عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حيث دعا إلى احترامهم وإنزالهم منازلهم، وعدم تنقصهم بأي من الأحوال، ومما جاء في السنة الغراء موضحًا مكانتهم العظيمة ومحذرًا من يسبهم من سوء العاقبة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا ما أدركَ مدَّ أحدهم ولا نصيفَهُ" [رواه البخاري ومسلم]. وكذلك حذَّر النبي الكريم من تسول له نفسه النَّيْلَ من أصحابه الكرام، فقد جاء الوعيد الشديد في كل من آذى أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله: "الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضًا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومَنْ آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى، ومنْ آذى الله فيوشك أن يأخذه"، أي وعيد بعد هذا، ترى من ذا الذي تسول له نفسه أن يؤذي أصحاب رسول الله ومن ثم يؤذي ومن ثم يؤذي الله تبارك وتعالى فيعرض نفسه للهلاك، قال الإمام المناوي -رحمه الله- شارحا هذا الحديث: "الله الله في" حق "أصحابي" أي: اتقوا الله فيهم، ولا تلمزوهم بسوء، أو اذكروا الله فيهم وفي تعظيمهم وتوقيرهم، وكرره إيذانًا بمزيد الحثّ على الكف عن التعرض لهم بمنقص. "لا تتخذوهم غرضًا" هدفًا ترموهم بقبيح الكلام كما يُرمَى الهدف بالسهام، هو تشبيه بليغ، "بعدي" أي: بعد وفاتي". وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن سبَّ أصحابي فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين" [رواه الطبراني في المعجم الكبير:12/142، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة: 2340]. وبعد ذلك عرف السلف الصالح فضل الصحابة الكرام، وبيَّنوا ذلك، وردوا على كل من أراد انتقاصهم رضي الله عنهم، قال ابن عمر رضي الله عنهما: "لا تسبوا أصحاب محمد، فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عُمُرَهُ" [رواه أحمد في الفضائل: 1/57]. وجاء رجل إلى عبد الله بن المبارك وسأله: أمعاويةُ أفضل أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: "لتُراب في منخرَي معاوية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز" [رواه ابن عساكر:59/208]. وجاء رجل إلى الإمام أبي زرعة الرازي رحمه الله فقال: يا أبا زرعة، أنا أبغِض معاوية، قال: لِمَ؟ قال: لأنه قاتَل عليًّا، فقال أبو زرعة: إنّ ربَّ معاوية ربٌّ رحيم، وخصم معاوية خصمٌ كريم، فما دخولك أنت بينهما رضي الله عنهم أجمعين. [رواه ابن عساكر: 59/141]. وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "إذا رأيت رجلاً يذكر أصحاب رسول الله بسوء فاتهمه على الإسلام" [رواه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد:7/1252]. وعن فضل الصحب الكرام قال ابن أبي حاتم الرازي رحمه الله في كتابه الجرح والتعديل: "فأمَّا أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهم الذين شهدوا الوحيَ والتنزيلَ، وعرفوا التفسيرَ والتأويلَ، وهم الذين اختارهم الله عزَّ وجلَّ لصحبة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم- ونصرتِه وإقامةِ دينه وإظهارِ حقِّه، فرضيهم له صحابةً، وجعلهم لنا أعلامًا وقدوةً، فحفظوا عنه -صلى الله عليه وسلم- ما بلَّغهم عن الله عزَّ وجلَّ، وما سنَّ وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدّب، ووعَوْه وأتقنوه، ففقهوا في الدين، وعلموا أمرَ الله ونهيه ومراده بمعاينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومشاهدتهم منه تفسيرَ الكتاب وتأويله، وتلقّفهم منه واستنباطهم عنه، فشرَّفهم الله عزَّ وجلَّ بما مَنَّ عليهم وأكرمهم به من وضعه إيَّاهم موضع القدوة, فكانوا عدولَ الأمَّة وأئمَّةَ الهدى وحججَ الدِّين ونقلةَ الكتاب والسنة". ولابد أن نعرف جميعا عِظمَ هؤلاء الرجال الذين سماهم الله من فوق سبع سماوات بقوله سبحانه {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}, فهم الذين نصروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم وجاهدوا معه وذبُّوا عنه كل أذى حتى نَصَرَهُ الله وأمكنه من نشر دعوة التوحيد ورسالة الإسلام, وهم الذين أكملوا المسير من بعده على خير وجه, فهم السابقون شهود هذه الرسالة وحملتها رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر