رسميًا.. حزب الجبهة الوطنية يحصد 10 مقاعد في هيئات مكاتب اللجان النوعية للشيوخ    أبو مازن يصدر إعلانا دستوريا يحدد خليفته حال شغور منصب الرئيس    وزير قطاع الأعمال: نحرص على تعظيم الاستفادة من الأصول وإحياء المتوقف منها بدلا من البيع أو التصفية    أرابكو للتطوير العقاري تشارك في معرض Bayty - The Real Estate Expo بالرياض لعرض فرص استثمارية متميزة    وزيرا الخارجية والعمل يناقشان الهجرة والعمالة المصرية بالخارج    مستوطنون يهاجمون المزارعين في ترمسعيا والمغير شرق رام الله    محمود عباس يصدر إعلانا بتولي نائبه مهام رئيس فلسطين في حال شغور المنصب    ضحايا في كييف جراء هجوم جديد بالطائرات المسيّرة    دخول الدفعة الثانية من المعدات الثقيلة من معبر رفح في طريقها إلى قطاع غزة    بكين تعلن التوصل إلى توافق مبدئي مع واشنطن بشأن الفنتانيل ورسوم الشحن    "القاهرة الإخبارية": اشتباكات عنيفة بالفاشر بعد إعلان "الدعم السريع" السيطرة على الفرقة السادسة    كلاسيكو الأرض.. عودة هويسن وكارفخال لتشكيل لريال مدريد المتوقع أمام برشلونة    في مواجهة الليلة .. رمضان صبحي على رأس غيابات بيراميدز أمام التأمين الإثيوبى    أحمد حسام عوض: ثقة الخطيب شرف ومسؤولية.. ونسعى لتعظيم موارد الأهلي وتطوير فكر الاستثمار الرياضي    الداخلية تكشف حقيقة تعرض سائق توك توك للسرقة والاعتداء بالإسماعيلية    يخطر الطلاب بجداول كل المواد.. تفاصيل بدء المدارس اليوم تقييم الطلاب في اختبار شهر أكتوبر    غواصون وفرق إنقاذ يواصلون البحث عن طفل سقط في بلاعة بشبرا الخيمة    القومي للترجمة يقيم صالون «الترجمة وتحديات التقنية الحديثة» في دورته الأولى    حياة كريمة تهنئ الدكتورة إيناس عبد الدايم بمناسبة تكريمها من المجلس الوطني للثقافة بالكويت    محمد عبد الصادق يستقبل رئيس جامعة جيانغنان الصينية لبحث تعزيز التعاون المشترك    طرح التريلر الرسمي لفيلم «قصر الباشا» تمهيدا لطرحه 5 نوفمبر في دور العرض (فيديو)    «الصحة» تختتم البرنامج التدريبي لفرق الاستجابة السريعة بجميع المحافظات    وزير الصحة يتفقد مجمع الإسماعيلية الطبي ويوجه بسرعة الاستجابة لطلبات المواطنين    وزير الخارجية: المتحف المصري الكبير يمثل إنجازًا أثريًا وسياحيًا    5 لغات للحب.. اكتشف السر بمن يحبك    من صوت التهامى إلى قصر طاز.. العمارة ترسم ملامح الذاكرة |مسابقة شباب المعماريين وإحياء العمارة التراثية بروحٍ معاصرة    وزير الري يوجه بالاستمرار الفعال للتعامل مع موسم السيول والأمطار الغزيرة    حسام الخولي ممثلا للهيئة البرلمانية لمستقبل وطن بمجلس الشيوخ    التضامن تعلن استثناء السن للتقديم في حج الجمعيات الأهلية لهذه الفئة .. اعرف التفاصيل    تطوير كورنيش شبين الكوم.. ومحافظ الفيوم: هدفنا تحويل العاصمة لمدينة حضارية عصرية    حكاية منظمة (5)    الموت يفجع الفنانة فريدة سيف النصر.. اعرف التفاصيل    غدا .. الطقس مائل للحرارة نهارا وشبورة صباحا والعظمى بالقاهرة 29 درجة والصغرى 20    ضبط 5 أشخاص روعوا المواطنين بالالعاب النارية بالجيزة    الأهلي يشكو حكم مباراة إيجل نوار ويطالب بإلغاء عقوبة جراديشار    الرياضية: اتحاد جدة يجهز لمعسكر خارجي مطول في فترة توقف كأس العرب    