فى جلسة مصالحة وطنية عالية، دعا الرئيس السيسى يوم الأربعاء الماضى قيادات حزب الوفد المتنازعة لإنهاء الأزمة المتصاعدة داخل أروقة الحزب، حفاظاً على تاريخ الوفد العريق باعتباره أحد قلاع الحياة السياسية والأمين على تراث الحركة الوطنية ، والنهوض بمسئوليته الوطنيه تجاه البلاد، وقد لبى السادة الوفديون الدعوة مرحبين ، واضعين المصلحة العليا للبلاد فوق أى مصالح حزبية أو شخصية، وتحقق المراد وتمت المصالحة وجرت انتخابات اللجنة العليا للوفد بعدها فى جو ديمقراطى شهدت له الحياة الحزبية والحياة الديمقراطية فى البلاد ، وتأملت لو أن الرئيس كان يحتل منصباً حزبياً ، فى حزب آخر منافس ، ويقع عليه التزام حزبى بمساندة حزبه وحده ، هل كان يدعو حزب الوفد لإجراء تلك المصالحة وإنهاء الأزمة ؟! ويظل «حزب الوفد الجديد» له مكانة عريقة، وتاريخ وطنى حافل فى ظل الحياة الحزبية التى اتسمت بالركود فى مصر ، وما أصابها من وهن وضعف شديدين لأسباب عديدة ، منذ حل الأحزاب السياسية فى مصر فى 17 يناير 1953 ومصادرة أموالها لمصلحة الشعب ، واتهامها بإفساد الحياة السياسية !! وبعدها مضى من الزمن ربع قرن ، حتى تاريخ عودة الأحزاب السياسية، بدءاً من الإعلان عن حرية تكوين المنابر فى خطاب الرئيس السادات فى 11 نوفمبر 76 ، ثم الإعلان عن تكوين الأحزاب فى 10 فبراير 1977 وحتى صدور قانون الأحزاب السياسية رقم 40/77 فى 2 يوليو 1977 بإجراء فجائى عاجل لم يصدقه الأحزاب أنفسهم ، حيث اعتبرها البعض مؤامرة على الحياة الحزبية ذاتها .. خاصة أن القانون الذى صدر كان يخالف الدستور القائم وقتئذ الذى كان ينص على أن النظام السياسى يقوم على الحزب الواحد !! واستمر حال الأحزاب السياسية منذ عام 1977 أحزاباً هيكيلية . عائلية ، كما وصفها المؤرخون تعيش على المحاليل .. وانفصمت عن الحياة السياسية والقواعد الجماهيرية ، واستمر ميلادها إما بتصديق وإقرار مسبق وقبول من السلطة الحاكمة ، وإما بحكم القضاء ، ولم تضع الأحزاب لنفسها برامج متنافسة .. كما لم تحظ بتأييد شعبى ، وظل حالها معبراً عن صفتها هذه فى التمثيل والإنتخابات البرلمانية ، لم تزد على ثلاثة أو أربعة أحزاب سياسية .. واستأثر الحزب الحاكم بكل المقاعد تقريباً .. واستمر ذلك الحال طويلاً حتى آخر انتخابات برلمانية فى 2010 والتى أدت إلى قيام الثورة مع أسباب أخرى متكاملة .. ولم يكن عدد الأحزاب وقتئذ يزيد على 19 حزبا، وخمسة أحزاب متنازعة وتم تجميد نشاطها عن مباشرة الحياة السياسية!! وفى مقارنة سريعة بين هذه الحالة الحزبية، وحالها قبل عام 1952 فى تاريخ طويل قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها .. حيث يعود تاريخ الحياة الحزبية إلى عام 1879 ، بقيام الحزب الوطنى الأهلى ، منذ الامام ( محمد عبده ) ورفاعة الطهطاوى بقيام الحزب الوطنى القديم عام 1893 وأحمد عرابي، ثم عام 1907 الذى تأسست خلاله سبعة أحزاب مرة واحدة ، ثم ميلاد حزب الوفد القديم منذ عام 1918 ورغم أغلبيته الكاسحة