من بين أهم الكتب العالمية التي أثارت في السنوات الأخيرة ضجة نقدية واسعة في أوروبا وأمريكا علي المستويين السياسي والاقتصادي كتاب الفجر الكاذب(FalseDawn) لمؤلفه جون جراي الذي يستهل كتابه بالإشارة إلي أن إنجلترا كان لها السبق في الأخذ بنظام السوق الحرة. وقد ترتب علي تطبيق نظام السوق الحرة في بريطانيا مولد نمو اقتصادي جديد لم يكن معروفا من قبل أن تتغير فيه أسعار جميع السلع وتتغير معها أسعار الأيدي العاملة استنادا إلي قانون وحيد هو قانون العرض والطلب ودون مراعاة للآثار التي يخلفها هذا النظام علي التماسك الاجتماعي. ثم جاءت الولاياتالمتحدةالأمريكية لكي تطور من فكرة السوق الحرة وتتجه للأخذ بما تم تسميته بالرأسمالية الديمقراطية واعتبار ذلك النموذج هو النموذج الأمثل الذي ينبغي تعميمه علي مستوي العالم كله في إطار هدف أمريكي يقوم علي إدماج اقتصاديات العالم المتنوعة في سوق حرة عالمية واحدة تحمل اسم العولمة! ويصف الكاتب هذا الطموح الأمريكي بأنه نوع من اليوتوبيا التي لا يمكن أن تتحقق أبدا, بل إن جون جراي يؤكد أن إتباع هذا المنهج والإصرار علي ترويجه خارج أمريكا بنفس القواعد والأسس الأمريكية قد أدي إلي إحداث تفكك اجتماعي واضطراب اقتصادي وسياسي واسع النطاق في غالبية دول العالم التي كانت تحلم بأن يوتوبيا العولمة لن تكلف البشرية فاتورة باهظة مثل فاتورة يوتوبيا الشيوعية. والحقيقة إنني لا أقصد أن أقدم عرضا لما يحتويه هذا الكتاب المهم من حقائق... ولكن هدفي أن أعرض ما استخلصته من بين سطور الكتاب- بمنظور وطني- يتلاءم ويتواءم مع منهجنا المتوازن الذي قد يقبل بمسميات السوق الحرة والرأسمالية الديمقراطية والعولمة وكل سائر الأفكار والمناهج المتطورة ويصنع في الوقت نفسه خطوطا حمراء عندما يتعلق الأمر بالبعد الاجتماعي. وعلينا أن ندرك أن الأزمة المالية العالمية التي تفجرت عام2008 ومازلنا ندفع جزءا من فاتورتها الباهظة لم تكن انهيارا اقتصاديا في أمريكا بقدر ما كانت أزمة عجز وقصور وفشل لنموذج العولمة التي لا تستهدف فقط مجرد السيطرة الاقتصادية علي العالم وإنما هدفها الأساسي تضييق هامش التنوع الاجتماعي والثقافي بين الأمم والشعوب... وهذا هو الخطر الأكبر! خير الكلام: تفتر عزيمة المرء إذا حصد من العلم جهلا! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله