جدلية الصدمة والصحوة، التى عانينا منها طويلا ونحن نسعى إلى المستقبل، هى ما حاول أن يقدمه لنا د. محمد حسين ابو العلا في كتابه «مستقبل الحقيقة الإسلامية»، وهو يسعى ليعبر بنا هذا الفضاء البعيد في عالم تلتبس فيه الأشياء عبرعناوين دالة، ساعيا إلى عبور هذا الواقع بكل مافيه من تغييرات وحروب. ويقدم لنا الكاتب هذه الجدلية عبر أسئلة يطرحها في فصوله المتهادية. وقد جسد الكتاب ملامح هذه الظاهرة فى مستويات أربعة.. أولها: تجليات إسلامية فى الوعى الكونى؛ وقد مثلتها الجبهة الاستشراقية المعتدلة التى تميزت بالرؤية العقلانية المدعومة بحدة الوعى وتألقه، من أمثال جان جيتون، مارى شميل، آسين بلاثيوس، أوليفييه كاريه، هوفمان ، بوكاى، جارودى وغيرهم. أما ثانى مستويات الظاهرة فكان عن الرؤى الشرقية للفردوس الفكرى، وقد تصدرتها رموز كثيرة مثل : أركون، محمد إقبال ، الرافعى ، عبد العزيز جاويش، فكار، عبد المتعال الصعيدى وغيرهم ممن مثلوا أنموذجاً حياً للاستنارة الإسلامية. وكان المستوى الثالث معبراً عن تلك المغالطات الغربية فى المعادلة الإسلامية، ويقصد بذلك تلك الجبهة المدفوعة سياسيا، والمغرضة عقائدياً، من أولئك الذين حادوا عن الموضوعية والنزاهة الفكرية تجاه القضية الإسلامية. أما الشريحة الأخيرة فقد انطوت تحت مسمى «سقطات العقل الإسلامى .. أفانين الجهل المقدس»، وهى تلك التى أصلت لإبراز المعضلة الإسلامية حين صهرت العقل فى بوتقة التخلف والرجعية وأجهضت دوره الطموح . ولعل كل هذه التوجهات الأربعة هى التى صنعت وشكلت الظاهرة الدينية المعاصرة، وكان الجانب الإيجابى هو الممثل لجدليات الصحوة والآخر المتضاد هو من تبنى جدليات الصدمة . وهنا لابد من أن نسرع لنؤكد أهم الادوات التى يقدمها المؤلف. إنه يؤكد أن تجليات الظاهرة الإسلامية عبرت إلى آفاق كثيرة حين عبرت الواقع محدثة كوارث وبشائع خطها التاريخ المعاصر.. فهل كان ذلك لتعاظم دور الأثر الأيديولوجى للإسلام، أم كان ردا على صدمة الحداثة؟ وهل تمثل تجليات الظاهرة الإسلامية التفاتة غربية ذات صحوة نحو الإسلام أم أنها «ميكانيزم سياسى» ضد الإسلام ؟ وهل ستظل انعكاساتها ممتدة الأثر في الأمد المستقبلى أم ستخبو جذوتها طبقا لاختلاف العوامل والمؤثرات ؟ وكيف يمكن أن تسهم في استعادة الإخاء الإنسانى وسيادة السلام الاجتماعى بعدما وظفت في حلول الفرقة والشتات والخصومة، بل إشعال فتيل الحروب؟ وعلى هذا النحو، تتهادى الأسئلة كثيرا عبر هذه الجدلية التى تعكس الخطورة الحقيقية لهذا الكتاب المسكون بالروح النقدية الصارمة فى المعالجة. إنه يطرح ما يزيد على نحو سبعمائة وخمسين سؤالاً مركباً، تأكيداً على أن الأسئلة تخالف المنهج السردى التقليدى الذى لا يخلق ديالكتيكية لدى القارئ. وبالكتاب تحليل مستفيض حول إشكالية الظاهرة الدينية، وتحوراتها المرعبة المنطوية على ازدواجية فكرية انطلقت من أن الإسلام دين يناهض العنف ويحرم قتل النفس ثم انتهت إلى أن للعنف والقتل تبريرات دينية بلغت مبلغها حين أصبح القتل باسم الإله. ومن هنا تجلت أبجديات المشروع الجهادى الهادف لأسلمة الغرب بالقوة. وعلى مستوى الغرب فقد أصبح الجهاد هو المفهوم السحرى لتغييب العالم الإسلامى، وهو ما ذكرته روبين رايت فى كتابها «الغضب المقدس». وبصفة عامة فقد تمحورت الظاهرة الدينية- كما يشير المؤلف- بين طرفين؛ هما الذات الإسلامية المعاصرة التى يشوبها العوار العقلى الحائل دون النهضة, وذلك الآخر الغربى الذى وظف العقيدة لتكون سبيلا إلى تفكيك الكتلة العربية الإسلامية.
الكتاب : مستقبل الحقيقة الإسلامية المؤلف د. محمد حسين أبو العلا الناشر: مركز المحروسة 2015