السيسي يجتمع مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة    مطالب برلمانية للمحافظين بالتحرك لإنقاذ المتضررين من ارتفاع منسوب مياه النيل    «تعليم القاهرة» تهنئ المعلمين في اليوم العالمى للمعلم    الخميس المقبل إجازة للعاملين بالقطاع الخاص بمناسبة ذكرى 6 أكتوبر    أسعار الذهب اليوم الأحد 5 أكتوبر2025.. وصل لكام؟    «الزيتون ب65 والطماطم ب25».. قائمة أسعار الخضار فى أسواق الإسكندرية اليوم    وزير الاتصالات يعلن إطلاق النسخة المطورة من منصة «إبداع مصر» خلال مؤتمر Techne Summit بالإسكندرية    عقد مؤتمر في القاهرة لعرض فرص الاستثمار الزراعي والتعدين بالولاية الشمالية في السودان    رئيس الوزراء يُتابع مشروعات تطوير البُنى التحتية وأنظمة التأمين بالمطارات المصرية    أسعار مواد البناء اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025    سموتريتش يحذر نتنياهو: دخول مفاوضات غزة دون قتال خطأ فادح    ترحيب عربي بخطوات حماس تجاه مقترح «ترامب» لإنهاء الحرب على غزة    عاجل- 6 شهداء في غارات الاحتلال على غزة منذ فجر اليوم بينهم 4 من منتظري المساعدات    من هو هنري حمرة؟ أول يهودي سوري يترشح لعضوية البرلمان منذ 78 عامًا    «يجب استبداله».. نجم ليفربول السابق ينتقد محمد صلاح بعد الخسارة من تشيلسي    دوري أبطال أفريقيا.. بيراميدز في مهمة سهلة أمام الجيش الروندي    مواعيد مباريات اليوم الأحد 5-1- 2025 والقنوات الناقلة لها    لاقتحام المنافسة.. موعد مباراة مانشستر سيتي أمام برينتفورد والقناة الناقلة    هل يعود ميدو؟.. شوبير يرشح 3 مدربين لخلافة فيريرا في الزمالك    انخفاض الحرارة وأمطار خفيفة تضرب دمياط.. والأرصاد تكشف تفاصيل الطقس اليوم    إصابة 9 فتيات في حادث تصادم بطريق بني سويف – الفيوم    تاجيل طعن إبراهيم سعيد لجلسة 19 أكتوبر    إصابة 8 أشخاص إثر حادث انقلاب ميكروباص بكفر الشيخ    انطلاق المؤتمر السنوى العشرون لأدب الطفل بالمكتبة المركزية بجامعة حلوان    مواقيت الصلاة اليوم الأحد 5 اكتوبر 2025 في محافظة المنيا    «الرقابة الصحية» تحتفل باليوم العالمي لسلامة المرضى تحت شعار «بداية آمنة لمستقبل أكثر صحة»    أيقونات نصر أكتوبر    «مرة فى الشهر » الفيلم الذى أبكى الجميع فى مهرجان الغردقة    «الحصاد الأسبوعي».. نشاط مكثف لوزارة الأوقاف دعويا واجتماعيا    منذ فجر اليوم .. 6 شهداء فى غارات الاحتلال على غزة بينهم 4 من منتظرى المساعدات    إسرائيل تعترض صاروخًا أُطلق من اليمن دون وقوع أضرار    أسعار الفراخ في أسيوط اليوم الأحد 5102025    بعد خماسية الريال وفرانكفورت.. موعد مباراة أتلتيكو ضد سيلتا فيجو والقناة الناقلة    رحيل فيريرا عن الزمالك.. مفاجآت في توقيت الإعلان والبديل بعد التعادل مع غزل المحلة    وزارة الصحة تكثف توفير الخدمات الطبية وأعمال الترصد في عدد من قرى محافظة المنوفية تزامناً مع ارتفاع منسوب مياه نهر النيل    متى يبدأ التشعيب في البكالوريا والثانوية العامة؟ التفاصيل كاملة    المملكة المتحدة: ندعم بقوة جهود ترامب للتوصل لاتفاق سلام في غزة    في 5 أماكن.. تعرف على أماكن الكشف الطبي لمرشحي مجلس النواب بسوهاج    قدمها في حفل مهرجان نقابة المهن التمثيلية.. تامر حسني يستعد لطرح «من كان يا مكان»    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الاحد 5-10-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    136 يومًا تفصلنا عن رمضان 2026.. أول أيام الشهر الكريم فلكيًا الخميس 19 فبراير    المطرب اللبناني فضل شاكر يسلم نفسه إلى الجيش    اليوم.. محاكمة 5 متهمين في قضية «خلية النزهة الإرهابية» أمام جنايات أمن الدولة    السيسي يضع إكليل الزهور على قبري ناصر والسادات    «اللي جاي نجاح».. عمرو سعد يهنئ زوجته بعيد ميلادها    صبري عبد المنعم يخطف القلوب ويشعل تريند جوجل بعد تكريمه على كرسي متحرك    عادل مصطفى: كل المباريات مهمة.. وهذا كان حديثي مع الشحات قبل القمة    أبواب جديدة ستفتح لك.. حظ برج الدلو اليوم 5 أكتوبر    أذكار النوم اليومية: كيف تحمي المسلم وتمنحه السكينة النفسية والجسدية    سلاف فواخرجى تكشف عن تدمير معهد الموسيقى فى سوريا    اعرف تردد مشاهدة "قيامة عثمان" بجودة HD عبر هذه القناة العربية    بمكونين بس.. مشروب واحد قبل النوم يزيد حرق الدهون ويحسن جودة النوم    أعراض متحور كورونا «نيمبوس» بعد تحذير وزارة الصحة: انتشاره سريع ويسبب آلامًا في الحلق أشبه ب«موس الحلاقة»    اندلاع حريق في «معرض» بعقار سكني في شبرا الخيمة بالقليوبية    حقيقة فيديو «تعاطي المخدرات» على مقهى بالبحيرة    دراسة حديثة: القهوة درع واق ومُرمم لصحة الكبد    كيف نصل إلى الخشوع في الصلاة؟.. الدكتور يسري جبر يوضح    هل التسامح يعني التفريط في الحقوق؟.. الدكتور يسري جبر يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محفوظ عبدالرحمن يكتب:قناة السويس والإبداع
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 08 - 2015

كان من المستحيل تقديم فيلم عن جمال عبدالناصر.. كنا فى منتصف حكم الرئيس مبارك. وكان اسم جمال عبدالناصر وتاريخه يتضاءل إعلاميا مع قناعة أن أسطورة ناصر لم تعد باقية. وكان الإعلام يستخدم المقص فى ابعاد صورة جمال عبدالناصر وبالطبع أعماله.
وكان الخروج الوحيد عن المألوف مشهدا وحيدا للفنان الكبير عادل إمام وهو فى مكتب الأجهزة المعنية فيرى صورة جمال عبدالناصر يخاطبه مذعورا ومترددا.
لم نفكر فى تقديم فيلم عن جمال عبدالناصر ولا حتى فكرنا فى فيلم ما. إذ كان المشروع هو سهرات عن الذين قدموا لمصر جهدهم الفريد فى السياسة والأدب والعلم وما إلى ذلك.
هرب معظم المتحمسين لهذا المشروع لإحساسهم بعدم جديته ولأن التحضير له استغرق سنوات. وفوجئت أنه لم يعد فى المشروع سوى أحمد زكى وأنا. وكان أحمد زكى متحمسا جدا للمشروع، وأنه عمل جاد أمام موجة كوميديا مسطحة ومسيطرة حتى ابعدت أى نوع آخر من الأفلام.
قررت أن أقوم بموقف «عنتري» فحددت عشرة اسماء وجعلت أولهم جمال عبدالناصر، وذهبنا إلى كبير المسئولين ليوافق أو لا يوافق، وأحمد زكى يقول أن هذا استفزاز ما بعده استفزاز، لكنه لم يعترض، وقدمنا القائمة للمسئول وقرأها بتمعن وأعلن رضاه الكامل. وطلبت منه أن يوقع بخطه على الموافقة. ففعل بسرعة وجدية. وعندما خرجنا من مكتبه قال أحمد زكى فى حماس لو انتهيت من السهرة الليلة سأكون فى الاستوديو غدا.

ولكن العمل لم ينته قبل نصف عام.
لم أكن بحاجة إلى القراءة عن عبدالناصر، إذ كنت قد قرأت وتابعت ما يخصه باهتمام كبير. كنت أرى أن كل شخصية سنقدمها من الممكن أن تتناولها فى ساعة ونصف الساعة إذا اخترنا جزءا من حياته يعبر عن الشخصية. وعندما كنا فى بدايات المشروع سألنى أحدهم عما اختاره من جمال عبدالناصر مثلا قلت له بسرعة شديدة: «تأميم قناة السويس».
فى فترة البداية كانت الكتابة صعبة لسبب واحد هو يقينى أننى أكتب ما لن يتم تصويره أبدا!
فى تلك الفترة استطاع أحمد زكى انتزاع الموافقة على أن يكون فيلما لا سهرة.
وعندما انتهيت من الكتابة بدت اللعبة التالية فلقد قدموا لى عقدا ونظراتهم تتسلل إلى فى فضول.
وقعت على العقد، فصاحوا بنصيحتى اياى أن اقرأه، لكننى رفضت، وكان المقصود أن أرفض التوقيع، وكان أجرا لا يوازى أى شيء فى الحياة، وعندما عرفته صحت. ولكن بعد عام أو أقل من عرض الفيلم فوجئت أن موظفى المالية يبحثون عني، وأخبرونى أن لى مكافأة مقابل جودة النص، وهذا يؤكد أن للكل ضمائر!
وتكملة للمصاعب قامت مشاكل وحوادث طول عامين أوقفت العمل. وتحقيقات، كان من الواضح أن هناك من لا يريد الفيلم اطلاقا.
وعندما اقترب انتهاء الفيلم ذهبت وبصحبتى أحمد زكى إلى ممدوح الليثى الذى كان رئيسا لقطاع الإنتاج، وطلبنا عرض الفيلم ولو فى دار سينما واحدة لمدة أسبوع، وهز ممدوح رأسه أنه يفكر، وذكرنا بتجربة سابقة للقطاع فشلت، لكننا أخذنا نهون عليه مطلبنا.

كنت قبل واثناء الكتابة محتشدا بأحداث قناة السويس. هذه القناة التى لم يحبها المصريون عندما بدأت! فلم يكن أهل مصر أصحاب الفكرة ولا أصحاب المصلحة، مشروع فرنسي، تسانده قوى عالمية على عكس ما يحدث فى قناة السويس الآن التى يشعر كل مصرى أنه يمتلكها وأنها أحد أحلامه الكبرى فى الحياة.
لم تكن فكرة تأميم القناة مجرد فكرة انتبه إليها جمال عبدالناصر عندما وضعته أمريكا فى موقف سييء، ذلك أن عبدالناصر لفت نظره مشروع السد العالى الذى كان صاحب فكرته مهندس يونانى الأصل سكندري.
ولم يكن عبدالناصر بعيدا عن فكرة تأميم القناة. فبعد قيام الثورة بأسابيع أقام دورة للضباط درس فيها الدكتور محمد مصطفى الحفناوى أهمية قناة السويس. وكانت فكرة التأميم فى خيال المصريين بأشكال مختلفة. وفى بدايات القرن العشرين حاولت بريطانيا فى خطة خبيثة لتسعى لشراء قناة السويس (الشركة والأرض)!
وأعلنت انها ستدفع مبلغا كبيرا وسارع بعض الساسة بمساندة الفكرة ولكن رجال مصر قاموا بمعارضة المشروع، وكان من بينهم الاقتصادى الكبير طلعت حرب، وكتب كتابا فى عام 1911 يهاجم الفكرة، ودعا إلى ما يمكن أن يكون تأميما للقناة.

وأعود إلى الفيلم الذى بدا أنه لن ينتهى ففى كل أسبوع مشكلة.
وفى النهاية تحدد عرض الفيلم فى افتتاح مهرجان الإذاعة والتليفزيون، ولكن المشاكل لم تكن قد انتهت بعد. فالفيلم فى لندن يقوم الأستاذ محمد فاضل بانهاء المونتاج هناك. ثم مرض وسيرسل الفيلم ويظل هو هناك للعلاج متى يأتى الفيلم؟
قبيل افتتاح المهرجان!
وفوجئت باتصال تليفونى مبكر من مسئول كبير وسألنى بود:
ايه حكاية ناصر 56؟
ادركت المشكلة كاملة فقلت:
يا افندم ده فيلم تسجيلي!
