مصطفي بكري: تكليف الحكومة الحالية بتسيير الأعمال لحين تقديم التشكيل الجديد    رئيس النواب يهنئ مصطفى مدبولي بتشكيل الحكومة الجديدة    رئيس الوزراء يناقش مقترحات زيادة صادرات الصناعات الكيماوية    تباين البورصات الأوروبية وسط ترقب لقرار البنك المركزي بشأن الفائدة    منتدى "اصنع في الإمارات".. يمنح فرصا ب 6 مليارات دولار (تفاصيل)    أبرز الملفات التي ستواجه الحكومة الجديدة.. فيديو    رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية ووزير الخارجية الإيراني بالإنابة يبحثان العلاقات الثنائية    انطلاق تدريبات جوية لقوات الناتو فوق شمال ألمانيا    تدريبات خاصة للزناري في مران الزمالك    صدمة كبرى.. المنتخب الإيطالي يستبعد نجم الفريق من المشاركة في يورو 2024 بسبب الإصابة    كوفاسيتش يقود تشكيل منتخب كرواتيا ضد مقدونيا الشمالية في إطار ودي    قرار عاجل من منتخب مصر باستبعاد فتوح بعد إصابته    اعتماد نتيجة الشهادة الإعدادية بمحافظة أسوان بنسبة نجاح 76.14%    بمشاركة حسين فهمي.. الاحتفال ببدء تصوير فيلم "قصر الباشا" (صور)    ثقافة الإسكندرية تقدم عرض قميص السعادة ضمن عروض مسرح الطفل    جمال التهامي يوضح أهم الملفات الواجب على الحكومة الجديدة مناقشتها    دور العرض ترفع أحدث أفلام بيومي فؤاد من شاشاتها قبل موسم عيد الأضحى    بالفيديو.. عضو "الفتوى الإلكترونية" : لا يشترط الطهارة للوقوف على عرفات    حياة كريمة.. الكشف والعلاج مجانا فى قافلة طبية بمركز شباب الهيش بالإسماعيلية    وزير الصحة يزور جناح هيئة الرعاية الصحية بالمعرض الطبي الإفريقي الثالث    إصابة 4 أشخاص في حادث بطريق "نجع حمادي - قنا" الغربي    وظائف متاحة للمعلمين في المدارس المصرية اليابانية.. رابط التقديم    تعديل تركيب بعض القطارات بخط «القاهرة- الإسماعيلية».. السبت    قائد القوات الجوية يلتقى قائد القوات الجوية والدفاع الجوى لوزارة دفاع صربيا    البابا تواضروس يستقبل السفير التركي    شركة الريف المصرى الجديد تنفذ 66 مشروعًا رئيسيا و 66 فرعيًا فى 6 سنوات    إضافة «الطب البشري» لجامعة حلوان الأهلية    قوات الاحتلال تمنع سيارات الإسعاف من الوصول إلى الإصابات فى نابلس ومخيم بلاطة    بعد عقد قرانهم.. اعمال جمعت بين جميلة عوض والمونتير أحمد حافظ    آخرهن جميلة عوض.. جميلات الفن في قفص الزوجية والخطوبة - صور    جولة لرئيس جامعة القاهرة للاطمئنان على سير الامتحانات وأعمال الكنترولات    وزير الأوقاف يوصي حجاج بيت الله بكثرة الدعاء لمصر    سلوت لا يمانع بيع صلاح    كوريا الجنوبية تستضيف قمة إفريقية لتعزيز أطر التعاون مع القارة    8 وجبات تساعد الطلاب علي التركيز في امتحانات الثانوية العامة    متى تذهب لإجراء فحوصات تشخيص مرض السكر؟.. «الصحة» تُجيب    مثلها الأعلى مجدي يعقوب.. «نورهان» الأولى على الإعدادية ببني سويف: «نفسي أدخل الطب»    محافظ مطروح يتابع خفض منسوب المياه الجوفية بمشروع الإسكان الاجتماعي والشباب بمنطقة حفر الباطن    نائل نصار أمل الفروسية المصرية في أولمبياد باريس    موسكو تهدد واشنطن بعواقب الأضرار التي لحقت بنظام الإنذار المبكر    "التابعى.. أمير الصحافة".. على شاشة "الوثائقية" قريبًا    سُنن صلاة عيد الأضحى.. «الإفتاء» توضح    «بلاش نعمل هيصة ونزودها».. شوبير يحذر قبل مباراة مصر وبوركينا فاسو    أسامة قابيل يوضح حكم تفويض شخص آخر فى ذبح الأضحية؟    