تسعى الحكومة المصرية من خلال نصوص الدستور والقوانين المنظمة للعمل إلى الوصول إلى ما يعرف «بالعدل الوظيفي» القائم على قاعدة «الأجر مقابل الإنتاج». وتعدل الأجور والمرتبات كل فترة للوصول إلى هذا الهدف, وآخرها العلاوات السنوية للعاملين فى الدولة والتى طبقت فى الشهر الحالى بواقع 5% كنسبة من الأجر الكلى وليس الأساسى كما كان فى الماضى. وترجع هذه النظرية في الحقيقة إلى ما يعرف في علم الاقتصاد بنظرية «العمل مقياس القيمة» وهي القاعدة التي أقرتها كل المدارس الاقتصادية القديمة والمعاصرة ,عدا المدرسة الاشتراكية أو الفكر الماركسي ، والذي يوزع الدخل على أساس نظرية «كل حسب حاجته» لا كل حسب انتاجه. وكانت لتلك الفلسفة ظروف خاصة في مرحلة تاريخية معينة لا يجوز القياس عليها كقاعدة اقتصادية عامة. واليوم نوضح قاعدة العمل مقياس القيمة في الاقتصاد المصري الحديث لكي تكون نبراسا لمبدأ العدل الوظيفي والانتاجي المنضبطة والعدالة الاجتماعية معاً. وذلك لكى يفهم كل منا معنى الزيادة فى الاجور والمرتبات التى تولدت مع علاوة يونيو 2015, وهل هى زيادة حقيقية ام شكلية فى الدخول. فقيمة أي سلعة أو خدمة لمالكها ( اى مقدمها) والذي لا يريد أن يستبدل بها غيرها (المنتج أو مؤدى الخدمة) ، بل يريد أن يستبدلها بغيرها من السلع , تتمثل فيما يساوي كمية العمل التى تمكنه من شرائها. وعلى ذلك الأساس , فإن العمل هو المقياس الحقيقي لقيمة مبادلة كل السلع. ولكن وإن كان العمل هو الأساس في تحديد قيمة السلع المتبادلة ، إلا أنه عادة لا يستخدم في تقدير هذه القيمة , وذلك لصعوبة تحديد النسبة بين كميتين مختلفتين من العمل ، إذ إن هذه النسبة لا تتوقف على الزمن الذي ينفق على شيئين مختلفين فحسب. بل تتوقف أيضاً على درجة الجهد المبذول في كل منهما. وبالإضافة إلى ذلك فإن العمل المتطلب للإنتاج يختلف من سلعة او خدمة إلى أخرى تبعاً لما يتطلبه من جهد ( مثل صناعة الصواريخ وصناعة الأحذية او الحكم فى قضية والتوثيق فى الشهر العقارى ..الخ). ومع هذا الوضع يكون من الأسهل استخدام النقود في تقدير قيمة العمل والسلع. إلا ان هذا المعيار ، وإن كان هو الأمثل في التقدير ، يظل معيباً لأن إدخال عنصر الغلاء «أي التضخم في الأسعار» يفسد قيمة النقود (أي القوى الشرائية للجنيه) حسب تقلبات الأثمان من سنة إلى سنة. ولكن يظل العمل بعد هذه المقدمة ، هو وحدة القياس الحقيقية للقيمة التي لا تتغير إلا في حدود ضيقة للغاية. ومن هنا يجب أن نفرق بين مقياس العمل من وجهة نظر العامل (أي الذي يؤدي العمل) ومن وجهة نظر رب العمل (صاحب المنشأة) ، أي تقدير مشقة العمل لا قيمة ما ينتجه ، وذلك لأن الأول لا يتغير أما الثانية فتتغير دائماً بالنسبة لرب العمل (حسب أسعار السوق) . ولتبسيط الأمر ، فالعامل يقدم في الحالات العادية نفس القدر من العمل في كل وقت بصرف النظر عن كمية السلع أو الخدمات التي يتلقاها في مقابل عمله. فالتى تتغير هي قيمة هذه السلع لا قيمة العمل الذي يقدمه. فالعمل لا تتغير قيمته أبداً , ذلك أن ساعة من العمل تتضمن قدراً واحداً من الجهد بالنسبة للعامل الذي يقوم بها في أي وقت محدد من ساعات العمل. ولذلك فإن العمل بالنسبة للعامل هو المقياس الحقيقي الوحيد للقيمة ، والذي يمكن أن يقيس قيم السلع الأخرى , فهو بمعنى آخر ثمنها الحقيقي ، أما النقود فلا تعدو أن تكون ثمناً اسمياً لها. إلا أنه يمكن أن نأخذ على صفة العمل كمقياس للقيمة الحقيقية (أي العمل بالنسبة للعامل) أنه خاضع أيضاً لظاهرة التغير في الواقع العملي في الحياة. فالإضافة إلى أنه يتغير بتغير القدر المبذول , هذا بالإضافة إلى طبيعة العمل فى نشاط انتاجى إلى آخر مثل (العمل اليدوي والعمل على آلة صناعية و العمل الذهنى و العمل البدنى) ، فإنه يتغير بالنسبة لنفس نشاط العامل الاقتصادي من ساعة عمل إلى ساعة عمل آخر. فإنتاجية العامل في اى نشاط اقتصادي تختلف عن انتاجيته في نشاط آخر ، وتختلف أيضاً في أول ساعات العمل وأخر ساعات العمل. وهو الأمر الذي يؤكد عدم صحة نظرية ثبات قيمة العمل بالنسبة للعامل في أي وقت وأي نشاط ، أي بمعنى آخر , قيمة العمل تتأثر بالظروف هى الاخرى، وهو ما يتطابق أيضاً مع قاعدة تغير قيمة السلع وقيمة العمل بالنسبة لصاحب العمل ، حسب ظروف السوق. وعلى ما تقدم يمكن أن ننتهي إلى أن قيمة العمل بالنسبة للعامل وصاحب العمل يرتبط تغيرهما إلى الأفضل أو الأسوأ، بتغير ظروف السوق و ظروف الانتاج المحيطة بالنشاط الاقتصادي، إلى جانب توقيت العمل والانتاج أيضاً ، وهو ما يؤكد أنها ليست ثابتة. ومن التحليل السابق نؤكد أن العمل عنصر إنساني ويجب أن ندخل في حسابه « ظاهرة تزايد الألم الحدي» مع تزايد ساعات العمل. وإذا ما أدخلنا في اعتباراتنا هذه الظاهرة ، دون إسقاطها كما تفعل بعض الدراسات الاقتصادية المجردة ، نخلص إلى أن قيمة العمل بالنسبة للعامل ولصاحب العمل ليست ثابتة ، وهو ما يجب أن يأخذ في الاعتبار عند تحديد أجر العامل فى مصر على مستوى الدولة او القطاع الخاص حتى نصل إلى ما يعرف بالأجر العادل للعمال والثمن العادل للسلع والخدمات. فليس بمجرد تطبيق علاوة بشكل جديد يتحقق الأجر العادل, بل المطلوب هو زيادة الأجور والمرتبات الحقيقية لا النقدية لكى يتحقق العدل الوظيفى ويحيا العاملون فى الدولة حياة كريمة لمزيد من مقالات د. أيمن رفعت المحجوب