حل أزمة غلاء أسعار الخضر والفاكهة التى يعانيها المصريون فى يد الحكومة إذا تضافرت الجهود، وامتلك المسئولون الرؤية والإرادة السياسية لمواجهتها. الأمر ببساطة يتمثل فى طمع وجشع تجار التجزئة وتجار الكلالة (الذين يشترون المحصول من الأرض مباشرة)، فالفلاح الذى يبذل الجهد والعرق فى حقله لخدمة زراعته التى تحتاج لتكاليف باهظة، يضطر لبيع محصوله لتاجر الكلالة بالبخس بسبب سرعة تلف الخضراوات، أو يبيعه فى أسواق الجملة، وعرضه عند محال التجار الوسطاء (الوكالات) الذين يتقاضون نسبة مئوية فى حدود 10% من إجمالى ثمن المحصول الذى يتقاضاه الفلاح بعد بيعه لتجار التجزئة فى مزاد بأسعار متدنية يتفق عليها التجار، خاصة مع كثرة المعروض من المحصول فى السوق، ثم يقوم البائعون بعرض الخضر والفاكهة فى المحال أو على عربات الكارو بأسعار مرتفعة تتراوح بين ضعفين وأربعة أضعاف الأسعار التى اشتروا بها تلك المحاصيل من الفلاحين! فعلى سبيل المثال يتم بيع فدان الكرنب لتاجر الكلالة فى حدود خمسة آلاف جنيه بحيث يصل ثمن الكرنبة الواحدة إلى 50 قرشا، فى حين أنها تصل للمستهلك بسعر يتراوح بين 4 و5 جنيهات، وفى موسم الموالح الماضى بيع كيلو اليوسفى والبرتقال جملة فى حدود 80 قرشا، فى حين وصل للمستهلك بسعر تراوح بين 2.5 و3 جنيهات. إذن ما هو الحل؟ أروى فى عجالة تجربتى الشخصية، ففى عام 1988 كنت وزملائى (فى مشروع الخريجين) نبيع كيلو الكمثرى فى أسواق الجملة بروض الفرج والحضرة بالإسكندرية لتجار التجزئة بسعر يتراوح بين 40 و50 قرشا مع وضع أوراق داخل الأقفاص، وتغليف ثمار »وش القفص« بمناديل ورقية ملونة بما يزيد من التكلفة، وكان هؤلاء الباعة يبيعونها للمستهلك بسعر يتراوح بين 1.5 و2 جنيه للكيلو، ثم عرفنا طريقنا إلى أكشاك وزارة الزراعة بالدقى ومديرية الزراعة بالجيزة، فقمنا بتوريد الكمثرى دون القصاصة والمناديل الورقية بسعر يتراوح بين 70 و90 قرشا حسب حجم الثمار وجودتها، وكانت وزارة الزراعة تبيعها للمواطنين بسعر بين 90 و110 قروش، بما يعنى مكسبا وفائدة لكل من المنتج الزراعى والمستهلك. وبناء على ذلك فإن دخول الدولة كمنافس حقيقى وقوى للتجار الجشعين بشراء المحاصيل من المزارعين مباشرة بأسعار عادلة تضمن لهم عدم الخسارة، وتحقيق عائد مجز، وذلك بإضافة نحو 50% 80% إلى الأسعار التى تباع بها المحاصيل فى أسواق الجملة، هذا الإجراء يتيح للدولة بيع الخضر والفاكهة للمواطنين بأسعار معقولة، وبهامش ربح غير مبالغ فيه، وذلك من خلال الأكشاك الخشبية فى مختلف مناطق الجمهورية، حيث يقوم الفلاحون كما فعلت وزملائى بتوريد ونقل المحاصيل إليها، أو من خلال الجمعيات التعاونية التى تتبع وزارة التموين. إذن نحن أمام حل عملى سبق أن نفذته الدولة فى الثمانينيات فى حدود ضيقة، فما المانع من توسعة نطاقه وتعميمه على مستوى الجمهورية؟ وحتى تكتمل منظومة التصدى لارتفاع أسعار الخضر والفاكهة ينبغى أن تواجه الدولة الأسباب الأخرى لهذه المشكلة، التى تتمثل فى ارتفاع أجور العمالة الزراعية مع تدنى كفاءتها وأدائها، وتقلص ساعات عملها إلى نحو 4 ساعات يوميا فقط! وارتفاع أسعار السولار بعد رفع الدعم الجزئى عنه، وهو الذى يمثل عصب الطاقة الرئيسى فى القطاع الزراعي، وكذلك ارتفاع أسعار كهرباء كبار المشتركين التى تعتمد عليها المواتير والطلمبات الغاطسة لرفع المياه من الآبار الارتوازية، بالإضافة إلى الارتفاع الكبير فى أسعار الأسمدة الكيماوية والمبيدات فى ظل غياب الرقابة الفاعلة على الجمعيات الزراعية وشون (جمع شونة) بنوك التسليف ومحال المستلزمات الزراعية، ثم يأتى اعتماد الفلاح المصرى على طريقة الرى التقليدى بالغمر ليضيف سببا آخر لارتفاع تكلفة الزراعة، سواء فى زيادة الطاقة المستخدمة، أو بسبب انخفاض إنتاجية الأرض وزيادة معدلات التسميد والمبيدات المستخدمة، لذلك بات حتما على الدولة السعى لتعميم الرى بالطرق الحديثة فى الأراضى الزراعية القديمة، وتقديم كل التسهيلات الفنية والمادية للفلاحين لإنشاء واستخدام شبكات الرى الحديثة، مع عدم المغالاة فى أسعار الطاقة المستخدمة من سولار وكهرباء. محمد سعيد عز