رد بدهشة:
فيلم تسجيلي؟ طيب أحمد زكى بيعمل ايه فى الفيلم؟
يا افندم هى الأفلام التسجيلية الآن لها أشكال جديدة. الممثل هنا مقابل موضوعى للنص!
ويبدو انه لم يفهم ما قلته. فسألنى مؤكدا:
يعنى الفيلم تسجيلي!
وأكدت له هذا، ولن أحكى عما حدث فى اليوم التالى فقد ايقظنى من النوم وهو يصرخ:
هو ده فيلم تسجيلي؟!

فى ليلة عرض الفيلم كان أحمد زكى عصبيا، وأخذ يتساءل فى غضب أين »فلان« وكان من رجال المشير عامر، ولما كنت إلى حد كبير أعرف مفاتيح أسباب الغضب. قلت له أن الرجل الذى يذكره هاجر من مصر منذ فترة طويلة، وأنه يقصد شخصا آخر من رجال عبدالناصر، وقال ملاحظة أثناء تصوير الفيلم يعترض على أن أحمد سيؤدى بعض خطب الرئيس. وقد كتمت الملاحظة لمعرفتى أنها حسن نية، ولكن أولاد الحلال أوصلوها إلى أحمد.
الذين يحضرون المهرجانات يعرفون أن هناك بداية احتفالية يحضرها الجميع فى حماس وخاصة إذا كان الرئيس موجودا وبعضهم عيونهم عليه كأنه سيشير لهم. وعادة عندما يخرج الرئيس يخرج هؤلاء. قال لى أحد خبراء المهرجانات أنه مع نهاية الجزء الاحتفالى يختفى ثلث إلى نصف الحاضرين. فى تلك الليلة كان عدد المنتظرين للفيلم أكبر ممن حضروا احتفالية الرئيس. وأحد الأدلة على هذا أننا لم نجد مكانا لنا. وكان ممدوح الليثى حريصا على جلوسنا فى الصف الأول، ولكن تضخم العدد جعلنا نبحث عن مكان. وأخذ أحمد زكى قرارا سريعا وجلس على الأرض فى وسط القاعة وتجمع حوله عدد كبير.
هذا الزحام كان متوقعا لأن عددا كبيرا من الحضور كانوا من ابناء الدول العربية، أى أنهم مازالوا فى الهوى الناصري، ولكن أن يتجاوز الحضور قدرات أكبر قاعات القاهرة، كان شيئا مدهشا.
اشارت إلى سيدة (رحمها الله) وطلبت أن أجلس حيث تجلس وبالطبع رفضت فقالت أن زوجها حجز لها كرسيا فى مكان آخر. وصدقت وجلست.
كنت شديد القلق للبداية كنت خائفا أن يدخل المشاهدون فى نقاش حول مدى الشبه بين أحمد زكى والزعيم الراحل، وهو موضوع شغل أحمد زكى إلى حد أنه كاد يقوم بجراحة ليقرب شكله من الزعيم. وعارضت الفكرة بقوة وشرحت له أن الذين ادوا ادوار نابليون بونابرت دائما كانوا من النجوم الكبار ولم يكن هناك واحد منه فى شكل ولا حجم نابليون.
كما توقعت برز الفيلم وعبدالناصر بعيدا عن الكاميرا لاجهاض محاولة الثرثرة.. وفجأة حتى بالنسبة لى اقتربت صورة جمال عبدالناصر، ودوت الصالة بالتصفيق. ثم بدأنا نسمع البكاء والاستحسان بل وطلب الإعادة(!)
احتضنى باكيا أكثر من شخص سمعتهم يهاجمون عبدالناصر، ووقف فنان كويتى كثير الحركة والكلام، صامتا ودموعه على وجهه، ولم يخطر ببالى فى معرفتى الطويلة به انه من الممكن أن يبكي.
ومنذ تلك الليلة وحتى آخر مرة رأيت الفيلم بين جمهور كان الجميع يصفقون لأمينة رزق فى نهاية مشهدها الوحيد.
لم يكن الرئيس مبارك يحب مشاهدة الأفلام (ولا المسرحيات ولا الباليه ولا الأوبرا..) لذلك اصابتنا الدهشة عندما عرفنا أنه طلب رؤية الفيلم، وتفاعل أحدهم قائلا إن الرئيس سيمنحنا أوسمة، وضحكنا للفكرة.
تسرب بالطبع ما حدث، وبالذات تعليق الرئيس فلقد تساءل فى هدوء: من الذى يحكم مصر الآن؟ نحن أم عبدالناصر؟
ووضع الفيلم منذ تلك الليلة فى خزنة حديدية. ولم نستطع أن نطل عليه إلا عندما ناقشنا محمد فاضل وأنا حذف مشهد وطلبنا رؤيته، وتم ذلك فى زحام ظنناه احتفاء بنا. ولكن عندما طلبنا رؤية المشهد مرة أخرى قالوا إن الفيلم عاد إلى خزنته!
واستمر حبس الفيلم عاما كاملا. وبدا أنه من المستحيل عرض الفيلم. لكن العرض الأول والوحيد حمل تأثيره المشاركون العرب فى مقالات وأحاديث، وعندما كان يأتى وزير اعلام عربى أو صحفى كبير كان غالبا ما يسأل عن الفيلم.
ولم يستمر المنع أكثر من عام. وعرض الفيلم فى احدى دور السينما الكبرى وحقق نجاحا جماهيريا هائلا.. ولقد شاهدته وسط الناس ثلاث أو أربع مرات، كان فى احداها عجوز على سرير مستشفى يحمله ممرضون وأهله. وادخل إلى التليفزيون ما لم يتخيل أن يأتى به فيلم، بل كان رقما جديدا فى صناعة السينما. ومع ذلك قرر التليفزيون ايقاف عرضه!
وما حدث فى مصر حدث اضعاف اضعافه فى العالم العربي. عندما قابلت توجان الناشطة الأردنية الشهيرة رفضت ان تتركنى قبل أن أرد على سؤال اثاره معها صبى من أسرتها عمره خمسة عشر عاما، فلقد سألها: لماذا مات هذا الرجل (جمال عبدالناصر) ورد أحدهم عنى بقول نزار قبانى (فقدناك يا آخر الأنبياء)!

سألونى مرات عن هوايا فى قناة السويس. ولم أجد إجابة فقناة السويس تكاد توازى تاريخ مصر منذ بداية 1866 وربما قبل ذلك إلى ما بعد 1956 عندما أممها جمال عبدالناصر وحتى قبل (ناصر 56) قادنى هوايا إلى (بوابة الحلواني)
وكان هدفى كما قلت مرارا أننى كنت أريد أن أكتب كيف كانت الحياة اليومية فى قناة السويس (1866 1876) والتى مات فيها نحو مائة وعشرين ألف مصرى لأسباب عديدة فى حفر هذه القناة. إذ لم تكن هناك أية رعاية إنسانية ولا طيبة. فدفعنا ثمنا غاليا فى قناة استولت عليها الدول الكبرى من البداية حتى أممها جمال عبدالناصر، ووضعها بين ايدى المصريين.
وكان هدفى كما قلت رغبتى فى أن أذكر بالثمن الذى دفعه المصريون. ولما لم أجد الوثائق التى كنت قد رأيتها بنفسى اختصرت المشروع كله فى مسلسل من 24 حلقة.
وفوجيء التليفزيون وفوجئت معه بالنجاح الكبير والاستقبال الثقافى وبدا الالحاح من الندوات لكتابة أجزاء أخري، وفعلا كتبت جزءين آخرين. وكان رفيقى فى الإخراج إبراهيم الصحن بثقافته وهدوئه وموهبته وكانت خطتنا تغطية عصر إسماعيل والتوقف عند عزل الخديو وسفره إلى إيطاليا. ولكن المسئولين لم يحبوا ان يكملوا مسلسل مسئول سابق ورحبوا بأى موضوع آخر!!

كل كلمة كتبتها فى هذا المقال المطول كنت أحس بقلبى ينبض بالقناة الجديدة... هذا المشروع الكبير. عشت عاما وعيناى عليه عن بعد. وأكاد أفكر كل يوم فى كيف يقدم على الشاشة الصغيرة أو الكبيرة أو ربما المسرح.. أعرف أن الكتاب والفنانين سيتزاحمون على القناة الجديدة. وأعرف أننى أفكر ولكننى سأترك الدور لأجيال أخري، وربما لأننى لا أملك الوقت.
لقد عشنا طويلا والقناة تملك مصر، وها نحن فى زمن مصر تملك قناتها القديمة والجديدة، فلنكن جميعا بقدر المكانة العظيمة التى حصلنا عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.