للكلام في مصر مواسم, في أكتوبر يبدأ الحديث عن نصر أكتوبر, أو بطولات المصريين التي أهملنا البحث عن وسيلة أو عمل يؤرخ لها ولهذا النصر العظيم كما حدث ويحدث في مختلف بقاع العالم, يبدأ الحديث عن أهمية مثل هذا العمل . . ولماذا لم يحدث حتي الآن, ثم... يخفت الحديث إلي أن يتلاشي ليجتمع من جديد مع اقتراب اكتوبر التالي. وفي أعياد القيامة وأعياد الميلاد نبدأ الحديث عن الإخوة الأقباط, والنسيج الواحد, ثم يخفت الحديث, أو يتلاشي. الوضع في سيناء ليس مختلفا عن هذا النسق العام في تعاملنا مع الأشياء, حتي لو كانت مصيرية, فمع ذكري25 أبريل ذكري عودة سيناء أو مع أي أزمة في سيناء وهي متعددة في الفترة الأخيرة نبدأ الحديث عن ذلك الجزء الغالي من الوطن, عن سيناء أرض الفيروز, وكيف نعمر سيناء, والعمق الاستراتيجي, وعرب سيناء, وبدو سيناء, ومشكلات سيناء, ثم... يخفت الحديث إلي أن يتلاشي مع الأيام, وفي محاولة لتغيير ما اعتدنا عليه من الحديث في مواسم الكلام أبدأ قبل الموسم ببعض الوقت, راجيا استمرار الحوار إلي مابعد انتهاء موسم الحديث عن سيناء. اهتمامي بسيناء متعدد المستويات, شخصي, وعملي, واهتمام بشأن عام يمكن أن يتحول في مرحلة ما إلي أزمة حقيقية يصعب التعامل معها, وسيناء هي أحد المفاصل التي يمكن من خلالها التأثير سلبا في استقرار هذا الوطن أذا ما أسأنا التعامل معها, وأحسن الآخرون التعامل معها بشكل جيد, فلم يعد خافيا علي أحد أن استقرار هذا الوطن مستهدف من أطراف عدة, ولن ينجح هذا الاستهداف مالم يجد تربة خصبة ومهيأة للنجاح, وإفشال هذا الاستهداف لايتأتي إلا بالتقييم الصحيح والحقيقي للأمور, ومعالجتها بجدية وأسلوب علمي. نظرا لموقع سيناء علي الحدود الشرقية مع إسرائيل وغزة فهي دائما في حالة توتر, ولأن أبناءها يشعرون أنها عانت طويلا من حروب متلاحقة لكنها لم تأخذ كما أعطت من دم أبنائها, فهي في حاجة إلي رعاية خاصة, وعلي الرغم من التحول الإيجابي النسبي في تعامل الدولة مؤخرا مع ملف التنمية في سيناء, إلا أن أهلها يشعرون بغياب اهتمام الدولة بهم رغم مايقال عن مشروعات التنمية في المناسبات الوطنية, و ذلك في غياب مشروعات التعليم والصحة والتموين والزراعة والنقل كمشروعات كبيرة وجادة, ومثل هذه المشروعات تحتاج إلي استثمارات دولة عملاقة وليس استثمارات أفراد أيا ما كان حجمهم. إذن المصريون من أهل سيناء يرون أن التنمية في سيناء مجرد كلام في المناسبات لكنها غير موجودة علي أرض الواقع, ورغم أن الدولة أعلنت عن مشروع التنمية منذ15 عاما إلا أنه لم يحدث شيء حتي الآن, فهم يرون أن مشروعات التنمية وهمية مثل خط السكة الحديد من الإسماعيلية إلي بئر العبد والذي تكلف320 مليون جنيه وهو متوقف منذ إنشائه بعد سرقة قضبانه, كما لايشعرون بفارق أحدثه مشروع ترعة السلام الذي أعلن عنه منذ عام1992 لاستزراع400 ألف فدان وتوطين3 ملايين نسمة فالخدمات مازالت ضعيفة. أيضا يعاني المصريون من سكان سيناء من غياب التغطية الصحية. كما يعانون من ضعف مستوي التعليم, فالمدارس قديمة وقليلة العدد كما أن الرقابة علي العملية التعليمية غائبة تماما, وهو ما أدي إلي زيادة الإقبال علي المدارس الفنية التي تخرجهم بكفاءة معدومة. أدي هذا في المقابل إلي تفشي البطالة لانعدام مشروعات القطاع الخاص واقتصار التوظيف علي الدولة, وهو ماساهم من ناحية أخري في انخرط الشباب في الجماعات المتطرفة, وفي حالة وجود قروض ممنوحة للشباب فهي ضعيفة وصعبة الشروط, حيث تشترط تنازل الشاب عن حقه في العمل بالجهاز الإداري للدولة. يعاني المصريون