خطوات نقطعها ذهابا وإيابا. نضرب بأقدامنا الأرض لندفع المصاعب الى الأمام. نخوض غمارها فى تلك الأيام الصعبة بحثا عن الرزق أو بحثا عن الأمل فى مدينة مرهقة.نمشى فى طرقات مقفرة أو فى دروب غير ممهدة وحولنا أشقاؤنا فى التعب يلهثون فى ماراثون الحياة أو يلتقطون أنفاسهم فى السباق. لا وقت لأحد أن يستند على ذراع الآخر أو على كتفه. بعض المساندة تظهر وقت الشدة، لكن فى خضم الأيام العادية كل يمضى الى حال سبيله. نستعين بالصبر أحيانا وبالايمان دائما. نعود منهكين ، فنستريح ونبحث عن سلوى.. النوم مهرب. والاستسلام للتليفزيون حل للبعض قد يكون مريحا لكنه غير مجد. واللعب مع الأحباء مرفأ. والانزواء مهرب لآخرين. كلها مع غيرها جوانب من الحياة الظاهرة. نستخدمها أوهى التى تستخدمنا لنعيش. داخل كل جانب منها عالم بأسره وتفاصيل وحياة ولحظات إشعاع ووخزات ألم. أغلبنا يعيش الحياة الظاهرة رغم ان الذى يتحكم فينا ليل نهار هو مشاعرنا وأمزجتنا التى هى الحياة الباطنة. جزء كبير من تربيتنا قائم على تلقين المعلومات، رغم أن الحياة تواجهنا بمتطلباتها مع أولى خطواتنا فى الدنيا. تسألنا عن قدراتنا وغالبا لا نستطيع الرد سريعا. ندفع أثمانا غالية فى طفولتنا حتى نكتسب مهارات لفهم الحياة وتعقيداتها ولكيفية التعامل مع الآخرين. كل منا كان يقع ويقوم حتى يتعلم المشي، وجميعنا أصيب بجروح أغلبها فى الجسد وبعضها فى النفس. تلك الأخيرة التى قد تستمر معنا لعقود طويلة وربما لا تبرحنا إلا بالموت. لا أحد يتصور كم كنا نحتاج فى الطفولة لمن يفتح أمامنا كل باب لاكتشاف أنفسنا واكتشاف العالم حولنا. كل باب فتح لنا فى الحياة فتح معه بابا هاما فى أرواحنا. وكل باب تأخر فتحه أثر كل التأثير على تأخر نمو ذاتنا. وانه لمن المحزن أن نجد بعضنا أو الكثير منا قد وصل على مرفأ مهم فى حياته ولا يعرف كيف سيبحر بمركبته ولا كيف سيعامل رفقاء الرحلة وبأى طريقة يخاطبهم وبأى وسيلة عليه أن يتصرف معهم. وخطأ فوق خطأ تتراكم بداخلنا تجارب مؤلمة وربما صور مغلوطة عن الآخرين وتصورات مشوهة عن العالم. وقد يصبح الوقت متأخرا حتى نكتشف أن الخطأ بداخلنا ونقص المعرفة أو المهارة أو كليهما ينبع من ذواتنا. وربما نمضى صاغرين - بفعل التعود أو الأمر الواقع أو صعوبة التغير- إلى ما هو أسوأ،فنخسر أيامنا ومن حولنا، لا لسبب إلا انه لم يعلمنا احد منذ الصغر مهارات الحياة. من المؤكد أن لكل منا بحياته حكاياته الجميلة عن طفولته، لكن المؤكد أيضا أن جانبا كبيرا مما نراه الآن حولنا من مشاحنات وعدم قدرة على الحوار أو التعايش بشكل مقبول، مرجعه أن أحدا لم يقل لنا كيف نتصرف فى أمور كثيرة. فتغلبت طباعنا أو اقتباساتنا غير الرشيدة على سلوكياتنا فأصبحنا على ما نحن عليه الآن فى بلادنا من أداء مذبذب وعدم حكمة. ثمة حل سحرى نستطيع أن ننقذ به ما يمكن إنقاذه، ونستعيض به عما فاتنا ونلجأ له عندما تضيق بنا السبل ونستزيد به عندما تخلو أرواحنا من السلوى المفيدة أو من المهرب المقنع. إنه الخيال، سيد المآرب وأبو الاحلام المرجوة وساعد اليائسين وسند المحبطين وشقيق الفنانين ومنقذ الغارقين. الخيال ذلك المعنى الذى عندما يذكر تبتهج الروح وتشرئب الأعناق وتخرج النفس من أى سجن يحيطها. احتار الشعراء فى وصف الخيال أو توصيف قدسيته أو فى قياس مداه السحرى. الخيال ويا له من حضن عندما تنغلق أمامنا السبل. ما أجمله من نبع وما أجمله من معين. عظمة الخيال أنه واسع باتساع الكون أو ربما أكبر. يغذى ما بداخلك بصورة لا حد لجمالها أو حتى للرعب الذى تثيره فى نفسك. صورة ألوانها لا نهائية ربما لم ترها عيناك من قبل. صورة مجسمة وناطقة ثلاثية أو رباعية الأبعاد تمتلئ بالخلجات والعبرات والألحان. نعم الألحان. فخيالك أكبر من مبتكر لها ان أردت. اذا دربته على التحليق بقوة ألف فراشة ملونة، يستطيع خيالك ان يحرك وجدانك بصافى النغمات وبأجمل عصائر الأصوات المنعشة. ويالها من متعة موسيقى الخيال، ربما تغمرك بمشاعر لم تشعر بها من قبل و تقذف بك فى غيبوبات منعشة لم تكن يوما ان تتصور انها ستؤثر بك مثل هذا التأثير. صور الخيال تصنع عوالم فارقة مستحيلة مزيج مما رأيته من مرئيات ومما لم تلقه عيناك من قبل. بوجودك فى عوالم الخيال، عالم بعد اخر، ستتحرر روحك ويا لها من معجزة يحتاجها كل منا برحلة الحياة. كلنا مكبلون بالروتين وبأفكارنا الراسخة وبالتقاليد وبالمعتقدات ولا مجال لنا أن نخرج منها أونأخذ إجازة من كل ما هو مفروض علينا. نحتاج لتحرر الروح لكى تثبت معتقداتنا مجددا عن اقتناع أو تتغير لاختيار آخر أفضل. الخيال سيساعدنا أن نخرج من طباعنا الصعبة أو من التزاماتنا المرهقة لعالم أكثر براحا يكشف لنا المخبوء فى نفوسنا وغير المفهوم فى العالم حولنا. ولن يكلفنا الخيال شيئا. انه أكبر مكافأة مجانية لوجودنا و اكبر مغامرة مأمونة لحياتنا. وبدون استخدام حدها الأقصى سنخسر حتما. الخيال فضيلة لو تعلمون جليلة. وأساسية لدرجة أننا لو خيرنا بينها وبين احد أهم حواسنا لاخترناها هي. الخيال هو سفر الخروج وباب الجنة و براق السعادة وسفينة فضاء أحلامنا. لم ألجأ للخيال يوما الا وردنى مجبور الخاطر. لم أطلب مساندته إلا وأراحنى وعالج مهجتي. لم أنغمس فيه إلا وسبحت فى غياهب السلام النفسى والمتعة الوجدانية. الخيال يا سيدى ولا شىء بعد. لمزيد من مقالات احمد عاطف