وفوزه الدائم فقد تعرض للشقاق، فانفصل عن جماعته الأحرار الدستوريون, عام 1922 .. والهيئة السعدية عام 1938 والكتلة الوفدية عام 1942 ، وحتى فى ظل هذا الشقاق، كانت الأغلبية فى حزب الوفد على قلب رجل واحد، ورصدت تاريخاً حافلاً فى الحياة الحزبية والسياسية فى مصر وأفرزت قيادات حزبية وطنية مرموقة وسط الأحزاب السياسية التى كانت تحظى بأيديولوجيات متعددة. وفى تاريخ الدساتير المصرية فإن دستور الثورة الصادر عام 2014 بالمادة 140 يعد أول الدساتير التى تحظر على رئيس الجمهورية أن يكون له منصب حزبى طوال مدة الرئاسة، وهو ما يحقق الحياد وعدم الانحياز لحزب على حساب حزب آخر، وحتى تكون معاملة الأحزاب جميعاً معاملة متساوية ومتكافئة الفرص، حيث ينص الدستور فى ذات الوقت بمواده الأولى (ماده 5) على أن النظام السياسى يقوم على أساس التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمى للسلطة ، ومع ذلك حظر على الرئيس أن يشغل منصباً حزبياً طوال فترة رئاسته . وفى مقارنة عابره لدستور 71 والتعديلات الشهيرة التى طرأت على المادة 76 عام 2007 كان المرشح لمنصب رئيس الجمهورية يجب أن يكون حزبياً فى حزب مضى على تأسيسه خمس سنوات .. وأن يكون أحد أعضاء الهيئة العليا للحزب وفقاً لنظامه الأساسى متى مضت على عضويته فى الهيئة العليا سنة متصلة ، وأن الأحزاب التى حصل أعضاؤها فى الانتخابات على مقعد واحد فى أى من المجلسين فى آخر انتخاب له أن يرشح فى انتخابات الرئاسة التى تجرى خلال عشر سنوات من مايو 2007 ، وهو ما يكشف عن انحياز الدستور الساقط للحزب الذى ينتمى إليه الرئيس وينافس باقى الأحزاب الأخرى بانتمائه !! ولو كان ما دعا الرئيس لأى حزب آخر غير حزبه إلى المصالحة أو إنهاء الأزمة بين أعضائه وقياداته . وتمثل دعوة الرئيس لحزب الوفد ، ليجمع بين رئاسته والمعارضين من بين صفوف الحزب وقد بلغ الخلاف حد المعارضة والاتهامات والتسريبات والبلاغات والمحاكم، ومن قبل بلغت الصراعات من الأحزاب جميعاً استخدام العنف واقتحام المقار بالسلاح .. وتدخلت النيابة العامة وأصدرت أوامرها بالحبس والتحفظ فكان ذلك تشويهاً لتاريخ الأحزاب السياسية .. وبعد دعوة الرئيس لحزب الوفد وإنهاء المنازعات والوصول إلى اتفاق يرضى جميع الأطراف وإجراء انتخابات اللجنة العليا للوفد يوم الجمعة الماضية، وما أسفرت عنه تأكيداً لقيمة الحياة الحزبية والتعددية ، وتخيلت ماذا لو كان الرئيس حزبياً لما كانت الدعوة وهو ما يحسب إلى جانب أعمال الرئيس وارادته فى إحياء الحياة الحزبية وتنميتها وتدعيم تعددها إثراء للحياة السياسية والحزبية فى مصر .. وتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات القادمة فى جو وطنى مهما جرى الاختلاف بين الأحزاب السياسية متى كان ذلك الخلاف ، يهدف إلى تحقيق المصلحة العليا للبلاد فى هذه المرحلة الخطيرة التى تمر بها مصر ونحن على أبواب انتخابات مجلس النواب القادم ، ولإبطال كل المزاعم والروايات !! لمزيد من مقالات د . شوقى السيد