بعد واقعة سرقة «المشكاوات» المصرية التى كشفت «الأهرام» عن تفاصيلها فى نوفمبر وفبراير الماضيين، يعرض محترفو بيع الآثار والتحف الآن فى لندن صورة قطعة أثرية مصرية نادرة وثمينة ذات مواصفات قياسية فنية متفردة لا يضاهيها إلا عدد قليل جداً من القطع فى العالم بأسره، حيث توجد إحدى هذه القطع بمتحف برلين بألمانيا، وقطعة ثانية بمتحف «المتروبوليتان» فى نيويورك بالولايات المتحدةالأمريكية. وتلك التحفة الأثرية المعروضة للبيع عبارة عن «دورق» زجاجى أو قنينة كبيرة رائعة من الزجاج الملون (دورق كروي) معروفة أثرياً باسم «قنينة قوص» الأثرية، لأنها اكتشفت بها عام 1966 ونقلت بعد ذلك للمتحف الإسلامى بالقاهرة، وبالفعل تمت سرقتها وإخراجها من مصر، لكن الغريب أن من سرقوها هم الذين فكروا فى إعادتها لأنهم تأكدوا تماماً من وقوعهم فى فخ الاتهام فحاولوا إعادتها وفى أثناء ذلك تم القبض عليهم.
وتم عرض صور هذه التحفة الأثرية الرائعة على تجار ومحترفى ومقتنى الآثار الإسلامية تحديداً وفى العاصمة البريطانية لوجود سوق رائجة لها، وكانت عمليات البيع والشراء تتم قبل وصولها بالفعل ليقينهم أنهم واثقون من تهريبها، وبالفعل كان أول من عرضت عليه تاجر تحف عالمى عاشق لمصر رفض شراءها احتراماً لتاريخ وتراث وحضارة مصر، ويبقى تفسير كيفية الخروج لغزاً نتمنى الكشف عنه مستقبلاً ،أما توقيت السرقة فهل تم مؤخراً أم مواكباً لسرقة مشكاوات السلطان حسن وبرقوق وسيف السلحدار وغيرها من عشرات القطع التى لم يكشف عنها بعد. عودة الدورق وعن كيفية إعادة الدورق الأثرى يقول على أحمد على مدير الآثار المستردة بوزارة الآثار فور علمنا بواقعة عرض صورة الدورق الأثرى سارعنا بإخطار الجهات المسئولة لمحاصرة عمليات البيع فى الخارج لاحتمال تهريبها ، أما الاحتمال الثانى فكان هو عرض صورة للدورق مع تهريبها خارج متحف الحضارة ، ولهذا خاطبت متحف الحضارة وتأكدت أن الدورق نقل إليه من المتحف الإسلامي، ومن هنا دب الخوف فى قلوب من سرقه ولشعورهم بأنهم سيسقطون لا محالة حاولوا إعادته مكانه وكأن واقعة السرقة لم تتم ، وبالفعل فى أثناء محاولة إعادته تم القبض عليهم وإحالتهم للنيابة العامة. سر الدورق والدورق الزجاجى أو «قنينة قوص الزجاجية» التى نفتح ملفها الآن يؤكد بعض المسئولين أنها نقلت من متحف الفن الإسلامى إلى متحف الحضارة بتاريخ 22/11/2006 ، وهنا تبرز علامة استفهام كُبرى أمام هذا العام تحديداً وعلامة استفهام أخرى أمام عملية النقل من متحف الفن الإسلامى لمتحف الحضارة ، فهل تتم عمليات السرقة أثناء نقلها مع عدد من التحف والمشكاوات الأخرى ؟ أم سرقت مؤخراً بدليل إعادتها عن طريق من تم القبض عليهم ؟ وهل تلك القطع وحدها هى التى تعرضت للسرقة أم أن هناك قطعاً أخرى ستكشف عنها الأيام ؟ وماعددها ؟ وهل ثمة إجراء يضع جميع المقتنيات رهن الجرد أم أن الجميع ينتظر ماتبوح به سوق العرض والطلب للأثار المهربة فى لندن والخليج وعواصم المعمورة؟ ويبقى السؤال الأخير وهو لغز الألغاز فى كل عمليات تهريب الآثار كيف تخرج تلك القطع الزجاجية من جميع منافذنا لتصل للعاصمة البريطانية وغيرها؟ أصبح الأمر لا يحتمل ، فهذا يعنى أننا أمام كارثة بكل المقاييس ويبقى الاحتمال الأخير إذا لم يكن الأمر كذلك وتلك التحفة الأثرية الرائعة مازالت داخل مصر وفى مكان متحفى معروف فإن ذلك يتطلب على الفور اتخاذ احتياطات احترازية كاملة وشاملة للحيلولة دون سرقتها وتهريبها وبيعها خارج البلاد ،لأن من يعرض صورة لتحفة وقطعة أثرية دون أن تكون فى حوزته فهو يخطط وعلى يقين من نجاحه فى ذلك ويراه فى غاية السهولة، وكادت عملية البيع تعقد وتنتهى بسهولة كقريناتها من العمليات السابقة التى ضاع من خلالها آلاف القطع والتحف الأثرية المصرية النادرة التى لاتقدر بمال ، إلا أن عرض صورة الدورق الزجاجى أو القنينة على العالمة المصرية الدكتورة دوريس أبو سيف أستاذ الفن والحضارة بجامعة سواس بالعاصمة البريطانية لندن التى أبت ألا تدافع عن تراث بلدها وكشفت عن كل تفاصيلها، وتصدت لعمليات تداولها بالبيع والشراء فى لندن. ويرجع لهذه العالمة المصرية الأصيلة الفضل من قبل فى اكتشاف سرقة وبيع عدد من المشكاوات المصرية الأثرية ،كذلك الفضل فى استعادة بعض القطع الأثرية. والقصة بكل بساطة ترويها الدكتورة دوريس، فى حوارها عبر الهاتف مع الأهرام: صور هذه القنينة بدأ تداولها عبر أيادى مشاهير وتجار ومحترفى اقتناء التحف والآثار فى لندن كما هو الحال مع قريناتها السابقة، وبالطبع فان التداول الأول للصورة لمعرفة تاريخها ومدى أثريتها، وهذا تم الانتهاء منه من جانبهم وتأكدوا من أثريتها وقيمتها العالية جداً التى من وجهة نظرى لاتقدر بمال، وبالطبع هى قطعة أثرية مشهورة جداً عمرها يربو على سبعمائة عام ،ثم بدأت عمليات البيع الفعلى التى رفضها أحد التجار المحترمين بالمملكة البريطانية، وعرض القنينة الأثرية للبيع يعنى أن مسلسل بيع الآثار المصرية خاصة الفرعونية والإسلامية كالتحف والمشكاواة والآثار والأنتيكات وغيرها مستمراً، ولاتكاد تمر فترة وجيزة دون أن نفاجأ بمعروضات جديدة فى أسواق التحف الأوروبية والخليجية، والدورق الزجاجى بصفة خاصة من التحف الأثرية الإسلامية النادرة المشهورة عالمياً، وقد تناولها أكثر من مؤلف وأثرى ومكتشف ومستشرق عالمى فى كتاباتهم مثل آسين أتيل فى كتابها عن الفن المملوكي، والغريب أن الصورة أرسلت لى بواسطة إحدى تلميذاتى بالجامعة للوصول لحقيقتها ، وأنا أعرف أنها من القطع الأثرية الإسلامية المسجلة بالمتحف الإسلامى تحت رقم 23768،كما أنها مشهورة جداً وتم اكتشافها عام 1966 بمدينة قوص بأقاصى الصعيد، وترجع للعصر المملوكي، وواضحة جداً من خلال الصورة التى يتم من خلالها عرضها للبيع، وبالطبع وكالعادة لايعرض أحد للبيع تحفة دون أن تكون فى حوزته، ليبقى لغز