رئيس الوزراء يغير مسار جولته بالسويس ويتفقد مدرسة "محمد حافظ" الابتدائية    مركز الازهر للفتوى :الاعتداء على كبير السن قولًا أو فعلًا يعد جريمة في ميزان الدين    مدير تعليم بورسعيد يتابع بدء المرحلة الثانية لبرنامج تطوير اللغة العربية بالمدارس    ضبط 105 كيلو جرامات من اللحوم الفاسدة في حملة بيطرية مكبرة بدمياط    وكيل صحة كفر الشيخ يناقش تعزيز خدمات تنظيم الأسرة بالمحافظة    محافظة أسوان تعطى مهلة أخيرة لأصحاب طلبات التقنين حتى نهاية أكتوبر    مصرع طالبة سقطت من الطابق الثالث في مغاغة بالمنيا    بدء فعاليات المبادرة الرئاسية «تمكين» لذوى الهمم بجامعة بنها    الهلال الأحمر المصري يدفع بأكثر من 400 شاحنة حاملة 10 آلاف طن مساعدات إنسانية إلى غرة    عمرو الليثي: "يجب أن نتحلى بالصبر والرضا ونثق في حكمة الله وقدرته"    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم 26 اكتوبر وأذكار الصباح    هيئة الرقابة المالية تصدر قواعد حوكمة وتوفيق أوضاع شركات التأمين    موعد والقنوات الناقلة لمباراة ريال مدريد و برشلونة في كلاسيكو الأرض بالدوري الإسباني    "هيتجنن وينزل الملعب" | شوبير يكشف تطورات حالة إمام عاشور وموقفه من تدريبات الأهلي    د. فتحي حسين يكتب: الكلمة.. مسؤولية تبني الأمم أو تهدمها    «التضامن»: الخطوط الساخنة استقبلت أكثر من 149 ألف اتصال ما بين استفسارات وطلبات وشكاوى خلال شهر سبتمبر    ب«79 قافلة طبية مجانية».. الشرقية تحصل على الأعلى تقييمًا بين محافظات الجمهورية    تداول 55 ألف طن و642 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    مراسم تتويج مصطفى عسل وهانيا الحمامي ببطولة أمريكا المفتوحة للاسكواش    أطعمة تعزز التركيز والذاكرة، أثناء فترة الامتحانات    موعد بدء شهر رمضان 2026 في مصر وأول أيام الصيام    مواقيت الصلوات الخمس في مطروح اليوم الأحد 26 أكتوبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضياع همزة الوصل مقدمة لضياع هويتنا
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 06 - 2015

قد يبدو هذا العنوان ملتبسًا عند القارئ؛ فهو قد يتساءل: هل يا ترى الكاتب يتحدث هنا عن «همزة الوصل» في اللغة العربية، أم أنه يتحدث عن المعنى المجازي لتعبير «همزة الوصل»، الذي نستخدمه عادةً في لغة الواقع الاجتماعي والسياسي للتعبير عن أهمية وجود خيط من الاتصال،
حينما تنقطع بنا السبُل في مجال العلاقات الاجتماعية والسياسية؟ وأغلب الظن أن ذهن القارئ العام سوف ينصرف إلى هذا المعنى الأخير؛ إذ يبدو له من غير المعقول أن يقصد الكاتب الحديث عن ضياع أو افتقاد «همزة الوصل» باعتباره مقدمة لضياع هويتنا؛ ففي ذلك كثير من المبالغة، وربما من الشطط! هل فرغنا من كل مشاكلنا الكبرى وكل ما يتهدد وجودنا وهويتنا، حتى يختزل الكاتب القضية في تلك المسألة الهامشية الصغيرة؟! قد تدور في ذهن القارئ مثل هذه التساؤلات في برهة من الزمان، عندما يطالع عنوان هذا المقال. ولكني أقول له صراحةً: إنني أقصد تلك المسألة التي قد تراها هامشية صغيرة، بينما أراها دالة وكبيرة؛ ببساطة لأن «كثير النار من مستصغر الشرر» كما تقول الحكمة الخالدة، فما بالك إذا كان في هذا الأمر كثير من الشرر، بل من الشرور. وإليكم الشواهد والبراهين على ما أقول:
حجتي الأساسية أن «همزة الوصل» هي من أبسط قواعد النحو في اللغة العربية التي ينبغي أن يفرغ الطالب منها في مراحل التعليم الأولية؛ وبالتالي فلا تتوقعن ممن يجهلها من المتعلمين في مدارسنا وجامعاتنا أن يعرفوا شيئًا جديرًا بالذكر عن اللغة العربية. وإذا كانت اللغة العربية هي الموطن الأساسي لهويتنا باعتبارها وعاء الفكر والثقافة والتراث، بل الدين نفسه؛ فإن ضياعها يعني ضياع هويتنا؛ لأن من يفقد لغة موطنه يفقد هويته، بل يفقد دينه، كما سبق أن أوضحنا ذلك في مقال سابق عن «اللغة والهوية» فى هذا المكان. تلك حجتي باختصار، وهي حجة في صورة قياس منطقي مركَّب. ويبقى الآن أن نستدعي الشواهد عليها. وربما كان من اللائق أن نشير أولاً باختصار إلى القواعد الأساسية لهمزة الوصل، ليتبين القارئ فداحة الشواهد على الأخطاء التي تقع فيها:
همزة الوصل- بخلاف همزة القَطع- هي التي لا تَظْهَر خطَّا ولا تُنْطَق لفظًا (إلا إذا جاءت في أول الكلام، فإنها حينئذ تظهرُ في النطق فحسب، ولكنها لا تظهر أيضًا في الكتابة)، ومواضعها هي:
-أول الفعل الماضي الخماسي وأمره ومصدره، مثل: اعتاد- اعْتَدْ- اعتياد، اقتصَدَ- اقْتصِدْ- اقتصاد. فإذا كان الفعل رباعيًا في حرف من حروفه تضعيف، اعتُبِرَ خماسيًا وجرت عليه القاعدة نفسها، مثل: اتَّجَه- اتجاه.
-أول الفعل الماضي السداسي وأمره ومصدره، مثل: استخرجَ، واستشَارَ، واستعِن- استعانة، واستقِم- استقامة. ومن ذلك قولنا: ما خاب من استخَار، ولا نَدِم من استشَار.
-أمر الثلاثي، مثل: انصَحْ، اذكُرْ، اشكُرْ. ومن ذلك قوله تعالى: «فاذكُروني أذكُرْكمْ واشكُرُوا لي ولا تَكْفُرُون»، وقوله: «يأَيها الذينَ آمنوا اركَعُوا واسْجُدُوا واعبُدُوا ربَّكُم وافعَلُوا الخَيْرَ لعلَّكُمْ تُفْلِحُون».
ومع بساطة هذه القواعد، فإننا نرى كثيرًا من أساتذة الجامعات لا يدرون بها، فما بالك بغيرهم من الصحفيين والكتاب والإعلاميين والمسئولين، وغيرهم من المتعلمين. أعرف ذلك من خلال الرسائل الجامعية التي أناقشها، وبحوث ترقية الأساتذة التي أقوم بتحكيمها. ويحضرني في هذا الصدد حالة من المضحكات المبكيات بكلية الآداب بجامعة القاهرة، إذ أن اللافتة النحاسية لقسم الاجتماع مكتوبة هكذا: «قسم الاجتماع»، وقد نبهت مرارًا على هذا الخطأ الشنيع الذي يعرفه بعض الأساتذة بالتأكيد، ومع ذلك لم يحرك أحد ساكنًا. وخطورة الأمر هنا أن طلبة قسم الاجتماع وغيرهم يشاهدون تلك اللافتة يوميًا، فيستقر في أذهانهم هذا الخطأ على أنه الصواب، وهم عندما يكتبون كلمات، مثل «اجتماع» و«اجتماعية» التي تتكرر عشرات المرات في بحوثهم أو كراسات الإجابة عن الامتحان، سوف يكتبونها بالأَلِف المهموزة (كتابةً ونطقًا) تيمنًا بتلك اللافتة التي ارتضاها أساتذتهم! وعندما يتجول الطلبة في أروقة الجامعة الأم سوف يجدون لافتات أخرى ترسخ هذا الخطأ، مثل لافتة تقول: «ساحة انتظار السيارات» أو «ممنوع الإنتظار على هذا الجانب» (بالهمزة الظاهرة مرةً أخرى). وإذا ما فرغوا من الجامعة صادفتهم مثل هذه اللافتات في طريقهم إلى بيوتهم، فإن شاهدوا التليفزيون وجدوا الخطأ نفسه يتكرر في إعلانات من قبيل: «إتصل الآن»، بل في البيانات التي تصدر مرئية ومسموعة عن مؤسسات رسمية أو حكومية.
