فاز أوباما بشكل ساحق فى الانتخابات الأمريكية ليصبح الرئيس 44 لأمريكا. مر أوباما بتحديات عدة وانتصر، وتنتظره تحديات أكبر لتختبر معدنه كرئيس وزعيم. ومنذ انتخابه، علما أنه لن يدخل البيت الأبيض لينصب رئيسا، إلا بعد ظهر العشرين من يناير 2009، ازدادت التقلصات الحادة للاقتصاد الأمريكى فى بعض الصناعات القائدة كصناعتى المال والسيارات. الأمر الذى يؤثر بالقطع على القدرة الأمريكية على القيادة العولمية، فنلاحظ ارتفاع فى مؤشرات البطالة والإفلاس. فضلا عن أن برنامج أوباما الانتخابى يعمل على تنمية الطبقة الوسطى الرأسمالية لقيادة الدولة والمجتمع على عكس قيم جورج بوش، والذى انحاز إلى منهج العولمة فى الاقتصاد، فساهم فى هجرة عنصرى المال والعمل إلى خارج الولاياتالمتحدةالأمريكية، لأنه أضحى من الأرخص على سبيل المثال نقل صناديق بريد التوفير الأمريكية، ونقل خدمات الاستعلام فى بعض المؤسسات الخدمية إلى دول أخرى. بعبارة أخرى، فإن أوباما يتبنى نموذجا للتنمية مختلفاً بشكل حاد فى نقاط كثيرة ومهمة مع نموذج بوش. الأمر الذى يطرح السؤال حول إلى أى مدى سينجح أوباما فى بناء عولمة جديدة تأخذ الطبقة الوسطى الأمريكية كقائد عولمى؟ علما أنه مع انقباض القوة الأمريكية اقتصاديا تتعاظم التحديات الأمنية العالمية الأمريكية سواء بالنسبة للعلاقة مع روسيا أو إيران أو باكستان أو دول الشرق الأوسط أو حتى بعض الحلفاء الأوروبيين. والتحديات هذه المرة غير تقليدية، هذا لأن أوباما يدعو إلى تزعم أمريكا عالماً جديداً تبنى فيه الموارد المشتركة عالميا، الأمر الذى قد يدفع الكثير من الدول الأوروبية إلى التوجس، هذا لأن تنمية الموارد المشتركة عالميا، ربما تتعارض مع أولويات لبعض القوى الاجتماعية المهيمنة فى الدول الأوربية والآسيوية. إن تنمية القوة الأمريكية فى ظل مشروع أوباما يتطلب بالتأكيد قواعد جديدة من العمل الداخلى أو الدولى، لا تناصرها قوى اقتصادية واجتماعية مهمة فى أمريكا أو العالم، بل يبادلونها عداء بعداء. فالصراع داخل أمريكا، بالنسبة للأزمة المالية العالمية أو غيرها من أزمات، هو بين نموذجين للعولمة: الأول، نموذج بوش الذى يقول بالقيادة العالمية للطبقة العليا الأمريكية وحلفائها الأوروبيين والآسيويين فى عالم تجارى ومالى مفتوح وفية الكثير من المناطق الحرة، مع أخذ عنصر الدولة فى الاعتبار كمنظم اقتصادى وحام من الفشل التجارى أو الاستثمارى للسوق، والثانى، نموذج أوباما الذى يقول بقيادة الطبقة الوسطى الأمريكية وحلفائها الأوروبيين والآسيويين فى عالم من التنسيق الهيكلى لشبكات التفاعل الاجتماعى والثقافى والاقتصادى والسياسى على المستويات المحلية والدنيا ودينامية التطوع الاجتماعى والسياسى، هذا مع اعتبار الدولة حامية للطبقات والفئات الضعيفة. لابد من الفهم العميق بأن الصراع بين النموذجين قد انطلق مع انتصار أوباما انتخابيا. فالنموذج المفضل للحركة الدولية لأوباما ليس هو النموذج التراتبى للقوة الدولية سواء فى نطاق الدول أو الشركات العالمية كبوش، إن أوباما يسعى لبناء عالم، ليس كما يتصور أو يتمنى البعض فى العالم العربى، متعدد الأقطاب، ولكن عالماً متعدد الشبكات العولمية. فبوش سعى إلى بناء أمريكا باعتبارها القوة الأوحد فى العالم فى سياق التنسيق مع القوى الرأسمالية العالمية عبر الدول والمجتمعات، بينما أوباما يسعى إلى بناء أمريكا باعتبارها النموذج الأعلى فى تفجير التفاعل الشبكى بين الأفراد والجماعات عبر الدول والمجتمعات. الصراع العالمى الآن يدور بين مفهوم أمريكا كالقوة الأوحد فى العالم، وبين مفهوم أمريكا كالنموذج الأعلى للتفاعل الإنسانى. النموذجان هما نموذجان للقوة الدولية. ماذا تفعل مصر فى هذا الصراع العولمى والدامى؟