1 - أعتقد أننا نظلم أنفسنا ونظلم هذا الوطن الذى ننتمى إليه بسبب ثقافة «التعميم» التى تستهوى البعض فإذا وقعت بعض حوادث التحرش المتفرقة يجرى تصوير الأمر على أننا مجتمع «منحل» وإذا تم ضبط وملاحقة بعض وقائع الفساد تتبارى الأقلام والألسن فى استباق التحقيقات وصدور الأحكام وإشاعة أجواء اليأس والإحباط خصوصا لدى البسطاء من الناس الذين يخيل لهم من أسلوب المبالغة أن الفساد فى مصر ليس له مثيل فى العالم ! وبادى ذى بدء أقول: إن الفساد أمر كريه ومرفوض ويجب محاربته بكل الطرق والوسائل واستنهاض همم المجتمع بأسره وليس أجهزة الدولة وحدها لاقتلاع كل مظاهر الفساد من جذورها فى إطار سيادة القانون وتحت شفافية يثق بها الرأى العام وانطلاقا نحو تثبيت قيم العفة والطهارة والنزاهة التى يراد الإيحاء من خلال بعض الأحاديث الصحفية والتليفزيونية إلى أنها قد اختفت وتوارت وذلك غير صحيح لأن الشرفاء أضعاف أضعاف الفاسدين . ولست أظن أنه يغيب عن ذهن أحد ممن يتصدون للحديث فى مثل هذه القضايا الحيوية أن الفساد يجذب الانتباه ويلفت الأنظار فى كل دولة تبدأ الخطو السريع على طريق النمو وقد عانت كل الدول الأوروبية من ذلك فى بداية مراحل النمو فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.. وهنا أسارع بالتأكيد أننا لا نريد لمصر أن تحاكى ما فعلته تلك الدول والمجتمعات التى بلغ بها شبق الرغبة فى سرعة إنجاز طفرة النمو إلى حد القبول بإغماض العين عن بعض مظاهر الفساد بدعوى أن هذا الفساد رغم وضاعته «أخلاقيا ودينيا»إلا أنه يسهم فى الإسراع بدفع عجلة التنمية لأن المستثمر الذى يريد أن يقيم مشروعا ويفاجأ بأن الإجراءات الروتينية والبيروقراطية سوف تستغرق منه شهورا طويلة لا يمانع فى دفع الرشوة التى تمكنه من إنهاء مشروعه فى عدة أيام محدودة.. ولكننا نريد أن نقول إن المبالغة فى تصوير جرائم الفساد يمكن أن يكون لها مردود سلبى خطير يؤدى إلى إشاعة الخوف والقلق فى أجواء الاستثمار والتنمية التى لا تستطيع أن تتعايش مع رياح القلق وعدم الاستقرار بسبب صيحات المزايدة والصوت الزاعق باسم ضرورات كشف الفساد وتعريته التى انتقلت من اجتهادات ومبالغات الصحف إلى غمز ولمز لايجوز ممن تحتم عليهم مواقعهم الرقابية ضرورة العمل فى صمت وعدم الانزلاق لمعارك شخصية على صفحات الصحف وشاشات الفضائيات. وغدا نواصل الحديث خير الكلام : الحكيم إذا قال خيرا غنم وإذا لزم الصمت سلم ! [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله