لم يعرف شعبان تقاربا وامتزاجا كما عرف شعبا ليبيا ومصر حيث شهدت محافظات الأخيرة توافدا للشعب الليبي بشكل دائم خصوصا في الملمات التاريخية وإبان فترات الحروب ومنهم من أقام فيها بصفة دائمة أو كما قال شاعر ليبيا حسين محمد الحلاقي الذي حقق أشعاره الاديب والناقد الكبير الدكتور يونس فنوس «نجو لمصر والجيزة هالعماله بلاد خير فيها كل شيء ميجود بلاد مصر فيها الخير تناله ماهناك في الدنيا لمصر وجود ويقصد لاتوجد في الدنيا بلاد شبيهة بمصر ولم يكن السياج السلكي الذي وضعه الإيطاليون علي الحدود مع مصر إلا لمنع الدعم المصري الشعبي لإخوانهم الليبيين في حربهم مع الجيش الإيطالي. وهو الذي تكرر عام 2011 إبان أحداث ثورة 17فبراير الذي اكد ل«الأهرام» وقتها عدد من مشايخ وعمد المنطقة الشرقية أنه لولا الدعم المصري لضاقت بهم الدنيا وأقفرت من الغذاء والدواء. ويشهد التاريخ علي تطوع «قومندان الصحراء» الملازم صالح باشا حرب عام 1916(وزير الحربية المصري فيما بعد ) لقيادة جيش من السنوسية علي رأسه أحمد الشريف السنوسي لمواجهة المحتلين ومعه من أعيان وعمد بدو مطروح. فرج زهويق وحميد وحسين العاصي من قبيلة القنشيات وحقق بهم انتصارا كبيرا علي الإنجليز في معركة وادي ماجد. وكانت واحات مصر الغربية الفرافرة وسيوة والداخلة وغرب الموهوب الملجأ والملاذ لمجاهدي السنوسية ممن طاردهم الطليان ومازالت بعض العائلات فيها تحمل أسماء سنوسية بل بعضهم من أصل السنوسية واخوانهم في ليبيا. بل إن «سيدي» أحمد الشريف السنوسي (ابن عم الأمير ادريس والوصي عليه ) جاء الي الواحات الداخلة بخطاب توصية من مدير سلاح الحدود المصرية للاستيطان وتوطين عائلته وبعض أفراد جيشه وعائلاتهم غرب قرية القصر. بل إن أهالي واحة الفرافرة قاسموا إخوانهم الليبيين اللاجئين اليهم مياه الآبار وأراضيها بعد اعتقال شيخ المجاهدين عمر المختار وإعدامه ومنهم عبد الرحمن بومكاري وإبراهيم ذكري وبندريس والطاهر بن موسي. بل إن عمر المختار نفسه مكث عشر سنوات في مصر مقيما مابين الإسكندرية والبحيرة كما أخبرنا ابنه «سيدي محمد المختار» في منزله بمنطقة الحدائق في بنغازي . وتوفي شقيقه ودفن في حوش عيسي، أما الملك الصالح إدريس السنوسي رحمه الله فقد عاش في مصر لسنوات طويلة من عام 1923 وحتي عام 1940 . ويقول عن مصر في كتاب « الملك إدريس» تسجيل ايرك دي كاندول» عاملني المصريون باحترام بالغ يعكس مدي إحساسهم بمحنة إخوانهم الليبيين .