تكررهذاالسؤال عشرات المرات فى ذهن كثير من المواطنين، فمع أن مصر حققت نجاحات، سياسية وأمنية واقتصادية، خلال الفترة الماضية، إلا أن هناك جهات فى العالم ترفض تصديق ما حدث من تطور إيجابي، بل توجد حفنة لا تزال تطرب للخطاب السياسى الذى يروج له الإخوان، وتتغافل عما يحمله من عنف أو تحريض عليه.التحركات المصرية نجحت فى إعادة تطبيع العلاقات مع دول كثيرة، بحكم المصالح الإقليمية والدولية المتشابكة، وجرى فعلا تبديل رؤية أنظمة، والوصول إلى عقل قطاعات متباينة وسط نخب متعددة فى العالم، لكن لم تتمكن غالبية التصرفات من أن تصل إلى نتيجة مماثلة على المستوى الشعبي، وحتى لا يكون الكلام مرسلا أنقل لكم خلاصة تجربتى فى اندونيسيا، التى قمت بزيارتها أخيرا، وأجريت لقاءات مع مسئولين وقيادات سياسية وإعلامية، ووجدت إجابة ضمنية للسؤال المحورى لماذا لا يفهموننا حتى الآن ؟ معروف عن الشعب فى اندونيسيا السماحة والمحبة والتدين والاعتدال، وهى أكبر دولة مسلمة فى العالم (نحو 240 مليون نسمة)، ومعروف أيضا أن هذا البلد من أكثر دول العالم حبا وامتنانا لمصر بكل ما تمثله من حضارة.. مصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وتأسيس حركة عدم الانحياز ومؤتمر باندونج.. ومصر الأزهر، الذى يمثل قبلة ثانية لمعظم المواطنين فى اندونيسيا، ويرون فيه رمزا لقيم الإسلام الصحيح والمتوازن.. ومصر التى يراها معظم أفراد النخبة الاندونيسية تخوض حربا نيابة عن كثير من دول العالم لمكافحة الإرهاب. وسط الحب والتقدير والاعتزاز والحفاوة، طاردتنى فى كل مكان ذهبت إليه مجموعة من الأسئلة، من نوعية لماذا تمت إزاحة الرئيس الأسبق محمد مرسى ؟ وكيف يصدر القضاء أحكام إعدام بالجملة ؟ ولماذا ترفضون المصالحة مع الإخوان ؟ وما إلى ذلك من أسئلة مغلوطة، تؤكد أن هناك سوء فهم لما يجرى فى مصر. اجتهدت، والسيد بهاء الدسوقى سفيرنا فى جاكرتا، والدكتور عبدالمنعم فؤاد مبعوث شيخ الأزهر، فى رحلة قادتنى الظروف لمرافقته فيها إلى اندونيسيا، لتوضيح الصورة الحقيقية لما يدور فى مصر، وأجبنا بموضوعية عن الأسئلة السابقة لكل من قابلناهم هناك، وبدا الجميع كأنهم يتعرفون لأول مرة على الواقع السياسى عندنا، ولأول مرة يسمعون كلاما مختلفا عما يشاهدونه على شاشة قناة الجزيرة، وهى القناة العربية الوحيدة التى تصل إلى بلدهم، ومن خلالها يستقون المعلومات المشوهة، وكرست فى ذهنهم أن هناك مواطنين مسالمين يتعرضون لمشاكل على يد النظام المصري. عدد كبير ممن تحاورت معهم ينتمون إلى جمعية «نهضة العلماء» التى تضم نحو 70 مليون عضو، يكرهون جلهم فكر الإخوان، ولا يطيقون حزب «العدالة والرفاه» الذى يمثل الجماعة فى أندونيسيا، لكن لأن الشعب على درجة عالية من الطيبة والتسامح، لا يقبل العنف ضد أى جماعة، مهما كانت انتماءاتها السياسية، وبصرف النظر عن ديانتها، لذلك كان سؤال الإخوان يطرح علينا فى جميع لقاءاتنا فى جاكرتا. حتى أن السيدة زنوبيا ابنة الرئيس الاندونيسى الأسبق عبدالرحمن وحيد أبدت ارتياحا لما سمعته من إجابات حول حقيقة ما يمارسه الإخوان من عنف فى مصر، وأن المحاكمات القضائية التى تجرى لقياداتها قانونية وغير مسيسة، وبدت مقتنعة عندما قلت لها «أن أحكام الإعدام أضرت بالنظام المصري، فكيف تكون سياسية، هل يوجد نظام فى العالم يؤذى نفسه ؟»، واستكمل السفير بهاء الدسوقى الحديث عن الأوضاع الأمنية والسياسية التى تسير نحو الأفضل، ووصلت فكرته بسلاسة متناهية. كان الدكتور عبدالمنعم فؤاد عميد كلية الدراسات الإسلامية للوافدين بجامعة الأزهر موفقا، فى حديثه عن نقاط التسامح المشتركة بين مصر واندونيسيا، وأن الثورة الشعبية التى أيدها الجيش وأزاحت الإخوان بعيدا عن السلطة، أسدت خدمة جليلة للإسلام، فقد كشفت خداع الإخوان، وقدمت دليلا على أن مصر (بلد الأزهر) لن تقبل سوى أن تكون مركزا للإسلام الوسطي، ولن تتوانى عن مقاومة الأفكار المتطرفة. الواضح أن كل من يعرف التفاصيل الدقيقة، يقتنع أن إبعاد الإخوان عن السلطة كان ضرورة حضارية، الأمر الذى أثنى عليه هولاند تايللور، وهو مفكر أمريكى حصل على الجنسية الاندونيسية ويقيم فى جاكرتا، ومقتنع بأن نموذج الإسلام المتسامح فى هذا البلد والإخوان لا يلتقيان، وأن مصر قدمت خدمة جليلة للعالم فى التخلص من شرور الجماعة، وينقصها فقط توصيل صوتها الغائب عن مناطق كثيرة، حتى يمكن فهمها بطريقة صحيحة، خاصة أنها تملك ميراثا إنسانيا وإسلاميا لا يضاهي. الحصيلة التى يخرج بها المرء من زيارة دولة مثل اندونيسيا المسلمة والمتسامحة، تستحق الكتابة عنها مرات عدة، وتستوجب مراعاة ثلاث نقاط أساسية، لقطع الطريق على كل من يحاول تشويه صورة مصر فى الخارج، من الإخوان والمتحالفين معهم. الأولي، الاستفادة من القوة الناعمة، والرصيد السخى لمصر فى دول مختلفة، ونقل الواقع بلا تهويل أو تهوين، لوقف زحف الأكاذيب والشائعات التى تنمو بشكل مخيف، وأدت إلى تكوين انطباعات زائفة، وتشويه متعمد لكثير من التطورات الإيجابية. الثانية، ضرورة أن تكون لمصر محطة فضائية عالمية باللغة العربية وأخرى بالانجليزية، ويتم استعادة أمجاد دور المحطات الإذاعية (بطريقة تليفزيونية) وبثها بلغات مختلفة، فقد لعبت الإذاعات الموجهة دورا مهما من قبل لتوصيل ما يجرى فى مصر إلى العالم، وأجهضت محاولات الخصوم فى نشر الدعاية المسمومة. الثالثة، التعامل بسرعة ومرونة مع الأحداث الشائكة، وتوضيح أبعادها وفقا لمعلومات وبيانات صحيحة، وتقديم إجابات شافية، حتى لا تتكون صورة ذهنية سلبية، خاصة فى بعض القضايا محل الالتباس (أحكام الإعدام مثلا)، فتعقيدات قانون الإجراءات الجنائية، والاستهانة بحملات التشويه، أو تصدى بعض الوجوه الكئيبة للرد عليها، كلها عوامل أسهمت فى استمرار عدم فهم الكثير من التطورات الجارية. لمزيد من مقالات محمد ابو الفضل