محافظ الشرقية: إزالة 372 إعلانا مخالفا وغير مرخص خلال شهر    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية في سريلانكا إلى 12 شخصًا    مجموعة "إي اف جي" القابضة تعتزم شراء 4.5 مليون سهم خزينة    التحفظ على مدير حملة أحمد طنطاوي لتنفيذ حكم حبسه في تزوير توكيلات انتخابات الرئاسة    الحكومة تتقدم باستقالتها.. والرئيس السيسي يكلف مدبولي بتشكيل جديد    تحرير 94 محضر إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات بالمنوفية    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    بعد انسحاب قوات الاحتلال.. فلسطينيون يرون كيف أصبح حال مخيم جباليا    شكري: مصر تستضيف المؤتمر الاقتصادي المصري الأوروبي نهاية الشهر الجاري    حالات وإجراءات تأجيل امتحانات الثانوية العامة 2024 للدور الثانى بالدرجة الفعلية    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللغة والكلام
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 03 - 2010

كتب الشاعر الكبير حافظ إبراهيم قصيدة نشرها عام 1903 عنوانها «اللغة العربية تنعى حظها بين أهلها»، وهى قصيدة يجسد فيها الشاعر اللغة العربية فى صورة شخص ينعى حياته قبيل الوفاة، وهو يقول على لسانها فى مطلع القصيدة:
رجعت لنفسى فاتهمت حصاتى وناديت قومى فاحتسبت حياتى
رمونى بعقم فى الشباب وليتنى عقمت فلم أجزع لقول عداتى
وَلَدْتُ ولما لم أجد لعرائسى رجالا وأكفاء وأدت بناتى
حيث تقول اللغة العربية فى البيت الأول أنها قد عادت إلى نفسها وتأملت حياتها، فاتهمت عقلها وأساءت الظن بمقدرتها، وكادت تصدق ما ترمى به من عقم، فنادت على قومها المتحدثين بها لنصرتها فلم تجد من يساندها، وعندئذ أدركت أنها هالكة لا محالة.
لكن الشاعر يستدرك الأمر فى البيتين الثانى والثالث مدللا عل أن العيب ليس فى اللغة ذاتها، لكنه يكمن فى المتحدثين بها الذين يقللون من شأنها بدلا من أن يدافعوا عنها.
وما أدركه الشاعر بموهبته مبكرا هو ما قرره قريبا العالم اللغوى الكبير سوسير من تفرقة منهجية بين اللغة والكلام، فاللغة هى مجموعة القواعد الأساسية، أما الكلام فهو التطبيق العملى لهذه اللغة. وعلى هذا فلا يمكن أن يكون العيب فى اللغة، أما العيب كل العيب فلا يكون إلا فى الكلام الذى قد لا يحافظ على قواعد اللغة مما يدفعها إلى التدهور والضياع.
ويحضرنى فى هذا السياق رأى المبدع الكبير يحيى حقى فى أسلوب تعليم قواعد اللغة العربية المتبع بالمدارس، حيث يرى أن المناهج تهتم بأن يحفظ الطالب قواعد اللغة ليقبض عليها، لكن هذه القواعد أشبه ما تكون بالهيكل العظمى للسمكة، لهذا فإن شوكها يجرح يده وينفره من هذه اللغة.
