مع حلول ساعة الصفر بعد ظهر يوم السادس من أكتوبر عام1973 اندلعت الحرب, آلاف المدافع تطلق نيرانها باتجاه المواقع الاسرائيلية شرق القناة.. أكثر من220 طائرة اجتازت قناة السويس لقصف أهداف سبق تحديدها بعناية. وعلي امتداد ما يقرب من200 كيلو متر اندفعت. الموجات الأولي من القوات البرية لاقتحام القناة وخط بارليف بمواقعه الحصينة والنيران الهائلة التي تحميه. وكانت فرق المشاة الخمس19,7,16,2,18 تشكل قوة الهجوم التي تتحمل عبء مواجهة قوات العدد ودحره وتكبيده خسائر بشرية ومادية فادحة وإنشاء رءوس كباري شرق القناة. وقادة هذه الفرق هم فؤاد عزيز غالي وحسن أبوسعدة وعبدرب النبي حافظ وأحمد بدوي ويوسف عفيفي. ثلاثة منهم دفعة عام1948, واثنان من دفعة..1949 وكان الفريق حسن أبوسعدة الذي رحل عن عالمنا في هدوء بعد صراع مع المرض من رجال دفعة..1949 وعندما قاد الفرقة الثانية المشاة كان برتبة عميد. وإذا كان كل قادة أكتوبر عند حسن ظن الوطن بهم, فإن أبوسعدة كان من بين هؤلاء الذين تمكنوا من الالتزام بالخطة الموضوعة بدقة, هاجمت قواته ببسالة وقاد قواته وهي تواجه قوات العدو ليحقق الأهداف المطلوبة كاملة. ومساء السادس من أكتوبر شن العدو هجومه المضاد الأول علي قوات الفرقة18 مشاة التي كان يقودها فؤاد عزيز غالي, وتمكنت بعض دبابات العدو من الوصول إلي شاطئ القناة الشرقي وتدمير أحد كباري الفرقة عند البلاح. وفشل الهجوم تماما. واختار العدو رأس كوبري الفرقة الثانية مشاة لاختراقه وتدميره بعد القضاء عليه, واندفعت دبابات اللواء190 المدرع بقوة لاختراق رأس الكوبري. كان تصور القائد الاسرائيلي العقيد عساف ياجوري, أن دباباته قادرة علي تجاوز نيران الخطوط الدفاعية, وبعد أن يصل إلي شاطئ القناة سيستدير ليهاجم قوات الفرقة من الخلف. كان واضحا من اندفاع الدبابات علي الجنزير من مواقعها الخلفية خطة القائد الاسرائيلي ويهدوء أمر حسن ابوسعدة قواته بإعداد كمين عبارة عن نصف دائرة النصف الأول الشرقي مفتوح لدخول الدبابات الاسرائيلية, والنصف الثاني يشكل خطوطا دفاعية قوتها النيرانية عالية وتتكون من كل نيران الفرقة تقريبا. وهناك قوة مخصصة لاغلاق الدائرة من الجانب الشرقي بعد وقوع القوات المهاجمة في الكمين. وتمكنت الفرقة الثانية من الايقاع بالقوات المهاجمة, وحققت انتصارا كبيرا, ووقع في قبضتها عساف ياجوري القائد ووقوع قائد بهذه الرتبة في الأسر خلال الأيام الأولي للحرب كان إنجازا كبيرا. وقد التقي القائد المنتصر بالقائد الأسير قبل أن يتم نقله إلي القاهرة واستمع منه إلي خطته العسكرية.. وظلت الفرقة الثانية تتحمل مسئولياتها بكفاءة تحت قيادة واحد من أبرز وأكفأ الشخصيات العسكرية المصرية. فالرجل ظل طوال سنوات خدمته يعمل بالتشكيلات, وحرص علي الارتفاع بمستواه العلمي وانتقل من مقعد دراسي الي مقعد دراسي آخر, لم يتوقف عن التعليم داخل مصر أو خارجها. كما كان يعد من بين القلة المثقفة واسعة الاطلاع صاحبة الحظ الوافر من المعرفة وكان بجانب خبراته العسكرية وتميزه العلمي, وتاريخه المشرف, إنسانا جميلا, طيب