هذا مجرد مثال على ضياع لغتنا، وعلى تدني مستوى التعليم ذاته. فالطلبة يدرسون مستوى معينا من قواعد اللغة في مرحلة معينة من تعليمهم قبل الجامعي، وهم يدرسونها بمناهج عقيمة تقوم على حفظ القواعد، دون تعليمهم أن تكون سلامة اللغة جارية على لسانهم وفيما يكتبون ويطالعون؛ فإذا انتقلوا إلى مستوى التعليم الجامعي وجدوا المناهج نفسها في تدريس اللغة، ولم يجدوا في السياق الثقافي الاجتماعي العام ما يعينهم على إكسابهم سلامة اللغة أو الحد الأدنى من هذه السلامة. بل إننا أصبحنا نجد أغلب شباب الجامعات يتخلون عن لغتهم العربية في رسائلهم الإلكترونية ومحادثاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل يشوهون تلك اللغة عمدًا بكتابة صوتيات حروفها بالحروف الإنجليزية، وبإحلال رموز أو أرقام معينة متعارف عليها عندهم محل الحرف العربي! فهل يمكن أن نتوقع من مثل هؤلاء أن يستمتعوا بقصيدة من تراثهم الشعري القديم أو الحديث، وهل يمكن بالتالي أن يتذوقوا أغنية من شعر الفصحى الذي تغنى به عبد الوهاب أو تغنت به أم كلثوم، وهل يمكنهم حتى أن يتذوقوا الكلمة أو الصورة الشعرية الحلوة البليغة في شعر العامية!
أذكر انني عندما كنت مرشحًا لعمادة كلية الآداب بجامعة القاهرة أن تقدمت ببرنامج يتضمن- فيما يتضمن- مشروعًا لإصلاح تلك الحالة المتدنية للغة العربية في جامعاتنا، على أن يبدأ هذا المشروع من كليات الآداب ليمتد بعد ذلك إلى غيرها من الكليات. الفكرة الأساسية في هذا المشروع هي ألا يُسمَح لأي من الطلبة بالتخرج من أي قسم من الأقسام إلا بعد أن يجتاز اختبارًا موحدًا يقيس مستوى التمكن من اللغة العربية، على أن يتم تصميم هذا الاختبار على غرار اختبار «التويفل» في اللغة الإنجليزية الذي يقيس موضوعيًا سلامة اللغة العامة في سائر نواحيها، وعلى أن يتم تصميم البرامج الخاصة بتدريس اللغة العربية بحيث تؤهل الطلبة لاجتياز هذا الاختبار. ولا شك أن الدرجة المطلوبة للنجاح سوف تتفاوت فيما بين الأقسام، بحيث تصل إلى أعلاها في الأقسام التي تدرس اللغات وآدابها، كما أنها سوف تكون أعلى في مستوى الكليات النظرية منها في مستوى الكليات العملية (حينما يتم تطبيق هذا المشروع لاحقًا على هذه الكليات الأخيرة). كانت هذه مجرد أحلام، ولكنها أحلام ممكنة. وكم تمنيت أن يتبنى أي مسئول جامعي فكرتي هذه، حتى إذا نسبها لنفسه؛ فالإصلاح ليس مستحيلاً إذا خلصت النوايا وصح العزم منا، مهما كان الطريق إلى هذا الإصلاح يتطلب كثيرًا من الجهد والإجراءات، لكي تتحول الفكرة أو المشروع إلى واقع. أقول هذا كي لا نجد بيننا في المستقبل أساتذة ومدرسين جامعيين يخطئون في الإملاء ولا يستطيعون كتابة فقرة سليمة أو- على الأقل- غير مرتبكة لغويًا؛ فمثل هؤلاء هم الذين سيتخرج على أياديهم من الجامعات المعلمين في المدارس، والصحفيين والإعلاميين بوجه عام، والمحامين وغيرهم من العاملين في سائر المجالات... أقول هذا قبل أن تضيع اللغة وتضيع معها الهوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.