من أعلام الهداية على الطريق للسائرين، والمشتاقين إلى الجنة ونعيمها وأحوالهم، مداومتهم على التوبة وكثرة الاستغفار، فإن الذنوب والمعاصى هى أسرع الطرق إلى الهلاك، وقاطعة الطريق بين العبد وربه، وأكد العلماء أن باب التوبة مفتوح حتى تغرغر الروح فى الإنسان، وأن الشيطان دائما يمنع الإنسان ويسّوف له الاستغفار والتوبة. كما أن النفس الأمارة بالسوء والهوى والغفلة كلها من قواطع سبيل المرء عن الوصول إلى الجنة، فكم أهلكت أمما كثيرة، وأودت بحياة الكثير من الناس إلى جهنم، بسبب التسويف، لأن الدنيا تفتح الباب على مصراعيه أمام شهوات الإنسان، ولذلك يجب أن نسارع جميعا إلى التوبة إلى الله وخاصة فى هذا الشهر الكريم، فإن لم نرجع فيه إلى الله فمتى نتوب؟! غاية المؤمن ويقول الدكتور حامد أبوطالب عميد كلية الشريعة والقانون السابق، إن من نفحات الله تعالى شهر رمضان فهو موسم التوبة والعودة إلى الله والتخلص من الذنوب والآثام التى وقع فيها المسلم والندم على ما فرط فيه أو قصر من الطاعات وفعل الخيرات، ويقول النبى - صلى الله عليه وسلم - (إن لربكم فى أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها) رواه الطبرانى فى الكبير، والله خالق الإنسان ويعرف ضعفه أمام الشهوات والملذات وأن ابن آدم خطاء، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد. ولذلك فتح له باب التوبة على مصراعيه وناداه لدخوله فى كل وقت لاسيما فى شهر رمضان. قال تعالى (وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى)، وإذا كان المسلم يتألم ويحزن لما وقع منه من الآثام فإن الله يطمئنه ويخفف ألمه وحزنه حتى لا يقنط، فيقول تعالى (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً) والعبد يحتاج التوبة فى كل وقت، لأنه يخطئ فى كل وقت، وقد يشعر بخطئه وقد لا يشعر، فكان لابد أن يلازم التوبة فى ساعاته وأيامه. ميدان المتسابقين وقال الشيخ إبراهيم حافظ من علماء الأزهر الشريف، إن شهر رمضان مغتسل التائبين، ميدان المتسابقين، معسكر إيمانى لتجديد الطاقات، وتعبئة الإرادات، وتقوية العزائم، وشحذ الهمم، فيه تتجدد الحياة وذلك بتوبة نصوح استشرافا لزمنه، وتعرضا لفضله، واغتناما لقدره، والتوبة لها شروط: الرجوع عن الطريق المعوج إلى الطريق المستقيم، وهي: العلم بعظم الذنوب والعيوب، والندم على ما فات، والعزم فى الحال على عدم الرجوع إلى ذنب أبدا، والتلافى للماضى، وفى حقيقتها الرجوع إلى الله ذ عز وجل - بالتزام فعل ما يجب، وترك ما يكره، فقال الله تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)، سورة النور، وأعلاها وأفضلها التوبة النصوح التى كما قال السلف الصالح ذ رضى الله عنهم- : (التى لا عودة بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضر، وقيل: هى الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع عن الذنب، والاطمئنان على أنه لا يعود، والتوبة النصوح مكفرة للخطايا والسيئات، قال الله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار) (سورة التحريم)، ويقول ابن القيم رحمه الله:( التوبة هى دين الإسلام، والدين كله داخل فى مسمى التوبة). بهذا استحق التائب أن يكون حبيب الله، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وإنما يحب الله من فعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه. فإذا التوبة هى الرجوع عما يكرهه الله ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه ظاهراً وباطناً، ويدخل فى مسماها الإسلام والإيمان والإحسان وتتناول جميع المقامات، ولذا كانت غاية كل مؤمن، ويتقبلها الله حينما يعلم بصدقها، وتتبدل السيئات إلى حسنات، ولذلك فتح الله باب التوبة للجميع حتى تغرغر الروح وتصل إلى الحلقوم، والغافل عن الاستغفار فى حاله وطلبه للآخرة، إنما هو مقطوع عن الله، مقطوع عن البصيرة والهدى، مقطوع عن أسباب الرزق وطلب المغفرة، وطلب العلم النافع، مقطوع عن الذكر والذاكرين، ولهذا فهو يشبه الميت برغم أنه حى يرزق، وهذا لا يصح فى حال التائب أو من كان يرجو الله والآخرة، ولهذا جاء عن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (والله إنى لأستغفر اللهَ وأتوب إليه فى اليوم أكثرَ من سبعين مرةً) رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه، فإنى أتوب فى اليوم مائة مرة) رواه مسلم.