كانت ثورة الشعب التونسي ميلادا جديدا لوطن جديد وانتقلت شرارتها لتضئ بلادا اخري بدأت بمصر ثم اليمن ثم ليبيا ثم سوريا ومازالت حشود الثورة تفتح للإنسان العربي آفاقا جديدة لمستقبل أكثر إنسانية وحرية وعدالة.. ولهذا انزعجت مع الملايين وانا اشاهد علي الفضائيات الهجوم الضاري علي فرقة مسرحية تونسية قام به بعض المتشددين الإسلاميين الذين حطموا الآلات الموسيقية للفرقة واعتدوا علي نجومها وهم يستعدون لتقديم عمل فني وسط حشود كبيرة من الشعب التونسي.. وربما نسي هؤلاء المتشددون ان الشعب التونسي شعب فنان بالفطرة وان في تونس أكبر مهرجان مسرحي عربي يقام سنويا في قرطاج وان نصف هذا الشعب يحفظ أغاني أم كلثوم ونصفه الثاني يعشق محمد عبد الوهاب وان الرئيس التونسي الحبيب بورقيبه كرم كوكب الشرق مرات كثيرة وان مصر احتضنت عشرات الفنانين والمطربين التونسيين وان علية التونسية غنت واحدة من اجمل الأغاني لمصر وهي يا حبايب مصر التي كتبها زميلنا العزيز الشاعر مصطفي الضمراني.. في الثمانينيات ذهبنا إلي تونس نعرض مسرحية الوزير العاشق في مهرجان قرطاج ويومها إستقبل الجمهور التونسي أبطال المسرحية سميحة أيوب وعبد الله غيث وفهمي الخولي كما يستقبل الابطال لأنها تعيد ذكري سقوط قرطبة ونهاية الحضارة الإسلامية في الأندلس.. كانت المرة الأولي التي أعرف فيها ان عائلات كثيرة في المغرب العربي مازالت حتي الآن تحتفظ بمفاتيح بيوتها في الأندلس وتوارثتها الأجيال جيلا بعد جيل بعد رحيل المسلمين عنها سوف تخسر دول الربيع العربي اشياء كثيرة إذا اطاحت مواكب المتشددين بالفن الراقي والإبداع الجميل. والشعب التونسي لا يمكن ان يكون شعبا منغلقا كارها للجمال والفن وقد استطاع في شهور قليلة منذ قيام ثورته ان يؤكد للعالم قدرته علي ان يبدأ من جديد ليقيم وطنا جديدا, وفي تونس تجد جميع المتناقضات الفكرية والثقافية بين الأجيال المتعددة وإن كان يجمعها الحوار الراقي والفكر المستنير وحب عميق للحياة وعشق دائم للجمال وما بينهما إحساس رائع بالفن. التشدد لا يبني أوطانا والتطرف لن يرفع شعوبا. [email protected] المزيد من أعمدة فاروق جويدة