منذ التوقيع على إعلان مبادئ سد النهضة فى 23 مارس الماضى والجميع فى انتظار بدء عمل المكتب الإستشاري، سواء منفردا أو مزدوجا للنظر فى الدراسات التى قامت بها إثيوبيا عن تداعيات سدها الضخم على دولة المصب، والتى تتأجل كما هو متوقع يوما بعد يوم. فعندما تلقت الدول الثلاث العروض المالية والفنية للمكاتب الاستشارية أختارت مصر والسودان المكتب الهولندى لسابق خبرته فى دراسات إنشاء السدود، بينما أختارت إثيوبيا المكتب الفرنسى الذى لا سابق خبرة له فى إنشاء السدود على الأنهار، وبالتالى بدا الأمر محسوما بصوتين ضد صوت واحد بإختيار المكتب الهولندى إلا أن الجانب الإثيوبى كعادته أصر على فرض رأيه فما كان إلا التوافق حول حل وسط بإشراك المكتبين الهولندى والفرنسى فى العمل رغم ما يمكن أن تسببه هذه الشراكة من عوائق فى سير العمل بسبب حتمية تقسيم وتوزيع الدراسات على المكتبين ومدى قبول أو رفض أى منهم لبعضها وطلبهم استبدال نقاط بأخرى ثم مدى التنسيق والتلاقى بينهما فى النهاية لصياغة التقرير النهائى والذى يجمع بين ماقام به كل مكتب منفصلا عن الآخر وإختيار فريق للصياغه وهو أمر صعب للغاية لمن لديه خبرة فى عمل المكاتب الإستشارية ولكن جميع هذه الامور تصب فى النهاية فى صالح الإستراتيجية الإثيوبية المشتقة من مثيلاتها التركية فى الدخول فى مفاوضات لا تنتهى مع سوريا والعراق حول سد أتاتورك العظيم وماتلاه من سدود والمستمرة حتى اليوم رغم انتهاء بناء السد وماخلفه من سدود، وبالتالى فالأمر سيستمر مع مصر فى تعطيل عمل المكاتب الاستشارية ثم الطعن فى التقرير فى النهاية وهو ما خولته الإتفاقية الخاصة بإختيار المكتب ثم الاحتكام إلى خبير دولى ليحكم بين تقرير المكتب الإستشارى وبين دراسات الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، وتستمر المفاوضات بلا نهاية وبلا تلاقى ولا حلول. عرقلة الاجتماعات الخاصة بإختيار المكتب الإستشارى ليس له إلا تفسيرٌ واحدٌ وهو أن إثيوبيا ليس لديها أى دراسات خاصة بتداعيات سدها الضخم على البيئة والتدفقات المائية والآثار الاقتصادية الاجتماعية على دولة المصب، وهو ما أشارت إليه اللجنة الدولية السابقة التى أحتكمت إليها الدول الثلاث فى عام 2011 وأستمر عملها حتى مايو 2013 ، وأشار تقريرها النهائى إلى أن السد الإثيوبى بلا دراسات، وأقيم على عجل بشكل يمثل خطورة شديدة على البيئة والهيدرولوجى ورزق البشر والإقتصاد فى مصر. احتمال آخر هو أن الدراسات التى قامت بها إثيوبيا والتى قد تكون استعانت بخبراء أجانب لاتمامها بشأن شروط إنشاء السدود النهرية لدول المنابع والتى حددتها اتفاقية الأممالمتحدة لمياه الانهار لعام 1997 لم تنته بعد أو أنها أكدت حدوث تداعيات خطيرة للسد على مصر (وهذا منطقى وعلمي) وبالتالى فهى لا تريد للمكتب الاستشارى أن يبدأ عمله ليعلن للعالم أن هناك تداعيات خطيرة للسد الإثيوبى على مصر، ولكنها حصنت نفسها ضد هذا الأمر بإصرارها على كلمة «الضرر ذو الشأن» وليست الضرر فقط وبالتالى فإن تحديد لهذا الضرر البالغ أو ذا الشأن سيخضع لمهاترات وإختلافات وربما لجان ومكاتب إستشارية جديدة لتحدد هل التداعيات المرصودة ذو شأن وبالغة أم مجرد تداعيات طفيفة وغير مؤثرة على إقتصاد دولة بحجم مصر. الخروج من الشرنقة التركية الإثيوبية بعد توقيع اتفاقية دفاع مشترك بينهما لا يجمعها أى عامل منطقى مثل وجود حدود مشتركة أو أخطار وهموم متشابهة، ولكن يجمعهما فقط الرغبة فى إضعاف مصر وخروجها من حسابات القوى الدولية، ولهذا فالأمر يحتاج وبسرعة الخروج من شرك المكتب الاستشارى والطعن فيه ثم الخبير الدولى ورفض تقريره وجميعها فى النهاية غير ملزمة خاصة أنه حدد لها أن تنتهى بعد خمسة عشر شهرا يكون السد قد استكمل به طبقا للجدول المعلن للانتهاء منه فى أكتوبر من العام القادم أى بعد أقل من 15 شهرا، ويشجع على ذلك عودة التمويل الصينى والكورى والتركي. الخروج يتمثل بتنحية عمل المكتب الإستشارى جانبا وعدم الانتظار حتى خروج تقريره النهائى والدخول فى مفاوضات فورية ومكثفة بين مصر والسودان وإثيوبيا حول عدد سنوات الملء الأولى للخزان الضخم بسعة 90 مليارا عمليا بعد إضافة الفقد بالبخر والرشح العميق من قاع البحيرة وأن تتراوح بين 6 إلى 10 سنوات ثم الأهم هو توقيع اتفاقية جديدة لتقسيم مياه الحوض الشرقى للنيل والذى يضم الدول الثلاثة فقط والذى يقدر ما تساهم به إثيوبيا عبر أنهارها الثلاث الرئيسية النيل الأزرق وعطبرة والسوبات بنحو 72 مليار م3 سنويا تتعهد فيه إثيوبيا بالحفاظ على هذا المعدل من التدفقات، أو تقترح تقسيما جديدا بخصم حصة خاصة بها لا تحتاجها. الإسراع بتوقيع اتفاقية جديدة لتقسيم مياه الحوض الشرقى للنيل هو الأمر الذى يوضح نية، إثيوبيا أمام العالم بشأن عزمها الاستئثار وحدها بمياه النيل بالتوسع فى إنشاء السدود على السوبات وعطبرة والأزرق أم أنها تؤمن بحق الجميع فى العيش بسلام على الموارد الطبيعية التى سُخرت لحياة البشر وليس لفنائهم. أنها اتفاقية فارقة تختار بين التحضر والعدوانية بين العيش فى سلام بين الدول المتجاورة، أو العيش فى صراعات يحكمها الأطماع ولا تحكمها الإنسانية. لمزيد من مقالات د.نادر نور الدين محمد