ظهر الرئيس الأمريكى باراك أوباما أمام عدسات الصحافة والإعلام متحدثا من قلب «البنتاجون» الذى يمثل وزارة الدفاع ومعقل القوة العسكرية الأمريكية. وجاء ظهور أوباما عقب اجتماعه مع فريق الأمن القومى لبحث مستجدات الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة «داعش». وكما جرت العادة جاء الخطاب «مشجعا» أمام الكاميرات. فوفق ما قاله رئيس «أقوى دولة عسكريا» فى العالم فإن « تنظيم داعش» قابل للهزيمة ولكن بشروط وعلى مدى زمنى «ليس بالقصير» مع إمكانية «حدوث انتكاسات» مما أكد أن واشنطن تتبنى إستراتيجية «متقشفة» ضد «تنظيم» من غير الدول فى تعامل مغاير لصورتها وأفعالها، التى طالما رسختها الدعاية الأمريكية فى ذهن العالم. فدون سابق إنذار لم تعد واشنطن ترتدى عباءة زعامة العالم الحر أوتتقمص دور شرطى العالم الطيب الذى يتحمل أعباء الآخرين بلا حدود!! التقشف الإستراتيجى وقد تناول أوباما عقب اجتماعه فى البنتاجون ما تحقق حتى اليوم فى إطار الأعمدة الأربعة التى ترتكز عليها الإستراتيجية الأمريكية لمواجهة «داعش» وهى: (1) حملة ممنهجة من الضربات الجوية ضد»داعش»، (2) زيادة الدعم المقدم إلى القوات التى تقوم بالعمليات العسكرية على الأرض، (3)منع أى هجمات من «داعش» استناد إلى القدرات الأمريكية فى مجال مكافحة الإرهاب، (4)تقديم المساعدة الإنسانية للمدنيين النازحين والمشردين الفارين من «داعش». ولكن يبدو ان مقارنة الإستراتيجيات والأساليب التى تبنتها واشنطن فى حربها ضد طالبان أفغانستان عام 2001 أو عراق صدام حسين عام 2003 بنظيرتها التى تبنتها فى مواجهة تنظيم «داعش» منذ عام 2014 حتى اليوم ستؤكد أن واشنطن تتبنى تدخل وإستراتيجية «متقشفة» عسكريا وماديا تجاه «داعش» مما أسفر عن نجاح التنظيم فى المحافظة على جانب كبير من الأراضى التى سيطر عليها بالقوة بل سمحت له بالتوسع على الرغم من كونه «تنظيما من غير الدول» يقاتل فى مواجهة تحالف دولى بقيادة أقوى دولة عسكريا فى العالم! فقد أشارت التقديرات إلى أن متوسط التكلفة اليومية للحملة ضد «داعش» تتكلف 9.2 مليون دولار، أى 2.91 مليار دولار اعتبارا من 18 يونيو 2014 ، وفقا لوزارة الدفاع الأمريكية. وعلى الرغم من عدم القضاء على «داعش» حتى الآن أو تحرير جانب يعتد به من الأراضى التى إستولى عليها بكل من العراقوسوريا فإن الرئيس الأمريكى قال إن الأراضى التى خسرها تنظيم «داعش» فى الآونة الأخيرة بكل من سورياوالعراق تظهر أنه «سيهزم» إلا أنه لم يحدد جدولا أو موعدا متوقعا لتلك «الهزيمة»! وأضاف أوباما أن الولاياتالمتحدة ستواصل حملتها على العمليات المالية غير المشروعة للتنظيم فى مختلف أنحاء العالم وستبذل المزيد من الجهد لتدريب جماعات المعارضة التى لا تنتمى للتيار المتطرف دينيا فى سوريا وتزويدها بالعتاد. ويمكن أن نخلص إلى أن تلك الخطوة تهدف «فى حقيقتها» إلى إضعاف نظام بشار الأسد الذى يعد الهدف الحقيقى لواشنطن ولكنها لن تكون ذات تأثير كبير على تنظيم «داعش» نظرا لمحدودية أعداد من يتم تدريبهم للقتال ضده مقارنة بالتدفق اللوجستى الذى يحظى به التنظيم بشكل علنى واضح فى كل من سورياوالعراق!! وبغض النظر عن النتائج اكد اوباما ان التحالف الدولى الذى تقوده واشنطن عازم على تكثيف التصدى لداعش فى سوريا، مكررا ان الحملة على المقاتلين المتطرفين