كل المعطيات والحقائق على الأرض العربية اليوم تكشف عن خيار جمْعى للرعب ليس فقط باعتباره حالة عابرة نتيجة الانهيار الكامل الذى شمل البناء العام لمجتمعاتنا ولوظائفها أيضاً، وإنما كونه يتعدّى الظاهرة ليصبح ثقافة عامة، ثم لبّى رغبة عارمة وحاجة تتطلب اشباعا فغدا متعة، ما يعنى أن إرهاب الجماعات المتطرفة، وتهويل الأنظمة، ورد فعل القضاء على الإجرام، ومشاركة الخارج برفض ظاهر الذى يخدم بقبول ودعم باطن جماعات الإرهاب، حالات جميعها تجد السند فى المجتمعات العربية، حتى إن برامج ومسلسلات العنف تحظى بمشاهدة أوسع مقارنة بالبرامج الأخرى الهادفة. لقد كنّا نتخوف من انتشار الإرهاب فى الدول العربية منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولم نكن نعتقد أن ثقافة الإرهاب ستنتشر على النحو الذى هى عليه اليوم، ويُتوقع زيادة انتشارها فى المستقبل، مادامت مؤسسات الدول العربية على استعداد للقبول بهذا، بل إنها أحيانا تعدُّ شريكا فاعلا، كما هى الحال فى الأعمال الدرامية وبرامج الترفيه، ناهيك على أنها تغض الطرف على ما تقوم به القنوات الخاصة فى عملية تواطؤ مشكوفة ومستفزة لمن يخشى عواقب الانهيار العام. الواقع أن انتشار ثقافة العنف والتطرف والإرهاب وتحولها إلى متعة، يعدّ نتيجة حتمية للفوضى العامة مصحوبة بالدماء فى دول عربية هي: العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن، والصومال، وفلسطين، والسودان، ودول أخرى شريك فى الدم من خلال بعض العمليات مثل: لبنان، وأخرى مُتورطة فى حرب لا تعرف نهايتها، وهي: مجموعة عاصفة العزم بقيادة السعودية، ودول أخرى تواجه إرهابا متفرقا بدرجات متفاوتة مثل: مصر وتونس، وأخرى مازالت تواجه تبعات إرهاب عمّر فيها منذ سنوات مثل: الجزائر، ودول تعانى من ثورة الجبهة الداخلية متأثرة بمحيطها الإقليمي، مثل: المغرب وموريتانيا. إننا على المستوى العربى العام ندخل مرحلة دموية بكل المقاييس، مدعومة بثقافة عامة، ذات خمسة أبعاد، أولها: تعميم فكرة الاستسلام لهذا الواقع من حيث إنه ليس فى مقدورنا التخلص منه، ولذلك علينا التكيّف معها، وهذا يتطلب منا الانتظار للنهاية المأساوية. ثانيها: التعويل على مقدرات وتاريخ الدولة الوطنية لجهة أن ما يحصل فى الشقيقات الأخريات لن يحدث فى الدولة المعنية، مع أن التطورات السريعة فى دولنا تكشف كل يوم عن انهيار حتمى للأمة العربية كلها، وهذا التعويل يوفر نوعا من الأمان المزيف، المُشبّع بروح وطنية لم تمتحن بعد، أو بالاتكاء على مظاهر بهرجة لتنظيمات إقليمية يبدو فيها الرخاء والسلم الاجتماعى والدعم الخارجي، وعودا بنجاة مؤكدة مخالفة للمسار العام للأمة. ثالثها: الخوف المرتبط بزمن حدوث العمليات الإرهابية، وليس الخوف العام أو المستقبلي، سواء تعلّق الأمر بالتطورات على الساحة الداخلية أو بدول الجوار، وهو خوف من الجماعات الإرهابية أو بتكرار عملياتها أو بتصدير الإرهاب من دول الجوار، يقوم على فكرة« الخوف من وليس الخوف على«، إذ لم نلاحظ فى أيّ خطاب رسمى عربى صيغة تحمل مضامين ذات روح جماعية، يتم فيها تنازل الدولة القطرية لصالح الأمة، ولذلك تعيش بعض الدول العربية مخاطر التقسيم، وسيكون ذلك مصير باقى الدول العربية الأخرى فى أزمنة متقاربة، يوشك نجمها على الأفول، وهى تعتقد أنها تحسن صُنْعاُ. رابعها: التناقض البيّن فى السيّاسات والرؤى والأهداف بين الدول العربية تجاه كل القضايا المطروحة على الساحات العربية، وأهمها: الإرهاب، فالظاهر والمعلن أن كل الدول العربية ضد قيام الجماعات الإرهابية فى دولنا، بل إنها تشارك فى حرب دولية ضدها، ولكن فى حقيقة الأمر هناك دول عربيّة مُساندة للإرهاب، خاصة فى سوريا، وهذا يعدُّ من وجهة نظرى نوعا من المتعة التى تحققها بعض الأنظمة العربية من خلال تدمير سوريا وإخراجها من معادلة الصراع مع إسرائيل. خامسها: التدخل فى الشئون الداخلية لهذه الدولة أو تلك، وخاصة فى الدول التى تدور فيها حروب أهلية دامية، وأقصد تحديدا سوريا وليبيا واليمن والعراق، حيث يأتى ذلك التدخل تحت بند حماية الشّرعية، وهى فى الأصل لم تعد موجودة ليست فقط على مستوى الدول العربية سابقة الذكر، وإنما على مستوى الوجود العربي، حيث سقوط الضحايا يوميا بالآلاف هذا أولا، وثانيا دعمها فى دولة والعمل على انهائها فى دولة أخرى، فى عمليّة تبدو أقرب لإلهاء الشعوب فى دول تخاف أنظمتها من الثورة عليها. هكذا إذن، ومن خلال الأبعاد السابقة، نلاحظ أن انتشار ثقافة العنف والإرهاب والتطرف وتحولها إلى متعة قد وجدت سندا لها فى الرؤى السياسية للأنظمة، لذا عليها أن تعيد النظر فى كل المنتج بشقيه، الفعل السياسى والفعل الثقافي، ذلك لأن الحالة العربية الراهنة آخذة فى التدهور، بل إن الرّعب سيصبح فى القريب العاجل مطلباً وطنيًّا فى مرحلة أولى ثم منجزا قوميًّا فى مرحلة لاحقة، تماما كما الالتحاق بالجماعات الإرهابية لإقامة دولة لا تؤمن بالحدود بين الدول العربية، ولكنها بإجرامها تحقق حلم الوحدة القومية العربية لقادة عجزوا عن تحقيقها فى الماضي، لأن الغرب من جهة أولى، وجهل الشعوب من جهة ثانية، وصراع السياسيين من جهة ثالثة، عوامل حالت دون ذلك، ولنا خير مثال فى تجربة الوحدة بين مصر وسوريا. من ناحية أخرى، فإن الوقوف ضد انتشار ثقاقة الرعب وتحولها إلى متعة، ليست مهمة الحكومات فقط، ولكن هى أيضا وبشكل مباشر من مهام المسؤولين على المؤسسات الثقاقية وأجهزة الإعلام، وهؤلاء عليهم تطوير الذوق العام بدل المساهمة فى نشر ثقاقة الشعوذة والسحر والخرافة والضحك على الجماهير من خلال تمثيل مكشوف لنجوم الفن المذعورين، لأن الذعر الحقيقى لم يطل إلا القليلين منعهم فى دول عربية أخرى، تكاد متعة الرعب الدموى أن تنهى وجودها السياسي.