احتفل العالم باليوم العالمى لمكافحة الإتجار بالبشر وبالرغم من ذلك فإن عدد من يقعون ضحايا العبودية الحديثة بلغ 21 مليون شخص وفقا لما كشفت عنه منظمة العمل الدولية فالعبودية القديمة أو الرق كانت تعنى امتلاك الإنسان إنسانا مثله وكأن العبد ليس إنسانا له كل الحقوق البشرية فهو مملوك لسيده يفعل به ما يشاء فيستطيع بيعه فى أسواق النخاسة وإهداءه أو حتى قتله دون أن يسأل عن فعلته وكان العبيد يعملون بالسخرة قسرا فى الأعمال الشاقة فى الخدمات المنزلية أو الزراعة أو البناء والتشييد وفى الحروب أيضا وبالتالى كانوا معرضين للأسر وتنتقل ملكيتهم إلى المنتصر فى الحرب وهكذا يعتبر العبد كائنا مهمشا فى أى مكان يوجد به أما العبودية الحديثة فتتمثل فى نساء يجبرن على ممارسة الدعارة فى قبضة عصابات مجرمة ولا يستطعن الفكاك منهم إلا بالموت وأيضا العمل فى المزارع والمصانع رجالا ونساء وأطفالهم أحيانا مقابل الحد الأدنى من المأكل والمشرب أو بأجور متدنية جدا بعيدا عن الرقابة الحكومية فى هذه الدول وأحيانا استغلالهم فى ارتكاب الجرائم ضد خصومهم من العصابات الأخرى ومعظم هؤلاء ضحايا يتم تهريبهم بالخديعة من بلادهم فى رحلة بلا عودة واحتجازهم فى أماكن كالحظائر رغما عنهم مع أصحاب العمل الذين ماتت ضمائرهم مستغلين خشية المستضعفين بتهديدهم بالإبلاغ عنهم لسلطات تلك الدول وحبسهم بالسجون. وقد نهت كل الأديان عن العبودية سواء قديمها أو حديثها وقد صحح الإسلام ذلك بعد الجاهلية الأولى بأن دعا رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى حسن معاملة الأسرى والعبيد والرفق بهم وجعل لهم حقوقهم المقدرة لأول مرة فى التاريخ الإنسانى بل ان النبى محمد صلى الله عليه وسلم والعديد من أصحابه قاموا بشراء العبيد لتحريرهم ووضع الإسلام قانون العتق فى العبودية وتحرير الرقاب ليكون واحدا من الأفعال العديدة المتاحة لتكفير الذنوب ونأسف كثيرا لأن معظم من تعرضوا للرق والعبودية فى القرون القريبة الماضية ينتمون إلى القارة الإفريقية ففى القرن الخامس عشر مارس الأوروبيون تجارة العبيد الأفارقة وكان البرتغاليون يقومون بخطف الأفارقة من ذويهم فى أواسط إفريقيا وتجميعهم فى مراكز على الساحل الغربى لإفريقيا ثم يشحنون فى سفن مكبلين بالأغلال بأعداد تبلغ 800 عبد سنويا وكذلك فعلت اسبانيا وانجلترا وفرنسا وهولندا والدنمارك وفى أوائل القرن السابع عشر تم نقل جحافل العبيد إلى أمريكا الشمالية التى كانت تحت حكم التاج البريطانى وقتئذ ليعمروا الأرض هناك خاصة فى الجنوب الأمريكى الذى كان يعامل العبيد الأفارقة معاملة لا إنسانية ورأينا ذلك فى الفيلم المؤثر الأقرب إلى الحقيقة «كونتا كنتى» حتى قيام الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب. وكما كان أهل دول الغرب هم الذين بدأوا بترحيل العبيد إلى أراضيهم واستخدامهم بالقسر والقهر فى إعمار بلادهم إلا أنهم هم الذين بدأوا بالبحث عن حقوق العبيد فبعد الثورة الأمريكية طالبوا ببعض الحقوق المدنية المحدودة وكانت الدنمارك أول دولة أوروبية تلغى تجارة الرق وتبعتها بريطانياوأمريكا وكما تقول السجلات بأنه فى عام 1814 عقدت كل الدول الأوروبية معاهدة منع تجارة العبيد ثم فى عام 1848 عقدت بريطانياوأمريكا معاهدة ثنائية لمنع الإتجار بالبشر وبعد إعلان الاستقلال الأمريكى وفى عام 1865 نص الدستور الامريكى على الغاء العبودية ثم فى عام 1906 عقدت عصبة الامم فى ذلك الوقت مؤتمر العبودية الدولى حيث قرر منع تجارة العبيد والغاء العبودية بشتى أشكالها فكيف للآن مازال يوجد 21 مليون شخص يئنون تحت نير العبودية الحديثة؟.. إنهم ضحايا يجب ان تتجه أنظار العالم إلى إنهاء استعبادهم عن طريق قرارات حاسمة من منظمة الأممالمتحدة ومختلف الهيئات الدولية وتشديد الرقابة على الدول التى تتهاون ولا تتعاون معهم فى سبيل وجود عالم جديد بلا عبيد. د. مصطفى شرف الدين