قبل كل شيء لدينا تصفيق حاد ولا يتوقف فخراً بكل مبدعينا من الصم وضعاف السمع الذين يتحدثون لنا فى مسرحياتهم بلغة الإشارة ولوحاتهم الفنية وصورهم الفوتوغرافية بمعارضهم المتعددة، وقد لا يكون بينهم كاتب متمكن أو شاعر يصوغ مشاعر عالمهم الحبيس بين جدران وصاية المجتمع كله. لم تكن أزمة فرض الوصاية علي الصم نابعة من تحجر عقلى لأفراد المجتمع، ولكن كانت لأسباب تتعلق بالرعاية فى البداية، ثم تحولت مع الظروف التي مر بها المجتمع من تدنى ثقافته واقتناعه بأن الناجح يجب أن يتم احتكاره. وفي حالة الصم كان الاحتكار أسرى وبالمدارس وبالأماكن التى يترددون عليها، حتي أصبح مترجمو لغتهم ذات أنفسهم أوصياء فغاب الصم خلف المتكلمون وأصبحوا مثل «طائر ملون جميل الشكل حبيس الأقفاص». إن غياب الإبداع بلا شك هو النتيجة الطبيعية لتلك الوصاية، فالأصم مهما حاول أن يبدع شيئا سيجد الواصي عليه لديه إصرار بالسخرية منه وإحباطه وتهميشه، وحتي لو تفاءلنا خيرا وقلنا ليس الوضع سيئا لتلك الدرجة هناك داعمون سيبقى التعجيز سمة مرافقة لذلك الدعم حتي لا يتفوق الأصم. فهل حان الوقت لنسأل أنفسنا لماذا غاب إبداع الصم، أم أننا سنتحلي بشجاعة الاعتراف بالخطأ فى حقهم ونطالب بإيقاف كافة أشكال الوصاية والتمييز ضدهم. نعم الصم يحتاجون إلى مجتمعهم ليساعدهم فى ظل غياب حاسة الصم وحاسة النطق ولكن لا يجب أن يكون ذلك الدعم مقرونا بمصادرة حرياتهم فى فعل ما يريدون وكبت مواهبهم وإخفاء قدراتهم، هذا لا يستقيم لو كنا فعلا نريد مجتمعاً تشاركياً يعيش فيه الجميع، نحتاج الآن لإطلاق القدرات الإبداعية لعالم الصامتين، ففى عوالمهم تتجلي صوراً أكثر نقاءً لا يلوثها سوى المحيطين بهم ولكننا نعترف بنقائها ونقاءهم الأبدى، فعالم الصم هو عالم من الموهوبين، لذا فإن لوحة مرسومة لأحد فنانيهم تستطيع أن تكون صوتا .. ويا له من صوت !!