أكتب إليكم وجهة نظري في علاقة الشرطة بالشعب من جانب انساني, وأري أنه يجب علينا أولا تقدير بعض النقاط التي قد تساعدنا علي فهم طبيعة عمل رجل الشرطة. ومنها ان التعامل المستمر مع المجرمين والخارجين عن القانون يستوجب الصرامة والحزم كلازمة لشخصية ضابط الشرطة ويؤثر ذلك بالطبع علي المظهر فلا غرابة أن يبدو ضابط الشرطة قليل الابتسام. ويجب تأصيل الانضباط واطاعة الاوامر فيه وأن يبدأ ذلك من فترة الدراسة وهو ما ينعكس علي طبيعة شخصيته عندما يعاين الضابط في بداية حياته العملية أحد المتهمين ويشعر أنه مظلوم ويتعامل معه برقة ولين ثم يوكل هذا المتهم إلي أحد الضباط الاكثر خبرة وصرامة, ويتبين في نهاية اليوم للضابط الاصغر ان المتهم الضعيف الذي كان يبكي أمس بين يديه هو السارق أو القاتل الحقيقي فلابد أن يتولد لديه شعور بالشك والريبة فيقلل من اعتماده علي العواطف في العمل. إن طبيعة عمل الشرطة قاسية وهي بالتأكيد تشغل معظم أوقات ضابط الشرطة, ولاتعترف بأوقات مخصصة للعمل واخري منفصلة للحياة الخاصة, ومع الاخلاص والتفاني في العمل فانه تدريجيا يصعب الفصل بين شخصية ضابط الشرطة في العمل وخارجه. ومن المهم التأكيد ان ضباط الشرطة عينة عشوائية من المجتمع المصري نالها مانال الطوائف الاخري من تأثير نتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها مصر في الفترات الاخيرة, وهي تأثيرات طالت جميع الطوائف المصرية من أطباء ومهندسين ومدرسين وعمال ولكن هذه التأثيرات تظهر لنا بوضوح في الوظائف الحيوية التي تمس حياتنا اليومية, وعلي رأسها وظيفة ضابط الشرطة ولابد أن نقدر صعوبة وخطورة طبيعة عمل ضابط الشرطة الذي يعرض حياته للخطر ويسهر من أجل أن ننعم بحياة آمنة مطمئنة. وعلي الجانب الآخر هناك سلبيات قد نشعر بها ومنها إحساس المواطن العادي بعدم الارتياح بل والامتهان أحيانا عند دخول أقسام الشرطة والإحساس بأن بعض الضباط يستخدمون سلطتهم خارج العمل ويعتبرون أنفسهم فوق المجتمع وعند حدوث أي احتكاك في الشارع يسارعون إلي استخدام نفوذهم إلي درجة ان المواطن أصبح يتجنب أي تعامل معهم لتفادي عبارات التهديد والوعيد كما أن شعور المواطن من خلال أن بعض ضباط الشرطة والمفترض أنهم يحمون سيادة القانون هم أول من يخالفونه من خلال ركن السيارة في الممنوع وأرقام السيارات التي تحمل عبارات مثلnonumber والزجاج الفيميه وغيرها. والحل يتمثل في تقدير طبيعة عمل الشرطي والاقتناع التام بالأهمية القصوي لدوره في المجتمع ومدي صعوبة هذا العمل والتضحيات التي يقدمها وأيضا احترام الشرطة فالاحترام واجب للجميع, ولكنه احترام القانون الذي يحميه ضابط الشرطة وتسهيل عملها بأن يتجنب المواطن وضع نفسه في شكل غير قانوني وبذلك يساعد رجل الشرطة علي التفريق بين المواطن العادي والخارج عن القانون. وعلي ضابط الشرطة أن يكون أول من ينفذ القانون فلا يعقل أن يطلب الطبيب من المريض أن يمنع التدخين وفي يده سيجارة ينفث دخانها عليه ويجب ان يحاول الشرطي قدر المستطاع الفصل بين شخصيته في العمل وشخصيته في الشارع فالطبيب الذي يتعامل مع الحالات المرضية الصعبة داخل المستشفي يجب ان يعرف ان القاعدة العامة للناس خارج المستشفي هي الصحة وليس المرض وعليه ايضا بذل الجهد لاعادة الامن والثقة إلي المواطن المصري والتدرج في استخدام القوة قدر المستطاع فلا يكون التعامل مع القاتل أو السارق مماثلا لمن ارتكب خطأ صغيرا. هذه الرؤية للجوانب الإنسانية لدي الشرطة يطرحها الدكتور أحمد دنيا بمركز الكلي بجامعة المنصورة.. ولعلنا نلاحظ عودة الثقة تدريجيا إلي المواطن في رجال الشرطة بعد الجهود المضنية التي بذلوها في الآونة الأخيرة لضبط المجرمين, واعادة الأمن إلي المواطنين.