تشكو الكثير من الزوجات من حدوث تغيرات تصاحب تقدم أزواجهن فى السن وقد تتعدى الشكوى إلى صراخ عندما تجد الزوجة أنها أمام كارثة تهدد بيتها كزواجه من أخرى أو تبدل طباعه التى اعتادتها طوال حياتها وثورته لأتفه الأسباب. أشارت الباحثة الأمريكية "ايد لوشان " فى البحث الذى أجرته لمدة عامين عن أزمة منتصف العمر عند الرجال إلى أن جانباً من المشكلة هو أنهم يحتاجون إلى العزلة فقد يكون للرجل العشرات من المعارف ولكن نادراً ما يكون له صداقة حقيقية كالتى تحظى بها زوجته. وتضيف قائلة: لقد نشأ هذا الجيل على اعتقاد أن الرجل القوى يجب أن يحتفظ بمشاعره لنفسه مما جعل من الصعب على الرجال أن يكون لهم علاقات مع الآخرين, وترى الباحثة أن أزمة منتصف العمر لها حل لو توافرت الشجاعة للمواجهة والصدق أمام الذات والمهم أن نعرف الفرق بين مرحلة النمو الأولى والمراهقة وفترة النمو الثانية بعد سن الأربعين التى فيها غالبا لا نهتم برأى الناس فينا ويكون اهتمامنا منصب فقط على الذات. يقول د.أحمد يحيى عبد الحميد أستاذ علم الاجتماع جامعة السويس أن كل هذه الضجة عن أزمة منتصف العمر لدى الرجال بسبب المبالغة الإعلامية والدرامية لها، حيث يجرى تقديم الصورة النمطية لرجل فى الأربعين من عمره، وهو يتصابى ويتصرف مثل المراهقين برومانسية مفرطة، لكن هل تظهر مثل تلك الشخصيات فى حياتنا؟ إن مرحلة أواسط العمر بالنسبة للرجل هى مرحلة حرجة ومهمة، لأنه فى سن الأربعين يقع بين جيلين مختلفين فى كل شىء هما الأطفال والكبار، يطالبانه بالكثير، ويعتمدان عليه نفسياً وعملياً، وبالتالى يصبح مركز الاحتياج الذى يركز عليه الجميع. وعلينا أن نعرف أن معظم هذه التغيرات تكون نتيجة لما يحدث فى محيط الأسرة، مثل ترك الأولاد للبيت، مرورهم بفترة المراهقة الحساسة جداً، وولادة الأحفاد وما يحيط بها من إثارة، ودخول أزواج البنات وزوجات الأبناء إلى محيط الأسرة، والوفاة المتوقعة لأحد أفراد الأسرة، والخوف من الإصابة بأى مرض، فأى من هذه الأحداث كاف لأن يكون سبباً مباشراً فى أزمة حياتية. ويرى أستاذ علم الاجتماع إنه فى هذه المرحلة يبدأ الرجل وعيه بالزمن وإحساسه بالموت والحياة وتتبلور فلسفته، وتبرز خبرته إلى حيز الوجود العملى وقد يصل البعض إلى درجة السأم وعدم الاقتناع بوظائفهم سواء كان ذلك ناجماً عن ظروف خارجية تتعلق بالعمل والرؤساء، أو بسبب ظروف خاصة، وقد تحدث بعض التغيرات الجسدية، مثل ازدياد القابلية للإصابة بالأمراض، وانخفاض الإحساس بالطاقة والحيوية، وإحساس عام بالخمول والركود غالبا ما يكون سببه الكسل وعدم اللياقة البدنية نتيجة الإفراط فى تناول الطعام والتدخين مما يؤدى إلى ظهور الكرش، وبطء الحركة. أما بالنسبة لعلماء النفس فهم يرون أن مرحلة أواسط العمر هى بداية الحياة، حيث يحقق الإنسان أهدافه، ويصل إلى ما كان يصبو إليه من قوة ومكانة اجتماعية ونضج عاطفى واجتماعى، ما إزدياد الثقة بالنفس، والإحساس العام بالسعادة وبالقدرة على إقامة علاقات متوازنة وناضجة مع أفراد الأسرة ككل، ومع المجتمع وأفراده بشكل عام. يقول د.أسامة رشاد استشارى الطب النفسى أن أزمة منتصف العمر تختلف من شخص إلى آخر طبقا للظروف التى يمر بها, فالرجل يبحث عن تجديد شبابه وإبعاد الملل عن حياته، لذلك نجد أن هناك بعض الحالات التى يلجأ فيها الزوج إلى البحث عن سعادته خارج المنزل وذلك لعدم توافقه وشعوره بالراحة فى حياته الزوجية فيلجأ إلى البحث عن الاستقرار العاطفى فى مكان آخر فينصرف إلى سيدة أصغر منه سناً كى يؤكد لنفسه أنه مازال لديه القوة والشباب والحيوية. وهنا طبيعى أن تشعر الزوجة بضياع مجهودها وشبابها الذى أفنتة فى تكوين أسرة يهدمها طيش الزوج. ويشير إلى أن هناك ثلاث مراحل تمر بها العلاقة الزوجية، الأولى هى مرحلة الاختبار هى التى تشهد تنازلات لإرضاء الطرف الآخر ويبدأ فى هذه المرحلة الواقع يحل محل الأحلام الوردية والأوهام والرومانسية, والثانية عندما يدخل الأطفال فى المعادلة تبدأ عملية البناء التى تتطلب من الزوجين العطاء دون انتظار شيء فى المقابل, وأما الثالثة التى غالبا ما تأتى فى منتصف العمر وهذه هى المرحلة التى على الزوجين أن يتقبلا حدوث تغيرات فى حياتهما بدلاً من رفضها ومقاومتها كما أن عليهما أن ينظرا إلى المصاعب التى يواجهانها على أنها دروس يتعلمان منها كيف ينطلقان إلى الأمام وأن يتجنبا التركيز على الجوانب السلبية فى علاقتهما والانتباه إلى الجوانب الإيجابية فقط. ويلخص أعراض أزمة منتصف العمر فى الشعور بالتوتر المستمر، ونهاية الحياة مما يسبب ردود فعل أخرى مع ظهور علامات الاكتئاب، كالنوم الكثير، وفقدان الشهية، والاستيقاظ عند منتصف الليل، بالإضافة إلى تراجع قدرته على تعلم الأشياء الجديدة والرغبة فى الوحدة وقيامه بتغييرات جذرية على مظهره الخارجي، ويعتنى بزينته ومع ذلك يفقد اهتمامه بزوجته، ويتصيد عيوبها ويقضى وقتاً أقل مع عائلته، ثم يتخلف تدريجياً عن مسئوليات المنزل، وقد يصل به الأمر إلى أن يوكلها إلى أحد أبنائه أو أهل الزوجة.. ويعبر باستمرار عن حنينه للماضى ويكثر من ذكرياته، ويطلق دائما عبارات " أنا محروم أو ضاع شبابى" وأخيرا يرى د.أسامة أنه لتجنب هذه الأزمة لابد للزوجة أن تلم بطبيعة هذه المرحلة وتزيد من جرعة الاهتمام بزوجها ومحاولتها مشاركته همومه وأحزانه والثناء على نجاحه، وبعض الحالات تحتاج للجوء إلى طبيب نفسى لأنها تكون ناتجة عن عدم النضج العاطفى وإشباع تلك المشاعر فى سن المراهقة والشباب حتى لا تتفاقم المشكلة.