التموين: استلام أكثر من 2 مليون طن قمح محلي عبر 5 جهات والشرقية الأكثر توريدا    بدء اجتماع ترامب وأحمد الشرع في الرياض    3 هزائم أفريقية، لعنة النهائيات تطارد سيدات الأهلي    تحرير 959 مخالفة للملصق الإلكتروني ورفع 43 سيارة ودراجة نارية متروكة    الأرصاد: سقوط أمطار خفيفة على هذه مناطق    جمعية الفيلم تنظم مهرجان العودة الفلسطيني بمشاركة سميحة أيوب    عبد الغفار يشهد توقيع بروتوكول بين المجلس الصحي والأعلى لأخلاقيات البحوث الإكلينيكية    هزة خفيفة.. ماذا قال سكان السويس عن زلزال نصف الليل؟    قبل التوجه إلى قطر.. ترامب يلتقي قادة دول الخليج وأحمد الشرع بالرياض    وزير الخارجية: الدفاع عن المصالح المصرية في مقدمة أولويات العمل الدبلوماسي بالخارج    حقيقة القبض على رمضان صبحي لاعب بيراميدز خلال تأدية امتحان نهاية العام الدراسي    مدرب سلة الزمالك: "اللاعبون قدموا أدءً رجوليا ضد الأهلي"    سر غضب وسام أبوعلي في مباراة سيراميكا.. وتصرف عماد النحاس (تفاصيل)    بيان رسمي من محافظة البحيرة بشأن الزلزال: توجيه عاجل لمركز السيطرة    "صناع الخير" تكرّم البنك الأهلي المصري لدوره الرائد في تنمية المجتمع    انطلاق امتحانات الابتدائية والشهادة الإعدادية الأزهرية بالمنيا (اعرف جدولك)    الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية يلقي محاضرة عن تكنولوجيا الفضاء في جامعة القاهرة ويوقع بروتوكول تعاون مع رئيس الجامعة    سعد زغلول وفارسة الصحافة المصرية!    وزير الثقافة للنواب: لن يتم غلق قصور ثقافة تقام بها أنشطة فعلية    وزير العمل يستعرض جهود توفير بيئة عمل لائقة لصالح «طرفي الإنتاج»    محافظ الدقهلية يتفقد التأمين الصحى بجديلة لليوم الثالث على التوالى    ياسر ريان: حزين على الزمالك ويجب إلتفاف أبناء النادي حول الرمادي    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 14 مايو 2025 بعد آخر تراجع    الاحتلال يزعم تدمير معمل لتصنيع المتفجرات في طولكرم    السعودية.. رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادا لموسم الحج    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأربعاء 14 مايو 2025    إصابة 6 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الإقليمى    طريقة عمل اللانشون، في البيت زي الجاهز    الزراعة: تنظيم حيازة الكلاب والحيوانات الخطرة لحماية المواطنين وفق قانون جديد    «أسوشيتدبرس»: ترامب تجاوز صلاحياته الرئاسية بشن حرب تجارية ويواجه 7 قضايا    كبير مسؤولي الإغاثة في الأمم المتحدة يتهم إسرائيل بتعمد منع وصول المساعدات إلى غزة    نظر محاكمة 64 متهمًا بقضية "خلية القاهرة الجديدة" اليوم    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأربعاء 14 مايو 2025    القبض على الفنان محمد غنيم لسجنه 3 سنوات    فتحي عبد الوهاب: عادل إمام أكثر فنان ملتزم تعاملت معه.. ونجاحي جاء في أوانه    فتحي عبد الوهاب: عبلة كامل وحشتنا جدًا.. ولا أندم على أي عمل قدمته    رسالة مؤثرة يستعرضها أسامة كمال تكشف مخاوف أصحاب المعاشات من الإيجار القديم    فرار سجناء وفوضى أمنية.. ماذا حدث في اشتباكات طرابلس؟    فتحي عبد الوهاب: لم أندم على أي دور ولم أتأثر بالضغوط المادية    المُنسخ.. شعلة النور والمعرفة في تاريخ الرهبنة القبطية    قبل التوقيع.. الخطيب يرفض طلب ريفيرو (تفاصيل)    وظائف للمصريين في الإمارات.. الراتب يصل ل4 آلاف درهم    دون وقوع أي خسائر.. زلزال خفيف يضرب مدينة أوسيم بمحافظة الجيزة اليوم    مصطفى شوبير يتفاعل ب دعاء الزلزال بعد هزة أرضية على القاهرة الكبرى    «السرطان جهز وصيته» و«الأسد لعب دور القائد».. أبراج ماتت رعبًا من الزلزال وأخرى لا تبالي    دفاع رمضان صبحي يكشف حقيقة القبض على شاب أدي امتحان بدلا لموكله    يد الأهلي يتوج بالسوبر الأفريقي للمرة الرابعة على التوالي    دعاء الزلازل.. "الإفتاء" توضح وتدعو للتضرع والاستغفار    معهد الفلك: زلزال كريت كان باتجاه شمال رشيد.. ولا يرد خسائر في الممتلكات أو الأرواح    فى بيان حاسم.. الأوقاف: امتهان حرمة المساجد جريمة ومخالفة شرعية    أول رد رسمي من محامي رمضان صبحي بشأن أداء شاب واقعة «الامتحان»    اليوم.. انطلاق امتحانات الشهادة الابتدائية الأزهرية 2025 الترم الثاني (الجدول كاملًا)    لماذا تذكر الكنيسة البابا والأسقف بأسمائهما الأولى فقط؟    سامبدوريا الإيطالي إلى الدرجة الثالثة لأول مرة في التاريخ    هل أضحيتك شرعية؟.. الأزهر يجيب ويوجه 12 نصيحة مهمة    رئيس جامعة المنيا يستقبل أعضاء لجنة المشاركة السياسية بالمجلس القومي للمرأة    مهمة للرجال .. 4 فيتامينات أساسية بعد الأربعين    لتفادي الإجهاد الحراري واضطرابات المعدة.. ابتعد عن هذه الأطعمة في الصيف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحيل بريماكوف مهندس العلاقات العربية الروسية
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 06 - 2015

اليوم الاثنين 29 يونيو تودع روسيا قيادة وشعبا ووطنا، واحدا من أبرز ابناء هذا الوطن ممن يقف المرء مشدوها امام تاريخه بكل ابعاده وتوجهاته، وقدراته ورؤاه التي طالما وضعته في صدارة النسق الاعلى للسياسة الروسية.
كان الكرملين اعلن يوم الجمعة الماضي عن وفاة يفجيني بريماكوف رئيس الحكومة الروسية الاسبق عن عمر يناهز السادسة والثمانين،مشيرا الى مدى الخسارة التي مُنيت بها الاوساط السياسية والعلمية الروسية وهو الذي كانت تعددت مناصبه على مدى تاريخه الوظيفي والمهني طوال ما يزيد على الستين عاما.
سياسى أسطورى
ويتوقف الكثيرون من المراقبين اليوم عند ما تحفل به من مفارقات، سيرة يفجيني بريماكوف او"السياسي الاسطورة"، كما يسمونه اليوم في موسكو. فهو السياسي الذي ولج عالم الدبلوماسية ليرتقي اعلى مناصبها وزيرا للخارجية الروسية في عام 1996 دون ان يخدم يوما واحدا في بلاطها. وهو رجل المخابرات الذي تولى رئاسة اعلى اجهزتها في عام 1991 دون ان يُعْلن يوما انتسابه رسميا الى ذلك الجهاز الذي طالما اثار باسمه "كي جي بي" مخاوف ورهبة الكثيرين. وهو ايضا العالم الاكاديمي الذي ترأس اثنين من اكبر المعاهد التعليمية البحثية التابعة لاكاديمية العلوم السوفيتية في سبعينيات ومطلع ثمانينيات القرن الماضي، قادما من عالم الصحافة والاعلام بعد سنوات من العمل في القسم الخارجي للاذاعة السوفيتية ومديرا لمكتب "البرافدا" في القاهرة في ستينيات ذلك القرن. اضافة الى توليه لرئاسة الحكومة الاسبق بعد اختلاف كل الفصائل السياسية المتناحرة في مجلس الدوما عقب ازمة 1998، حول سابقيه من المرشحين، وما سجله له الكثيرون من الخصوم والاصدقاء على حد سواء، من اعتراف بالفضل والتقدير لما حققه من نجاح في تجاوز تلك الازمة القاتلة، وكانت البلاد على شفا الانهيار. وهو ايضا الشاعر الحالم كاتب الاغاني التي تلقفها بعض محبيه من مشاهير الفنانين، فضلا عن كونه مؤلفا للعشرات من الكتب السياسية والاقتصادية المتميزة التي وجد بعضها طريقه الى اللغات الاجنبية ومنها العربية. وقبل كل هذا وذاك فقد كان الانسان الضحوك المحب للحياة حين يريد، والحاسم الصارم الملتزم في حال تطلب الموقف ذلك، والاستاذ والمعلم ورجل الدولة الذي عن حق يقولون انه أسهم بقسط هائل في تحديد مسار وتوجهات روسيا المعاصرة بما لعبه من ادوار، وما قدمه من جهد متميز خلال مرحلة استعادة المكانة والوقار بعد رحلة من الترهل والركود في تسعينيات القرن الماضي ابان فترة حكم الرئيس الاسبق بوريس يلتسين.
إرث هائل
ولذا لم يكن غريبا ان يصيب الاعلان عن رحيله، الكثيرين من محبيه ومريديه من ابناء الدولة الروسية وخارجها بالصدمة التي عكستها تصريحاتهم، ومنها ما قاله الرئيس فلاديمير بوتين حول "ان الوطن فقد واحدا من ابرز رجالاته ممن اسهموا بقسط كبير في رسم ملامح تاريخه المعاصر". وقال دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين "انه كان رجل دولة عظيما، وعالما وسياسيا مرموقا، ترك ارثا هائلا في مختلف المجالات". وكشف بيسكوف عن لقاءات بوتين الدورية المتكررة مع بريماكوف والتي كان آخرها منذ شهر مضى بعد ان ارسل اليه احد آخر كتبه. واضاف "ان بوتين كان يهتم بالاطلاع على رؤاه تجاه ما يموج به العالم من تغيرات ولا سيما في الاونة الاخيرة غير السهلة". اما سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسية واحد انجب اخلاف بريماكوف، فقد قال عنه انه "كان دائما الافضل والاحسن والاول أينما قذفت به الاقدار، واينما تقلد من مناصب". ومضي ليقول "ان بريماكوف ساهم بقسط لا يماري احد في مدى قيمته في صياغة اسس السياسة الخارجية الروسية المعاصرة بما تتسم به اليوم من حيوية واستقلالية ومبدئية وقدرة على التعاون القائم على التكافؤ والمنفعة المتبادلة". وكشف لافروف عن ان بريماكوف هو الذي حدد معالم السياسة الروسية المعاصرة في الشرق الاوسط في الوقت الذي لم يغفل فيه اهمية ارتباط روسيا بالفضاء السوفييتي السابق، فضلا عن كونه رائد فكرة بناء العالم المتعدد الاقطاب.