في السنوات الخمس الاولي سكنت في شارعي عمر بن عبدالعزيز بحي المنيرة ورشدي باشا في جاردن سيتي ثم انتقلت للإقامة الدائمة في سان ستيفانو بالإسكندرية وكان لدي بضعة أملاك في سيوة وفي عام 1930 اشتريت قطعة ارض في كينج مريوط وبنيت عليها منزلا صغيرا ثم أقمت في مدينة الحمام بصفة مستمرة من عام 1931 الي عام1940 . أما بعد الإطاحة بالملكية نتيجة«انقلاب» معمر القذافي فقد استقبلت مصر الملك السنوسي وأسرته حتي وفاته عام 1983. أما حكاية تكوين الجيش الليبي فقد بدأت فكرته في مصر وأنشأ فيها في 9 أغسطس عام 1940 بعد تلبية عدد من المجاهدين وزعماء القبائل المنفيين والهاربين في مصر من حكم الإيطاليين من اعضاء الجمعية الوطنية الليبية للدعوة لمبايعة الأمير إدريس وإنشاء جيش ليبي جديد وقد حتمت ظروف الحرب العالمية الثانية علي انجلترا ضرورة مساعدة السنوسيين لتكوين الجيش الوطني الليبي لمواجهة قوات المحور (المانيا وايطاليا) في شمال افريقيا وهو ما أسفر عن اتفاق ممثل القيادة العسكرية الإنجليزية في مصر الميجور جنرال براملي مع الامير إدريس السنوسي علي الاستعانة بعناصرالليبيين المهاجرين والمنفيين في مصر لتكوين ما اسمي «بالمرابطين» أو الجيش السنوسي وتم افتتاح معسكر للتدريب بمنطقة الهرم بصحراء أبورواش عند الكيلو 9طريق اسكندرية الصحراوي يوم 9 اغسطس عام1940وتكون من المجاهدين وبقايا جيش المرابطين الذي قاده شيخ المجاهدين عمر المختار ضد الاحتلال الإيطالي ومنهم حسين الفقيه وعدالحميد العبار وعمر فائق شنيب.وحمد بوخير الله وجبريل صالح وفرج صالحين وصالح الأطيوش، وعبدالجليل سيف النصر وإبراهيم أحمد الشريف السنوسي وغيرهم من المجاهدين واستمر التدريب لأسابيع بمعاونة الجيش المصري. وعندما نالت ليبيا استقلالها في ديسمبر 1951 أعادت الحكومة الليبية ترتيب جيشها وبدأت في إرسال البعثات العسكرية للخارج وأنشأت مدرسة عسكرية في مدينة الزاوية لتخريج دفعات سريعة من الضباط و وإيمانا بهذه الذكري وتخليداً لها أمر الملك إدريس السنوسي بعد الاستقلال بإقامة النصب التذكاري مشيراً في اللوحة التذكارية إلي رمزية المكان في القاهرة مما يدعم الروح المعنوية للمجاهدين في هذه البقعة المباركة. وبموافقة الحكومة المصرية عسكر المجاهدون السنوسيون الذين أخرجهم الاستعمار الإيطالي من بلادهم في يوم الجمعة 9 أغسطس وقد رفع في وسطهم الأمير إدريس المهدي السنوسي العلم السنوسي أسود اللون ذا الهلال والنجمة وهم يتمثلون بشيخ الشهداء عمر المختار وهو ما أكد عليه للأهرام اللواء عبدالرازق الناضوري رئيس أركان الجيش الوطني الليبي الذي جاء إلي مصر لحضور المناسبة مؤكداً أن «احتفالنا بتأسيس الجيش الليبي وفي نفس البقعة المباركة كما نعتها الملك السنوسي لهو تأكيد علي عودتنا بالروح العسكرية إلي الأجداد العظماء الذين بنوا الجيش واظهار التماسك المصري الليبي لنذكر العالم والأعداء في الداخل والخارج وفضل المصريين والجيش المصري وأنهم هم الذين قاموا ببناء الوحدات العسكرية المختلفة في الجيش الليبي وكذلك لمواجهة ما يبثه الإخوان الإرهابيون والجماعات المتطرفة من حروب نفسية موجهة ضد العسكرية الليبية لمحاولة زعزعة ثقة ضباطنا وجنودنا في أنفسهم والأهم يضيف اللواء عبدالرازق الناضوري رئيس أركان الجيش الليبي مواجهة هؤلاء الأعداء الذين يحاولون الترويج بأن لا جيش في ليبيا ويقولون بإعادة إنشاء جيش حتي يكون علي هواهم وبأفرادهم الإرهاربيين، إن الجيش الليبي عمره 75عاما وعن مساهمته بالحضور قال اللواء الناضوري جئت لهذه المناسبة ومعي رؤساء أركان الجيش الليبي وقادة الأفرع نيابة عن الفريق حفتر الذي لم تواته الظروف لحضورها بنفسه وقد تشرفنا بحضور قائد المنطقة المركزية في مصر وعدد من قادة الجيش. أما عن حكاية هذا النصب التذكاري الذي أنشأه الملك السنوسي تخليداً لذكري إنشاء الجيش الليبي فقد ترك مهملاً في صحراً «أبورواش» لأكثر من ستين عاماً.وكاد أن يزال نتيجة إهمال دولة القذافي الذي لم يرغب في تذكير الليبيين بالملك الصالح طوال أربعين عاماً وتعرضت الأرض المحيطة به والتي أهدتها الحكومة المصرية إلي ليبيا للاغتصاب ومحاولات عديدة لوضع اليد عليها لولا يقظة حارس النصب التذكاري ومداومة التصدي لكل من حاول ابتلاعها. بداية من الجد رشاد شقلوف كان أحد متطوعي الجهاد ضمن جيش السنوسي مروراً بالأب صالح إلي الحفيد أحمد وهو الحارس الحالي الذي يؤكد أن الملك كلف جده بالحراسة والإشراف علي المكان بعد بناء النصب التذكاري عام 1951 بعد إعلان استقلال ليبيا وضمن هذا التكليف رعاية وحراسة «حوش العبيد» وهو دوار الإقامة للقادمين من ليبيا وسكن لقادة الجيش الليبي عند نزولهم مصر والجبانة الليبية وهما أيضا قريبان من النصب وكان الملك السنوسي وأمراء السنوسية وقادة الجيش والدولة كثيرا ما يزورونه حتي انقلب القذافي علي الملك عام 1969. واستمر الملك بعد نفيه في مصر يزوره وكانت آخر زياراته عام 1974.. وكان النصب والجبانة قد تعرضا لمحاولات التعدي.. ولكننا ظللنا علي وفائنا لذكري الملك وجيشه حتي جاء الرائد طيار عبدالسلام المسماري مستشار الشئون الأمنية لرئاسة الأركان لإزالة الركام وجلا وغسل النصب وإظهر الكتابة عليه بعد أن اختفت وقام بالعمل بيديه طوال أسبوعين مع العمال حتي تحول المكان إلي واحة بالزرع والماء وبدا النصب التذكاري كأنه مصنوع الآن. يقول الرائد طيار عبدالسلام صالح منصور المسماري أعرف منذ زمن أن تأسيس الجيش الليبي تم في أرض مصر وبدعم من الحكومة المصرية عام 1940 ولكني لم أكن أعلم أن هناك نصبا لتخليد هذا التأسيس وفي نفس المنطقة التي استخدمها الملك الصالح إدريس السنوسي كمعسكر للتدريب وقبل فترة علمت من أحد الليبيين بالأمر وجئت لاستطلاع المكان فوجدته مهملا جدا فانتهزت فرصة زيارة اللواء عبدالرازق الناضوري رئيس أركان الجيش الليبي وعرضت علي سيادته إعادة تنظيف وتهيئة المكان لتتم فيه احتفالات اليوبيل الماسي (75 عاما) لتأسيس الجيش الليبي لسببين أولهما الدعم النفسي لقوات الجيش الليبي وعناصره استمدادا لروح النضال والجهاد الحقيقي ضد المستعمر والذي قاده أباؤهم وأجدادهم، والثاني شكر مصر علي استعادة