فقد كان يحيى حقى وفقا لتفرقة سوسير يفضل أن يتعلم الطلاب اللغة العربية من خلال الكلام، أى من خلال النماذج الأدبية الرفيعة التى تحبب الطلاب فى هذه الأمثلة المبدعة وتُثَبِّت قواعد اللغة فى عقولهم وقلوبهم، ولهذا فإن تجربة الأزهر فى تعليم قواعد اللغة العربية من خلال الشواهد الشعرية تجربة رائدة يجب أن تحتذى فى مناهج تعليم اللغة بالتعليم العام، بدلا من الاستعانة بالقطع التى يؤلفها السادة الموجهون لتطبق القواعد عليها، على أن يراعى فى النماذج الشعرية التى سوف تستخدم فى هذه المناهج أن تكون من الشعر العذب السلس الذى يواكب روح العصر ويحبب الطلاب فى اللغة والأدب.
ونعود لقصيدة حافظ إبراهيم لنجد أنها أيضا تعلى من شأن علاقة الكلام باللغة وتأثيره البالغ عليها سلبيا وإيجابيا، فعلى المستوى السلبى يقول حافظ على لسان اللغة العربية:
أرى كل يوم بالجرائد مزلقا من القبر يدنينى بغير أناةِ
حيث يقرر حافظ إبراهيم عام 1903 أن كلام الجرائد وسيلة الإعلام الوحيدة فى ذلك الوقت يسىء استخدام اللغة، وهذا يقربها من نهايتها لأن خطاب الجرائد يمثل لدى القارئ دون وعى نموذجا أعلى يسهم فى تشكيل وعيه اللغوى ويطبقه لاشعوريا عند خوضه لمغامرة الكتابة، فماذا كان يمكن أن يقول حافظ إبراهيم لو قرأ صحافة اليوم أو شاهد الفضائيات؟ وهل ندرك حقا خطورة ما يقدم بهما على اللغة والهوية؟
أما المستوى الإيجابى لدور الكلام فى تعلم اللغة، فيتمثل فى قول حافظ إبراهيم بالقصيدة نفسها:
أنا البحر فى أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتى
حيث تحفظ أجيال متعددة من المتعلمين والأميين هذا البيت فقط من القصيدة، بتشكيله الصحيح ومخارج نطقه السليمة، وتفهم معانيه وتستمتع بصوره وأخيلته، لأن الشاعر والإذاعى الكبير فاروق شوشة ظل يردده على مسامعنا فى مقدمة برنامجه الرائع «لغتنا الجميلة». إذن فالحل معروف، والعلاج ممكن، إذا كان هناك رغبة حقيقية فى ذلك.
وتبلغ المفارقة بين اللغة والكلام قمتها لدى المتخصصين أنفسهم فى أقسام اللغة العربية بالجامعات، فعلى الرغم من أن خريجى أقسام اللغة العربية يدرسون داخل الكلية الواحدة منهجا واحدا فى النحو والصرف والعروض، وعلى الرغم من أن طالب الدراسات العليا يجب أن يكون حاصلا فى التقدير العام على «جيد» على الأقل، فإن بعض الذين يتخصصون فى أبحاث الماجستير والدكتوراه فى الدراسات الأدبية، يتوجهون بأبحاثهم بعد الانتهاء منها لأحد الزملاء المتخصصين فى الدراسات اللغوية لمراجعتها وتصحيحها قبل الطبع، على الرغم من دراستهم جميعا لمنهج واحد فى سنوات التعليم الجامعى وتفوقهم فيه. لكن حفظ القواعد واستظهارها شىء، والقدرة على استيعاب هذه القواعد اللغوية وتطبيقها فى الكلام شىء آخر.
وأذكر أن أحدهم قد جاء لزميل عزيز بقسم اللغة العربية ليراجع له رسالته التى سيتقدم بها بعد أيام للحصول على درجة الدكتوراه فى الشعر العربى، فلاحظ وهو يتصفح الرسالة وجود خطأ عروضى فى أول بيت شعرى صادفه بها، فأوضح هذا لصاحب الرسالة الذى قال له: لا علاقة لك بهذا، عليك بمراجعة النحو فقط، لأننى سوف أذهب بها بعد ذلك لمراجع عروضى.
وقد حصل هذا الشخص على الدكتوراه فى الأدب العربى بتقدير ممتاز، ولا عزاء لحافظ إبراهيم فى لغته العزيزة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.