ستستغرق «وقتا». وأضاف أوباما قائلا: «نكثف جهودنا ضد قواعد داعش فى سوريا. ان ضرباتنا الجوية ستستمر فى استهداف منشآت النفط والغاز التى تمول عددا من عملياتهم. نستهدف قيادة داعش فى سوريا وبناها التحتية». وأكد أوباما أن تهديدات تنظيم «داعش» الإرهابى تجاوزت العراقوسوريا وطالت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. التفاؤل «المتقشف» وعلى الرغم من تفاؤله الواضح بشأن ما حققته واشنطن فإن الأرقام والنتائج والتوقعات المستقبلية التى طرحها اوباما تؤكد أن «التقشف» فى الإستراتيجيات والتكتيكات المستخدمة ضد «داعش» انعكس وسينعكس على النتائج المتوقعة مستقبلا والمدى الزمنى الذى يتطلبه تحقيق النصر على «داعش». فقد قال أوباما إن قوات التحالف الدولى المؤلفة من نحو 60 دولة حققت تقدما لمواجهة داعش، غير أنه حذر فى الوقت نفسه من انه ستكون هناك «بعض الانتكاسات»! وقد ظهرت تلك الانتكاسات بالفعل مثل سقوط الرمادى فى العراق والتقدم الذى أحرزه التنظيم فى وسط وجنوب سوريا!! وأشار الرئيس الأمريكى إلى أن قوات التحالف شنت حتى الآن أكثر من خمسة آلاف غارة جوية ضد مواقع «داعش» فى العراقوسوريا مما أسفر عن مقتل آلاف من عناصر التنظيم، لافتا إلى أن «داعش» خسر فى العراق العديد من المعدات والدبابات والآليات ومعسكرات للتدريب. وفقد السيطرة على سد الموصل وجبل سنجار ومدينة تكريت ومساحات شاسعة من الأراضى المأهولة بالسكان فى العراق، كما خسر مدينتى كوبانى وتل أبيض اللتين كان يسيطر عليهما فى سوريا. وأكد أن مثل تلك النجاحات تُذكِر بأن نقاط ضعف داعش الاستراتيجية هى أمر حقيقى، مشيرا إلى انه إذا أصبح هناك شريك فاعل على الأرض فمن الممكن صد ذلك التنظيم. ومن اللافت للنظر أن دولة عظمى تمتلك قدرات عسكرية وتكنولوجية ومالية هائلة مثل أمريكا مضاف إليها جهد 60 دولة تستغرق وقتا طويلا نسبيا إلى حد التأخر فى إستطلاع قدرات «تنظيم من غير الدول» مثل «داعش»، كما أن جهودها فى محاصرة وتدمير التنظيم وعتاده لاتتماشى مع صفة «الدولة العسكرية العظمى» ولا مع النتائج التى حققتها قواتها فى أنحاء العالم! وفيما يتعلق بالمواجهة المالية والفكرية ل»داعش» شدد أوباما على ضرورة بذل المزيد من الجهود خاصة فى مجال تجفيف مصادر تمويل «داعش» ومحاربة أفكاره العقائدية التى يبثها، مشيرا إلى أن «الفكر لا يُهزًم بالمدافع، ولكن بالأفكار الأفضل منه». وعند تلك النقطة لا يمكن إغفال التأخر الأمريكى الواضح فى مواجهة استخدامات «داعش» للتقنيات الإعلامية والإتصالية المتطورة. فما تبثه «داعش» عبر شبكات التواصل الاجتماعى تمر منذ فترة طويلة تحت أعين وأيدى أجهزة واشنطن ومؤسساتها التكنولوجية والأمنية!! بل كان من المثير للتساؤل أن أشاراوباما إلى «تهديدات داعش» الأصغر حجما فى قلب أمريكا مؤكدا «أن هناك حاجة لفعل المزيد لمنع «داعش» من تجنيد أتباع فى الأراضى الأمريكية». وهكذا انعكس «التقشف» الأمريكى فى استخدام القوة والمال والعتاد والتكنولوجيا فى المواجهة مع «داعش» على النتائج المتحققة والمتوقعة لتلك المواجهة والمدى الزمنى الخاص بها. ويطرح هذا الموقف الكثير من التساؤلات حول وجود «أجندة أخرى» لدى واشنطن بشأن الشرق الأوسط مما يدفعها لأن تدخر لها جانبا أكبر من قدراتها العسكرية والمالية والتكنولوجية الهائلة.