فن الواو نشأ فى المربعات الصعيدية، والموجودة –كفلكلور- فيما نسب للشاعر أحمد ابن عروس، وهو شخصية تحدث عنها أبناء الشعب، ليست له دواوين معروفة، وإنما نُسبت إليه أشعار شعبية، وقيل إنه كان قاطع طريق ثم تاب فى آخر حياته، وليس هناك دليل على أنه صاحب الشعر الذى نسب إليه. وسمي فن الواو بهذا الاسم لأن الراوي كان يبدأ الرواية بقوله: «وقال الشاعر» وتكثر فيه واوات العطف، فأصبحت لازمة لابد أن تقال، وصارت سمة مميزة لهذا القول من ثم سمي بها. وهو فن قولي يعتمد اللغة الشعبية كأداة له مع أداة أخرى هي الإيقاع الموسيقي المحدد، وتتجاوز لغته الشعبية حدود القواعد النحوية (الإعرابية) والصرفية، ويضاف إلى ذلك كله خاصية مجهولية المؤلف فى العصور القديمة، ثم تأتى المرحلة التى عُرف فيها المؤلف، واشتهر بعض الشعراء بالبراعة فى كتابة هذا الفن. ومن أشهر ما يُتداول من فن الواو قول بن عروس: لابد من يوم معلوم تترد فيه المظالم أبيض على كل مظلوم أسود على كل ظالم وعادة فإن الشعر الذى نسب لابن عروس شعر واضح المعنى، ولكننا نجد فى الكثير من المربعات الصعيدية الفلكلورية كمربعات السرد فى السيرة الهلالية على سبيل المثال، أحيانا يقع كاتب السيرة فى الجناس التام، وهو تطابق حروف الكلمة الأخيرة من كل سطر، ويستهويه ذاك لدرجة أنهم أحيانا يضحون بسهولة المعنى من أجل الحصول على هذه المتعة اللفظية بتطابق حروف الكلمة الأخيرة من كل سطر. ونجد هذه الظاهرة أيضا فى التطبيقات المعاصرة لفن الواو، أى فى المربعات معروفة المؤلف التى يكتبها الشعراء المعاصرون مستلهمين فيها التقاليد الفنية لهذا اللون الفلكلورى أى المربع الصعيدى، فنجد بعضهم تستهويهم لعبة لجناس التام والتطابق اللفظى لآخر كلمة من كل سطر مع نظيرتها فى السطور الأخرى والتى تصنع قافية معها، فلا يهتمون أحيانا بمسألة وضوح المعنى للقارئ وسلاسته. إلا أن أشهر هؤلاء هو الشاعر الكبير عبد الستار سليم نجده يبحر متزنا فى هذا البحر الفنى، فلا يغالى فى الاستسلام لمتعة الجناس التام، وتطابق حروف كلمتى القافية على حساب سهولة المعنى وسلاسته ووضوحه للقارئ، فنجده يتعامل مع الجناس بحذر، ولا يلجأ للجناس التام إلا فى أحوال نادرة، محافظا على وضوح المعنى ووصوله للمتلقى. وللشاعر مقال قيم فى فن الواو، ذكر فيه إن فن الواو كثيراً ما يلجأ إلى التورية والكلام غير المباشر حتى يستطيع الإفلات من الرقابة الصارمة التى تفرضها عصور الاستبداد، وكان «ابن عروس» ذا موهبة شعرية فطرية، فابتدع طريقه للتعبير تعتمد على التداخل الصوتى من حيث التقطيع أو الاتصال الذى يحافظ على القوافى المنطوقة وليست المكتوبة. ويشرح سليم كيفية كتابة فن الواو، فيقول: وقد يكون فن «الواو» مفتوحاً -أى سهل الاستيعاب والفهم– كما كان يكتب «بيرم» أحياناً، وقد يكون مقفولاً، أى تستغلق قوافيه على غير أبناء منطقته التى عاش فيها وترعرع، ففى محافظة قنا مثلا يوجد الآن أناس أميون يقولون فن «الواو» المحفوظ ويتحدون الشعراء أن يفكوا القافية، وكثيراً ما يعجز الشعراء عن ذلك، فأحد الزجالين من أبناء قنا رأى حبيبته تشرب من «قلة»، فقال على البديهة (والتفاعيل العروضية هنا كما تنطق وليس كما تكتب): خايف أقوله يقول لا والقلب مرعوب وخايف أبقى قوليله يا «قلة» حين توردى ع «الشفايف». وفن الواو يعتمد على المقطوعة التى تتكون من بيتين يتضمنان أربع شطرات، وليس على القصائد كالشعر العربى، وعليه فقد كثرت «واوات « العطف ولذا سمى هذا الفن بفن الواو، وكان يفصل بين كل مربع والتالى له بعبارة: «وقال الشاعر»، لسببين: أولهما إن كل مربع يتضمن فكرة مستقلة عن غيره، وثانيهما لكى يعطى فرصة للمستمعين ل «فك» مغاليق المربع، وتلك الميزة الخاصة لهذا الفن تجعل المستمع دائماً فى حالة حضور ذهنى ومتابعاً للشاعر ومشاركاً له وهو ما لا يتوافر لباقى فنون القول. وكان ابن عروس يتستر تحت كلمة «وقال الشاعر» – دون أن يبوح باسمه هو – حتى لا يقع تحت طائلة العقاب.
من مربعات الشاعر عبد الستار سليم
أول كلامى ح اصلى ع اللى الغزالة مشت له واحكى على اللى حصل لى وزرع همومى ف مشاتله صلوا معايا على " البدر " " طه " النبىّ المكمّل هزم الصناديد فى " بدر" وصبر لغاية ما كمّل يا ما بكى ع الرباب شاعر وحنّت ضلوعُه على بدر مخفى ورا باب مستنى ساعة طلوعُه عينى رأت سرب غزلان فيهم غزالة شريدة والقلب لمّا اتنغز .. لان شاور وقاللى شارى ده ماشية البنيّة بخلخال تُخطر كما فِرع مايل عِشق الصبايا يابو الخال عامل فى قلبى عمايل