المعشر, حسن المعاملة صاحب اقتراب انساني رفيع مع مرءوسيه جميعا, ولم يكن يتردد أبدا في الاستجابة لطلباتهم وحل مشاكلهم. كما كان صديقا ممتازا يعرف معني الصداقة, ويقدر الأصدقاء.. ومنذ عرفته أكبرته, وأكبرت فيه صدقه وإنسانيته وترفعه عن الصغائر وعلو هامته واعتزازه بكرامته. وطوال حياته لم يكن مناورا أو متآمرا, كان صريحا وواضحا وجريئا وقويا في الحق وعونا دائما للزملاء والاصدقاء. وإذا كان حسن أبوسعدة أحد القادة الأبطال في معركة الانتصار عام1973, فإنه كان بطل معركة التصدي لمحاولات العدوان الليبية المتكررة, فقد أسندت إليه قيادة القوات التي هاجمت المواقع والأهداف الليبية في يوليو عام1977, لتأديب القذافي ولإقناعه بوقف مسلسل العمليات الإرهابية التي دأب علي تنفيذها داخل مصر. وقد حققت الحملة أهدافها إلي أن أمر السادات بوقف تقدم القوات المصرية داخل ليبيا بعد أن أنجزت مهمتها. وطوال أيام هذه الحملة كنت الصحفي والمراسل الحربي الوحيد الذي تابعها ميدانيا منذ اليوم الأول وحتي نهايتها. ويرحل الأبطال ولكن سيرة البطولة والبطل, تظل حية في ذاكرة الأمة والتاريخ. بعض السلفيين.. والبابا الموقف السخيف لبعض أعضاء مجلس الشعب من السلفيين تجاه وفاة البابا شنودة لاهو من الانسانية ولا من الدين ولا من الأخلاق ولا من الوطنية وما قاله بعض دعاتهم يدخل في إطار أسوأ ما يمكن أن يقال. والذي لا خلاف عليه أن البابا شنودة هو من رجال مصر العظام, وقد نال هذه المكانة لا بين صفوف الأقباط فقط بل بين جموع المصريين المسلمين وهذه الجدارة الوطنية مكانة لم يصل إليها عبر التاريخ إلا القلة المتميزة إنسانيا, أولا وثقافيا وعلميا ثانيا, وبالحس الوطني والوعي بالمسئولية ثالثا وبسعة الأفق والمرونة والقدرة علي التسامح رابعا. وقد مارس الرجل مسئولياته الدينية بقدر عال من الفهم والثقة بالنفس وبالناس, وقام بدور الملاح البارع وطنيا, واجتاز معنا جميعا كل المحن بقدرة فائقة علي التسامح والتجاوز, وبهذه الملاحة حمي مصر والمصريين من عاصفة أو عواصف التطرف. ولو توافرت مثل هذه الصفات والملكات في قادة التطرف الفكري والديني لما تعثرت مسيرة مصر خلال العقود الماضية. لقد شربت مصر من كأس التطرف والإرهاب وعاني الإخوة في الوطن من غلظة وقسوة وبشاعة الارهاب الذي تعرضوا له. وتجاوزت مصر المحن الماضية, ولكننا نواجه اليوم محنة أشد, وها هي عواصف التمزق الذي يمكن أن يقود مصر إلي الانقسام تنطلق من أفواه قيادات سلفية. فهذه القيادات لا تتوقف عن اتهام الأقباط بالكفر, وهذا تجاوز وقصور في الفهم أو فهم النص الذي يرددونه كثيرا, وبجانب هذا الاتهام المرفوض كلية يصرون علي الدعوة إلي مقاطعة أخوة لنا في الوطن وشركاء لنا في المصير في الماضي والحاضر والمستقبل. هذا البعض ينسي درس السودان.. لقد ظل نظراؤهم في السودان خاصة بعد أن اعتلوا مقاعد السلطة يقولون نفس القول ويطبقونه. وكانت النتيجة انفصال جنوب السودان. فهل تريدون لمصر أن تواجه انقساما مماثلا؟ أفيقوا وتنبهوا وحاولوا أن تعرفوا موطئ أقدامكم. المزيد من مقالات عبده مباشر