أدوار تاريخية
ولذا لم يكن غريبا ان يذكر الجميع لبريماكوف ادواره التاريخية التي أسهم من خلالها في تغيير مسارات سياسات بلاده في عدد من مناطق العالم وخاصة منطقة الشرق الاوسط التي خبر دروبها سياسيا وجغرافيا متنقلا بين تضاريسها من مصر الى سوريا الى لبنان الى العراق صعودا حتى كردستان التي التقى بين جبالها زعماء الاكراد في ذلك الزمان تنفيذا لمهمة حزبية وأمنية "غير معلنة" في حينها. ولطالما استمتع الراحل بريماكوف باستعادة ذكريات تلك الايام حين كنا نشرف باستضافته في مسكننا المتواضع في موسكو في مناسبات مختلفة كان شديد الحرص على ان يكون ضيوفها سفراء مصر ومختلف البلدان العربية في موسكو وعددا من ابرز رجالات الدولة والحكومة في العاصمة الروسية. ونذكر ان الفقيد الراحل كان ايضا حريصا على تسجيل هذه الذكريات ورؤاه تجاه مستقبل المنطقة والعلاقات العربية الروسية في مقالات كنا نسعد بترجمتها لنشرها بشكل دوري في الدوريات والمطبوعات العربية والمصرية، فضلا عن زياراته المتكررة للقاهرة. وفي القاهرة طالما التقى بريماكوف أصدقاءه القدامى وعلى رأسهم الراحلون اسامة الباز ومحمد عودة واحمد حمروش وكذلك الاساتذة محمد فائق وسامي شرف وابراهيم كامل ممن كانوا يسعدون باستضافتة واستعادة ذكريات الامس القريب والاستماع الى تقديراته حول الحاضر والمستقبل. ونذكر ايضا ان بريماكوف كان يطلب ان نتركه وحيدا في الزمالك ليجوب شوارعها مستعيدا ذكريات اقامته وابنه الكسندر وقرينته لاورا هناك في ستينيات القرن الماضي، ردحا طويلا من الزمن ابان كان مديرا لمكتب "البرافدا" لسان حال الحزب الشيوعي السوفيتي في منطقة الشرق الاوسط. وكان بريماكوف سجل في الكثير من كتبه التي صدرت تباعا في الفترة الاخيرة، وقائع الكثير من احداث تلك الفترة الى جانب لقاءاته مع زعماء ذلك الزمان بداية بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر وحتى الرئيس المصري الاسبق حسنى مبارك مرورا بالرؤساء انور السادات وصدام حسين وحافظ الاسد ومعمر القذافي والملك حسين وياسر عرفات والملك فهد وغيرهم كثير مؤكدا اتساع وتعدد مفردات شبكة علاقاته الدولية، ما كانت كثيرا تحتاج اليه قيادات الكرملين، وما دعاها في اكثر من مناسبة تكلفه بالكثير من المهام الخاصة ونقل رسائلها الشفهية والمكتوبة، الى الزعماء العرب حتى بعد ان ترك موقعه الرسمي في جهازي الدولة والحكومة.
التوجه شرقا
واذا كانت روسيا والعالم العربي يعرفان بريماكوف واحدا من أبرز من خبر قضايا المنطقة، وعايش انتكاساتها وانتصاراتها، وأسهم في تحقيق تقاربها مع روسيا، فان العالم المعاصر باسره يعرفه كذلك رجل دولة مسئولا طالما قدم افضل الرؤى والحلول للقضايا الاقليمية والعالمية. ولعلنا لا نبالغ حين نقول انه وباعتراف الكثيرين من معاصريه كان اول من طرح في موسكو ضرورة التمسك بفكرة رفض العالم احادي القطب، والتوجه نحو بناء عالم متعدد الاقطاب. ونذكر انه كان ايضا اول من طرح في حينه، فكرة التوجه شرقا والتركيز على التعاون مع كل من الصين والهند، ما كان اساسا لفكرة تشكيل مجموعة «بريكس» التي تضم اليوم كلا من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا. ونذكر له كذلك وهو الذي عاش مع الزعيم السوفييتي ميخائيل جورباتشوف خيبة الامل في وعود الغرب في عام 19091 بشان عدم توسع الناتو شرقا، ما نجح في تحقيقه بشان تشكيل «مجلس روسيا - الناتو» الذي أسهم في الحيلولة نسبيا دون "تغول" الناتو في شرق اوروبا في تسعينيات القرن الماضي. ولعلنا لا ننسى هنا ايضا ان بريماكوف كان ايضا اول من عمل من اجل تاسيس مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الاسلامي" في مطلع القرن الحادي والعشرين، من اجل تحقيق المزيد من التقارب ليس فقط في مجال التنمية والتعاون الاقتصادي والسياسي، بل وايضا في مجال التنسيق المتبادل على طريق مكافحة الارهاب وتحديات العصر.
على ان ذلك كله يظل غيض من فيض يتذكره معاصرو يفجيني بريماكوف اليوم، املا في ان يكون ما اسسه ونادى به، وعمل من اجله على طريق التقارب بين روسيا والعالم العربي، نقاط ضوء تنير الطريق، وتذلل ما يتناثر عليه من عقبات، طالما قال انها الحافز نحو المزيد من الجهد، والكثير من العمل لتحقيق ما يصبو اليه اصدقاء الوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.