إن الله تبارك وتعالى قد أنعم على عباده بنِعَمٍ لا يحصيها إلا هوسبحانه، ومن تلك النعمِ اللسانُ، (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ. وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) . فإن الله جعل اللسان للإنسان ليعبر به عن حاجاته التى تهمه لتحصيل منافع ومصالح دينه ودنياه، واللِّسَانُ عضو عضلى مستطيل متحرك ، داخل تجويف الفم، يرتبط بالفك عبر سبع عشرة عضلة ويسيطر عليه عصب المخ السابع والتاسع ووظيفته التّذوُّق والبلع، والنطق للتواصل بالكلام والتعبير عن البصيرة من خلال مراكز المخ المختلفة وعلى رأسها الناصية وأدوات التواصل بين البشر التى خلقها الله تشمل العينين واللِّسَان والشفتين. وقد ذكرها سبحانه وتعالى فى صورة استفهام تقريرى (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ ...... ) لكى يعتبرالإنسان ويتعظ ويتأمل فى كل نعمة منها. ويغلف سطح اللِّسَان غشاء مخاطى تغطيه آلاف الحليمات الصغيرة التى تحتوى فى أطرافها على نهايات عصبية بمثابة حاسة التذوق ان الإنسان يستطيع عن طريق اللسان أن يميز بين مختلف المواد الموجودة فيما يتناوله من طعام أو شراب لا من حيث نوعية هذه المواد فقط بل أيضا من حيث تركيزها فى الطعام أو الشراب وقد قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم: (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)...إن »القول« هو أصوات نصدرها لنعبر عما يجيش فى صدورنا وترتبط الأصوات بالمعانى من خلال التعبير عنها من خلال أجهزة التحدث من شفاه وأسنان ولسان وحلق وحنجرة فعن طريق اهتزازات الأحبال الصوتية بها نسمع هذه الأصوات المتتابعة التى نسميها نحن الكلام والتى تعبر عن معان تأتى أولا من مخزون الكلام فى المخ قبل إصدارها كأصوات وهذا المخزون موجود بكلماته عند كل متحدث بنفس اللغة ويفهمها بمجرد نطقها ليعرف المعنى المقصود.... ولكن عندما ينطلق وينطق لسان الإنسان بالقول ألا يعلم الإنسان أن كل كلمة يلفظها وراءها رقيب عتيد وهو الله سبحانه وتعالى وأنه سيحاسبه على كل ما يقول واعلم أنه على كلّ مكلّف أن يحفظَ لسانَه عن جميع الكلام إلا كلامًا تظهرُ المصلحة فيه، ومتى خرج الكلامُ عن المصلحة، فالسنّة الإِمساك عنه، لأنه قد ينجرّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، بل هذا كثير أو غالب فى العادة، والسلامة لا يعدلُها شيء. فقد حدثنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حُرْمَة أن يكون المُؤْمِنُ فى كلامه طَّعَّانِا، أوَ لَّعَّانِا، أوَ فَاحِشِا، أوَ بَذِيئا فى كلامه بل وحدثنا أيضا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كراهة التقعير فى الكلام، والتشدُّق فيه وتكلف الفصاحة واستعمال وحشى اللُّغة كما علَّمنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأدب فى النطق، وأرشدنا إلى استعمال اللفظ الحسن، وهجران القبيح منه واستحباب مجانبة الألفاظ والأسماء القبيحة، والعدول إلى ما لا قبيح فيه فعن ابن مسعودٍ رضى الله عنه قال: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ، وَلا اللَّعَّانِ، وَلا الفَاحِشِ، وَلا البَذِيِّ». رواه الترمذي، ..وقال السعدى رحمه الله:» يخبر تعالى أنه لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ، أي: يبغض ذلك ويمقته ويعاقب عليه ، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التى تسىء وتحزن ، كالشتم، والقذف ، والسب، ونحو ذلك، فإن ذلك كله من المنهى عنه الذى يبغضه الله، ويدل مفهومها الإسلامى أنه يحب الحسن من القول كالذكر، والكلام الطيب اللين وينهى الله جل جلاله عن السخرية بالآخرين فى قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وروى البخارى ومسلم أيضًا عن أبى موسى الأشعرى رضى اللّه عنه قال: قلتُ يا رسولُ اللّه، أيُّ المسلمين أفضلُ؟ قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدِهِ