أنا سيدة قاربت على سن الخمسين, نشأت فى قرية بسيطة, ولم أكمل تعليمي, وتزوجت من زميل أخى الذى اخترته من بين الكثيرين الذين تقدموا لخطبتى وتوسمت فيه الأخلاق الطيبة والعائلة الكريمة, واقبلت على حياتى معه بشغف وحب وتقدير ممزوج بالاعجاب بلباقته وقدرته على الحديث والنقاش فى كل أمور الحياة, وأنجبت منه بنتين جميلتين، وفجأة تعرض لجلطة أثرت على حركته, ولسانه, فسارعت به إلى كل الأطباء المعروفين فى المنطقة التى نعيش فيها, ومن طبيب إلى آخر توصلنا إلى العلاج المناسب لحالته, وتحسنت أوضاعه الصحية بدرجة كبيرة، وبعد عام من هذه الوعكة, فوجئت به يغادر المنزل الذى أسسناه معا طوبة طوبة، ويتزوج من فتاة صغيرة.. ولا أدرى لماذا؟ هل كان يفكر فى إنجاب طفل؟.. ولماذا لم ينتظر معى لعل الله يرزقنا به خصوصا أننى أحمل بشكل طبيعى والمسألة كلها تتعلق بالقضاء والقدر ولا يد للإنسان فيها؟، ثم هل حرمته من حقوقه الزوجية؟، وهل قصرت فى أى أمر من أموره؟! لقد طرحت على نفسى هذه الأسئلة ولم أجد إجابة لها، وحاولت أن أقابله أو أعرف منه ماذا حدث؟، ففوجئت بأنه طلقنى غيابيا، وتركنى وبناتى فى مهب الريح، ولم يعطنا ولو مصاريف رمزية نواجه بها متطلبات الحياة. وأصبحت فى موقف صعب، وبصراحة فإن إخوتى لم يقصروا فى مساعدتى ماديا ومعنويا، وكبرت البنتان والتحقتا بالجامعة.. الكبرى فى كلية الطب، والثانية فى الحاسبات والمعلومات، وتزوجتا بشابين ممتازين من البلدة التى نقطن بها، والجميع يعلمون بقصة كفاحى ونجاحى معهما بالرغم مما فعله ابوهما الذى لم يشارك فى تجهيزهما، ولا تعليمهما بمليم واحد، وكم بكيت وأنا ألجأ إلى إخوتى عند الشدة ووالدهما على قيد الحياة، لكنى أشعر الآن براحة وأمان وسعادة بعد أن أديت رسالتى معهما حتى صار لهما بيتان واسرتان مستقرتان.. إنه الحصاد الوفير لرحلة الكفاح الصعبة التى ساعدنى المولى عز وجل على إتمامها على خير، وفى الوقت نفسه لم يحقق مطلقى ما كان يصبو إليه, فلم ينجب من زوجته برغم مرور ما يزيد على عشرين عاما منذ زواجهما، ودبت الخلافات والمشكلات بينهما، وأفضى بما فى نفسه لبعض معارفه بأنه أخطأ فى زيجته الثانية, وفى حقى وحق بنتيه، لكنه يعرف أن الأوان قد فات. أرأيت ياسيدى كيف أن الإنسان يحصد ما تصنع يداه؟ ولكن الكثيرين للأسف لا يعرفون ذلك، وإننى لست شامتة فيه, وأسأل الله أن يعفو عنه, ولعل من يسيرون على نهجه يدركون هذه النهاية الحتمية. ولكاتبة هذه الرسالة أقول: فى مسألة الزواج يكون الاختيار دائما وفقا لأسس واضحة من حيث القبول والأخلاق والتوافق الأسرى والثقافى والمادي..إلخ، لكن تبقى هناك حالات استثنائية كحالتك يا سيدتى فقد انقلبت الحال بزوجك الذى اخترته من بين العشرات فإذا به يتخلى عنك فى وقت كنت فى أمس الحاجة إليه.. تركك وارتبط بأخرى ظنا منه انها ستأتيه بالولد فإذا بها عاقر لا تنجب, وكان هذا هو أول الدروس بأن الأمر كله لله هو وحده الذى يهب للإنسان ما يشاء، ويمنع عنه ما يريد لحكمة يعلمها عز وجل, أما الدرس الثانى فهو ان من تتمتع بالصلابة والقدرة على مواجهة الشدائد مثلك لا خوف عليها من تقلبات الزمن, فبالرغم من الظروف المادية الصعبة التى مررت بها فإنك تمكنت بحسن تصريفك الأمور ان تتغلبى على هذه النقطة الصعبة وان تواصلى مشوارك إلى النهاية فتخرجت بناتك فى الجامعة وتزوجتا زيجتين تبشران بالاستقرار، وهكذا كان حصادك وفيرا.. أما على الجانب الآخر، فلقد كان حصاد مطلقك مرا، وسوف يجتر أحزانه إلى مالا نهاية، ولعله يعود إلى رشده ويطلب منكن الصفح عنه، وليمض كل منكما فى طريقه لكن فى كل الأحوال يجب ان تحتفظ ابنتاك بعلاقة عادية مع أبيهما فهما فى النهاية تحملان اسمه، ولعله يقترب منهما ويحاول تعويضهما عن جفائه لهما طوال السنين الماضية، وأسأل الله أن يكتب لك السعادة والتوفيق، وأن يثيبك من فضله وكرمه، إنه على كل شىء قدير.