استخدمت عبارة ما يسمى الإرهاب طيلة العقد الماضى فى الميديا والمقاربات الإعلامية كبديل لتعريف الإرهاب، وذلك لأحد سببين او لكليهما، الأول هو التهرب من تحديد المفهوم والدلالة شأن معظم المصطلحات التى تم التلاعب بها بعد خلعها من سياقاتها الفكرية الأصيلة والسبب الثانى هو إبقاء الباب مواربا كى تدرج فى خانة الإرهاب ممارسات خلافية، لم يتوقف السجال حولها منذ زمن، لكن المصطلحات ومنها الإرهاب ليست رهينة لمعجم او باحث بحيث تتحكم النوايا فى الدلالات، ويبقى باب التأويل مفتوحا على مصراعيه لمن يريد أن يُشرعن الإرهاب تحت أسماء مستعارة . والحقيقة هى باختصار أن الإرهاب كما تفتضحه وتحدد تضاريسه الحمراء أعمال العنف المنظّمة، لم يعد قابلا للتلاعب به، فهو تهديد شامل للبشرية بكل ما أنجزت من ثقافات وعمران ومعارف لعدة ألفيات من السنين، ولو كانت الأطلال والتماثيل والآثار الممهورة ببصمات من أبدعوها او قدسوها او عبروا بواسطتها عن وجدانهم تبكى لسال الدم بدلا من الدمع من كل مساماتها، لكنها بصمتها الذى يكسوه الغبار تعاتب من عجزوا عن حمايتها وهى الأمانة العابرة للأزمنة فى أعناق من ورثوا الحضارات التى تجسدت فيها . إن هناك من يسعون الآن الى إطلاق أسماء أخرى على الإرهاب، وذلك على طريقة ما سماه العرب القدماء الترخيم، أو تناغما مع تقليد صحراوى قديم كانت الأسماء الناعمة فيه تطلق على العبيد والأسماء الخشنة ذات الفحيح الذكورى تطلق على السادة . واذا كان لدى الإنجليز مثل يقول سّم المجرفة باسمها او حتى ما نعفّ عن ذكره باسمه، فمن باب أولى أن يسمى الإرهاب باسمه وهو الإرهاب ولا شيء آخر . ودلالاته المعروفة تتلخص فى العدوان والترويع بهدف التركيع، لهذا يتفنن دهاقنة الإرهاب فى تقديم مشاهد بالغة التوحش للذبح والحرق والتنكيل، والمقصود بها ليس ضحاياها فقط بل هؤلاء المدرجون على القائمة، سواء كانوا جماعات او أفرادا أو حتى أنظمة سياسية، فالإرهاب الآن تخطى الانتقام الى ما هو أبعد، واصبح له استراتيجيات تستهدف ملء الفراغ الذى يحدثه فى المناطق الرخوة التى يستطيع الوصول اليها لهذا يطلق على مشروعه لأول مرة اسم الدولة، وهو بذلك يتطلع الى أن يكون البديل لكل ما هو قائم، رغم أن الدولة التى يعلنها أحادية البعد وذات اقنوم واحد هو الأقنوم المسروق او المستولى عليه بالقوة، فأقانيم الدولة الثلاثة من أرض وشعب ونظام حصاد لتراكم من الخبرات والقوانين واستبدال فقه القطعنة بعلم المأسسة والأنسنة وحين يتعولم الإرهاب أى يصبح عابرا للحدود وينطق بمختلف اللغات فإن مقاومته لا بد ايضا أن تتعولم ولا تكون موضعية هنا او هناك، لكن من يوهمون العالم بأنهم يقودون الحرب ضد الارهاب ليسوا فقط أسرى لازدواجية المعايير بل هم انتقائيون، بحيث يكون للارهاب تضاريس وخرائط يتدرج لونها من الأصفر الى البرتقالى ثم إلى الأحمر والأسود، ويحكمهم فى هذا الانتقاء مصالح واستراتيجيات، ولكى لا نذهب بعيدا دعونا نتذكر الرعاية الأمريكية لشاهات وبينوشيهات فى آسيا وامريكا اللاتينية لعدة عقود ثم ادخال من يضعف منهم الى غرفة الانعاش ومده بالكلوكوز حتى لو كان هذا السائل المغذى أحمر اللون ومن دماء شعوب نازفة، لكن هذه الرعاية مشروطة ايضا بصلاحية من يتم استخدامهم كوكلاء أو سماسرة او كومبرادور، فما إن تنتهى تلك الصلاحية حتى يجدوا انفسهم كذلك الشاه الذى حمل لقب ملك الملوك وهو يحمل قبره على ظهره ويطوف العالم، ثم لا يجد غير مصر تؤويه فى ترابها، كرد جميل من الراحل السادات على موقف الشاه فى حرب أكتوبر عندما أعاد باخرة محملة بالنفط من عرض البحر الى شواطئ مصر . إن عبارة ما يسمى الإرهاب ملغومة منذ أول إطلاق إعلامى لها، لأنها تتيح كما قلت من قبل التلاعب بمساحتها بحيث تتمدد او تتقلص وتنحسر تبعا للنوايا والاستراتيجيات المخبوءة فى الأدراج . ولا يمكننا ان نفهم كيف يمكن للارهاب ان يتجزأ على هذا النحو، بحيث يصبح بعضه حلالا وبعضه الHخر حراما وكأنه مرتبط فقط بالجغرافيا ومحرر من التاريخ . وحين يقال إن الارهاب لم يحدث له ان انتصر ذات يوم فذلك ليس على سبيل التمنى او التفكير الرغائبي، ذلك لأن ديمومته وبالتالى تحوله الى بديل امر مضاد لمجرى التاريخ ونواميس الكون، فهو دينامية هدم وتفكيك فقط، اما مضاداته الانسانية فهى جدلية تتضمن الهدم والبناء معا واحيانا الهدم من اجل البناء ، لكن ليس معنى ذلك الارتكان الى النهاية الحتمية للارهاب وترك بيض الأفاعى يفقس فى كل مكان، لأن ذلك يشبه من يتوكل فقط ثم يترك ناقته فى العراء دون ان يعقلها. وقد يبدو الارهاب الآن فى ربيعه بسبب تعاقب جرائمه، لكن ما وراء الأكمات والكواليس غير ما نراه فى الفيديوهات التى توظف لترويعنا ورفع منسوب الأدرينالين سواء فى دمنا او فى الحبر الذى نكتب به، لأن عدد المتضررين من الإرهاب حتى لو حمل اسماء مستعارة فى تزايد، والوعى بمقاومته تتصاعد وتيرته يوميا بل فى كل لحظة، ومن كان محايدا ذات إرهاب موضعى لم يعد كذلك الآن، لأن الجميع وبلا استثناء اهداف للانتهاك والتدمير ولم تنجُ حتى الاطلال والتماثيل والمعابد من هذا الخطر . لهذا كله يجب ان يسمى الارهاب باسمه الوحيد وبلا أى تأويل أو مواربة، الا اذا كان البعض يريدون ان يعودوا الى زمن كان العرب يسمون الملدوغ فيه بسم الافعى سليما، والمكسو كاسيا والمطعوم طاعما على طريقة ذلك الشاعر الذى قال. دع المكارم لا ترحل لبغيتها. واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسى ! كفى تلاعبا بالمعاجم وبدلالات المفردات، لأن التمادى فى ذلك سيحول حياتنا الى حفلة تنكرية بحيث نتوقع من البعوض العسل وليس الكوليرا !!. لمزيد من مقالات خيرى منصور