من سكان سيناء من عدم كفاية كميات الدقيق المخصصة لسيناء وهي كمية ثابتة منذ أكثر من خمس سنوات, وهناك اعتقاد أن الدولة تحل المشكلة في القاهرة علي حساب الاقاليم, أيضا بالنسبة للزراعة وهي النشاط الوحيد الذي يعمل به شباب سيناء الآن, لكنهم يعانون من الأسمدة الفاسدة والمهربة في ظل غياب كامل للإرشاد الزراعي وهو ما أضعف خصوبة الأرض الضعيفة أصلا, ورغم إعلان الدولة أكثر من مرة عن خطة لزراعة سيناء إلا أن الخطة لا وجود لها علي أرض الواقع, فضلا عن غياب تسويق هذه المزروعات لغياب التعاونيات والتوجيه الزراعي, وهناك مخاوف لدي سكان سيناء من أن تنزع الدولة مساكنهم وأراضيهم لتمنحها لمستثمرين أثناء تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع ترعة السلام الذي يمر وسط مساكنهم, كما يشتكون من مشروع حصر ممتلكات الدولة التي قامت به في التسعينات والذي يعتبر مابني بعدها أو زرع هو اغتصابا لممتلكات الدولة لم يراع تخوم القبائل ولاتوسعات قوي البدو الطبيعية. من الناحية الأمنية فهناك سوء نية متبادل بين سكان سيناء وبين الأمن, فالأمن يرفض التدخل في خلافات البدو, في ظل عجز القضاء العرفي في بعض الأحيان, كما يشكو المصريون من أهل سيناء من التعامل الأمني السييء معهم والاسترابة الدائمة فيهم وتفتيشهم بطريقة مهينة من وجهه نظرهم واحتجازهم في الكمائن بالساعات والقبض العشوائي عليهم, وعدم احترام الأمن لشيوخهم ونسائهم وهو ما يتضاد مع تقاليدهم وعاداتهم. كما يشكو العديد من أهل سيناء من النظرة المتدنية لهم في بعض وسائل الإعلام مابين اتهامات بالتخوين أحيانا, والنظر إليهم بعنصرية من ناحية أخري علي اعتبار أنهم بدو, أو النظر إليهم والتعامل معهم بشكل فولكلوري, أو تذكرهم فقط في المناسبات الوطنية. مافات هو بعض النقاط المهمة في توصيف الواقع حتي لو كان توصيفا صادما, وعندما نطرح هذا الواقع فإننا نحاول استحضار الأساليب التي يمكنها التعامل مع هذا الواقع لتغييره, وسوف أضع بعض النقاط التي في ظني أنها واجبة الحضور ونحن نتعامل مع هذا الملف المهم, من أهم هذه النقاط التأكيد الدائم في كل مستويات الحوار الإعلامي والثقافي والسياسي علي ترسيخ مفهوم أن سيناء جزء من الأمن القومي المصري, وأن سيناء هدف دائم في رأس إسرائيل, والتأكيد علي مصرية سيناء, وأنها جزء من مصر ولا يتم الحديث باعتبار أن سكان سيناء, بدو, إنما باعتبارهم المصريون في محافظتي سيناء المصريتين, جزءا من نسيج الوطن و كما يجب التحذير من خطورة قضية تبادل الأراضي, كحل إقليمي, وكشف ألاعيب أي دولة للعب دور في هذا الملف أو اكتساب مساحات علي حساب مصر أو الأراضي المصرية, وهذا موضوع آخر يجب التوقف أمامه أيضا. أيضا ينبغي تصحيح الوضع الخاص بوضع شيوخ القبائل والمجاهدين, وإعادة خلق وضع اجتماعي واقتصادي وقيمي مناسب لهم خاصة وأنهم لعبوا دورا لخدمة الوطن في المراحل الزمنية المختلفة, وذلك عن طريق دعمهم ماديا, وتحسين المعاشات, وتمليكهم الأراضي, وتحسين صورتهم الاجتماعية, كما ينبغي متابعة انتخابات الشياخات ودعم المجاهدين ذوي الحس الوطني, خاصة مع انهيار العزوة بسبب انهيار الدخول, وسيطرة بعض البلطجية علي مقاعد الشيوخ, كما يجب السيطرة علي التلاعب بالأعراف البدوية ولي العنق من أجل المصالح الشخصية للبعض, والتعامل مع الفراغ في سيناء علي اعتبار أنه فراغ يجب ملؤه, ويجب إعادة النظر في الترتيبات الأمنية لمنع تهريب السلاح, وضبط التعامل مع القبائل ذات التوجه العقائدي, وإعادة النظر في توزيع مصادر الدخل فيما يتعلق بأبناء سيناء.