عرض الصورة لمن يرغب فى شراء التحفة النادرة، وتتبادر للأذهان هنا عدة أسئلة تتعلق بتداول الصورة بين محترفى البيع والتجار ، فهل تتم الصفقة لحين تهريبها من المتحف ليقينهم من قدرتهم على تهريبها ، ومن هنا يجب اتخاذ الإجراءات الاحترازية لإحباط أى عمليات تهريب، حتى لانجد أنفسنا أمام كارثة حقيقية نبدأ معها مسلسل إبلاغ وزارة الخارجية والإنتربول الدولى لمحاصرة عمليات البيع والتداول، وفى حالة التوصل إليها تبدأ إجراءات استردادها. سر تفرد دورق قوص مواصفات دورق قوص الزجاجى متفردة حيث يزينه زخارف مذهبة ومطلية بالمينا الحمراء والسوداء ، وينسب لأوائل القرن الثامن الهجرى / الرابع عشر الميلادي، وقوام زخرفته أشرطة متتالية حيث تشاهد على الرقبة بقايا رسوم هندسية مجدولة وعناصر نباتية تمتد حتى جسم الدورق، يليها شريطان ضيقان بهما كلمة العز مكررة يحصران بينهما شريط عريض به جامات مستديرة بداخلها على التوالى زهرة لوتس أو منظر انقضاض لطائر ينقض على آخر، يصل بينهما أشرطة أفقية بها زخارف نباتية متموجة يكتنفها من أعلى وأسفل وحدات نباتية تم تشكيلها على هيئة مثلثات، وتلك القنينة أشارت إليها للمرة الأولى الدكتورة أمال العمرى فى مقالها الذى نشر فى مجلة حوليات اسلامية التى صدرت عن المعهد الفرنسى عام 1966، كما قامت بنشرها أيضاً أسين أتيل فى كتابها عن الفن الممملوكى الذى صدر سنة 1981. وعن ترجمة لمواصفات الدورق الزجاجى أو القنينة بأحد المؤلفات تحمل عدة مفاجآت منها أن القنينة ثمينة جداً، ويوجد عدد محدود بنفس المواصفات من العصر المملوكى ، منها قنينة شهيرة أيضاً محفوظة فى متحف برلين ،والثانية بمتحف المتروبوليتان فى نيويورك بالولايات المتحدةالأمريكية، والثالثة التى نحن بصدد الحديث عنها وتم اكتشافها فى مدينة قوص بمحافظة قنا سنة 1966، وهى تمتاز بمميزات متفردة من حيث التصميم لأنها ذات مقاييس فنية رائعة وتزدان برسوم وكتابات وزخارف غاية فى الروعة والجمال واللون العام لها العسلي، وهى مصنوعة من الزجاج المذهب مطلية بالمينا الأحمر والأسود المذهب، تأخذ الشكل الكمثرى وذات قاعدة سميكة وعنق أنيق ورفيع ،أماكن الرسم على القنينة متفاوتة العرض ،والرسوم باللونين الأحمر والأسود والذهبى ،أما الكتابة التى تزدان بها فهى باللون الأسود على الخلفية الذهبي،طولها 28 سم وقطرها فى المنطقة السميكة يبلغ 217سم وكانت معروضة فى متحف الفن الإسلامى تحت رقم 23968، ويعود تاريخ صناعتها إلى أواخر القرن الثالث عشر أو أوائل القرن الرابع عشر الميلادي. وعن الوقائع السابقة الخاصة بسرقة المشكاوات أضافت الدكتورة دوريس :- بعد تداول صور أحد التجار وهو يحمل ثلاث مشكاوات يعرضها للبيع يتضح لنا أن عدد المشكاوات التى تم عرضها للبيع خمس مشكاوات وليس أربعا كما كان البعض يعتقد تضاف لهم القنينة الزجاجية ليصبح عدد القطع الأثرية 6 قطع نتمنى مزيداً من الجهود لاستعادتها.