ذكري مساندتها التي لم تتوقف للدولة الليبية واظهار فضلها في دعم تأسيس الجيش الليبي سواء اللوجيستي ومنح الأرض والعتاد العسكري وهو ما تتحدث به كتب التاريخ ومازال يتذكره المسنون أو أبناؤهم ممن حاربوا مع الملك السنوسي وكيف كان الدعم المصري غير محدود لدولة ليبيا سواء بالمساعدات العسكرية والغذائية واستقبال الليبيين للإقامة في مصر دون قيود ودون مضايقات ومساعدة الجرحي بمداواة جراحهم في مستشفياتها وهو ما يحدث الآن بنفس الشكل وكأن التاريخ يعيد نفسه فهناك دفعة جديدة من ضباط الجيش تم تخريجها فى الكليات العسكرية المصرية فضلا عما ساعدته به مصر بلادنا منذ بدء أحداث ثورة 17 فبراير 2011 ومازالت مستشفياتها تستقبل وتعالج جرحي الحرب من الليبيين. وعندما عرضت ذلك علي اللواء الناضوري وافق سريعا وصحبني إلي أبو رواش وأمرني بالعمل السريع لتهيئة المكان للاحتفال. وهو ما حدث بمعاونة عدد من العمال دون أي تكاليف وبالمجهود الذاتي. عبدالرحمن باشا عزام: مقاتل فى الجيش الليبى شارك عدد من المصريين كمقاتلين ضمن قوات الجيش السنوسي منهم صالح باشا حرب وزير الحربية أواخر أربعينيات القرن العشرين وعبدالرحمن باشا عزام الذي كان له مساحة كبيرة في تاريخ ليبيا الحديث من منتصف العقد الثاني من القرن العشرين، وهناك من يذكر أن أصول عائلته تعود إلي الصحراء الليبية. وعام 1916 انضم عبدالرحمن عزام إلي قوات الجيش السنوسي تحت قيادة السيد أحمد الشريف السنوسي التي خاضت معارك ضد القوات الانجليزية عند الحدود المصرية الليبية، واصطفاه الملك إدريس أمير برقة وقتها - كمستشار خاص في مفاوضاته مع الإيطاليين بينما عرف بمفاوضات الزويتينة. وشارك ضمن قوات السنوسية كمقاتل في معركة (العقاقير) ولم تدم إقامته في برقة حيث طرد منها مع الضباط الاتراك إثر هزيمة السنوسييين ونفي أميرهم أحمد الشريف السنوسي فلجأ عزام إلي مصراته مع الضباط الاتراك وقاموا بدعم حكومة رمضان السويحلي الذي قتل عام 1920 فحل عزام ضيفا علي أحمد المريضي من أعيان ترهونة، وشارك في عقد مؤتمر بمدينة غريان أسفر عن تشكيل هيئة الإصلاح المركزية وتدخل عبدالرحمن عزام للصلح بين أهالي ترهونة ومصراتة. بل وشارك في جهود قادة وأعيان ومشايخ طرابلس لتوحيد جهود أبناء الغرب الليبي لإْعلان قيام الجمهورية الطرابلسية في 16 نوفمبر عام 1918 وعين مستشارا لهذه الجمهورية وظل مقيما لسنوات عدة تزوج فيها مرتين الأولي امرأة ليبية من غريان والثانية ليبية ايضا هي كريمة الزعيم الليبي خالد القرقني وبعد عودته من ليبيا انتخب عضوا بمجلس النواب المصري بعد إعلان دستور 1923 وعينه الملك فاروق عام 1936 وزيرا مفوضا وممثلا لمصر في العراق وإيران ثم اختاره علي ماهر باشا وزيرا للاوقاف في وزارته عام 1939 ثم وزيرا للشئون الاجتماعية. وشغل عبدالرحمن باشا عزام منصب أول أمين عام لجامعة الدول العربية .