فاطمة أحمد شاكر مراهقة بوجه طفولي في استوديو مصر تلفت نظر أحمد بدرخان فينادي عليها أن تقترب منه فتقترب ويسألها هل تجيد الغناء فتغني الطفلة المراهقة بلا تردد وينجذب المخرج لها ويرشحها لفيلم لا يكتمل،وتمر الأيام والشهور ويستعد حلمي رفلة لتجربته الإخراجية الأولي مع النجم محمد فوزي فينصح أحمد بدرخان المخرج الجديد بأن يجرب الفتاة اللامعة فاطمة شاكر لتكون بطلة فيلم «العقل في اجازة» وتظهر للناس شادية العجيبة، الموهوبة خفيفة الظل السينمائية بشكل لافت. صوت أنثوي رفيع عند الكلام يتحول إلي صوت لطيف الحس يغني بخفة ومقدرة، إنها ملامح جديدة تدخل القلب نوعا من الملامح والاداء أكثر حداثة ومعاصرة وخفة من ليلي مراد وأم كلثوم، إنها ترقص وتغني وتضحك وتجري وتختبئ مع إسماعيل ياسين وشكوكو في أكثر من فيلم، وهم الفقراء الذين يجرون خلف لقمة العيش بمواهبهم، فتضيق بهم الدنيا لحظة وتبتسم لهم لحظات وينتهي الفيلم والعيون متعلقة بتلك الفتاة الجميلة، تبتسم حين تراها وتتمني من الله أن يوفقها في رحلة الفيلم البسيطة، فتتزوج ذلك الشاب الغني الذي يحبها وينتشلها من الفقر والضياع، هي تثير لدي المشاهد المحبة والتعاطف أكثر مما تثير الشهوة، وتكبر شادية أمام أعين جمهورها كأنها جارتهم او ابنة خالهم او عمهم، تكبر وتنضج وتصبح الفتاة الخفيفة شابة جميلة في شارع الغرام والغزل ويصبح لها في كل فيلم حبيب وسيم، وقصة حب مكتملة لم تعد رفيقة الصعاليك المضحكين ولا الفقيرة التي تنتظر الأمير، صارت امرأة تدخل في قصص الحب الحزينة والتي يدفعها الحب الي الخسران، بل صارت رمزا للرومانسية المبكية حينما تتبادل هي وحبيبها النداء الخالد في (أغلي من حياتي) وتخلد بين العشاق شخصية (مني) التي احبها احمد، لتنتقل بعد ذلك الي مرحلة من أهم المراحل واخطرها وهي مرحلة شادية بطلة كل الروايات المهمة، فمنذ ان وصفها في البدايات نجيب محفوظ بذكائه وحياديته انها الدلوعة الخفيفة فتاة الأحلام، ارادت الموهوبة العنيدة ان تثبت أنها تملك المقدرة علي تجسيد الشخصيات النسائية التي نحتتها أقلام الرواة المصريين لتكون هي بالفعل بطلة أهم الروايات المصرية التي تم تجسيدها علي الشاشة، فهي بطلة: اللص والكلاب، وميرامار، والطريق، وزقاق المدق لنجيب محفوظ، وبطلة نحن لا نزرع الشوك ليوسف السباعي، وشيء من الخوف لثروت اباظة، وكأن شادية تمر بمراحل التحقق مرحلة مرحلة، وتكبر أمام جمهورها سنة وراء سنة، وتنضج من فتاة بسيطة إلي شابة، إلي امراءة ناضجة، إلي بطلة حقيقية تجسد الشخصيات الصعبة، من فتاة ليل، إلي خادمة، إلي زوجة خائنة، إلي عاشقة تتحدي حتي حبيبها الظالم من أجل نصرة أهل قريتها، والجمهور يزداد لها عشقا ومحبة وتقديرا في كل المراحل، تنوعت ذات الصوت الجميل في أدائها التمثيلي بشكل غير مسبوق لاي مطربة خاضت التمثيل قبلها أو بعدها، فصارت ممثلة قادرة قوية، وقدمت أفلاما عديدة، لم تغن فيها علي الإطلاق، واستطاعت أن تتلون من خفة الظل إلي الوقار، إلي القسوة في وعي تام بقدراتها ومراحلها العمرية دون تصابي، وكأنها تدرك أن الجمهور يطل عليها من شباك الجيرة والقرابة، وحافظت تماما علي الشعرة التي تربط الجمهور بالنجمة، فظلت المحبة ودام الود في كل المراحل فهي التي رباها الجمهور علي عينيه، وعاشرتهم بصوتها وادائها، كان التليفزيون قد بدأ في الظهور ثم خطا خطوات متتالية حتي صارت المسلسلات التليفزيونيه في السبعينيات والثمانييات لها جمهورها، لكن شادية السينمائية لم تختر أبدا هذا الوسيط لتطل منه علي جمهورها، فهي ابنة الشاشة الكبيرة وصنيعتها، ربما استطاعت ان تهمس لجمهورها عبر الراديو وقدمت للإذاعه عدة مسلسلات مثل صابرين، وسقطت في بحر العسل، وجفت الدموع، لكنها لم تخاطر أبدا بالوقوف أمام كاميرات التليفزيون، ثم كانت تجربتها الأولي والوحيدة علي خشبة المسرح لتعود كما كانت شابة صغيرة أقرب للطفولة، وهي تقف و تحتمي بدفأ وموهبة إسماعيل ياسين ومحمود شكوكو ،عادت وهي قرب الخمسين تقف علي المسرح بين عبدالمنعم مدبولي وسهير البابلي نجمي المسرح العتيدين، وتحيط بها موسيقي بليغ حمدي وقصة أشهر سفاحتين بصياغة بهجت قمر وقيادة حسين كمال المخرج، الذي وثقت به وقدمت معه أجمل افلامها كل شيء حولها اذن دافيء ويشي بالطمأنينة والجمهور يتوافد ثلاث سنوات متتالية لرؤية نجمته الاقرب والاشهر ليراها علي خشبة المسرح تقدم ريا وسكينة بعد ان ظل سنوات طويلة لا يراها إلا عبر الشاشة، كان المسرح يمتليء كل ليلة ليس فقط لروعة القصة، ولا لقدرات مدبولي والبابلي واحمد بدير ولكن كانت هناك شادية ابنة هذا الجمهور واخته وصديقته ونجمته التي حتي حينما قررت بعد كل هذا المشوار ان تعتزل الفن لم يعتزلها الفن ولا الجمهور، وصار يتذكرها بحب وعشرة عبر شباك يطل علي ابتسامتها البريئة، ولن يغلق شباكه ابدا.