الفريق أحمد خليفة يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته فى معرض دبى الدولى للطيران    جامعة بنها ضمن أفضل 10 جامعات على مستوى مصر بتصنيف كيواس للتنمية المستدامة    ارتفاع أسعار الذهب في آسيا مع تصاعد المخاوف من الإنفاق المالي والتقلبات في الأسواق العالمية    خلال جولته الترويجية بفرنسا.. رئيس اقتصادية قناة السويس يشارك في مؤتمر طموح أفريقيا    المشاط تبحث توسيع نطاق برنامج مبادلة الديون من أجل التنمية مع نظيرتها الألمانية    الحكومة: تسليم 265 كيلو ذهب بقيمة 1.65 مليار جنيه للبنك المركزي.. رسالة جديدة لدعم الاقتصاد الوطني    19 نوفمبر 2025.. أسعار الأسماك بسوق العبور للجملة اليوم    التضخم في بريطانيا يتراجع لأول مرة منذ 7 أشهر    منال عوض تترأس الاجتماع ال23 لمجلس إدارة صندوق حماية البيئة    تداول 97 ألف طن و854 شاحنة بضائع بموانئ البحر الأحمر    زيلينسكي في تركيا.. محادثات تغيب عنها روسيا بهدف إنهاء حرب أوكرانيا    زيلينسكي: روسيا أطلقت أكثر من 470 مسيرة و48 صاروخًا على أوكرانيا    الفريق أحمد خليفة يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته فى فعاليات معرض دبى الدولى للطيران 2025    حريق هائل يلتهم أكثر من 170 مبنى جنوب غرب اليابان وإجلاء 180 شخصا    رئيس القابضة لمصر للطيران في زيارة تفقدية لطائرة Boeing 777X    صلاح ينافس على جائزتين في جلوب سوكر 2025    حبس عاطل عثر بحوزته على ربع كيلو هيروين في العمرانية    أخبار الطقس في الكويت.. أجواء معتدلة خلال النهار ورياح نشطة    صيانة عاجلة لقضبان السكة الحديد بشبرا الخيمة بعد تداول فيديوهات تُظهر تلفًا    الحبس 15 يوما لربة منزل على ذمة التحقيق فى قتلها زوجها بالإسكندرية    المايسترو هاني فرحات أول الداعمين لإحتفالية مصر مفتاح الحياة    6 مطالب برلمانية لحماية الآثار المصرية ومنع محاولات سرقتها    معرض «رمسيس وذهب الفراعنة».. فخر المصريين في طوكيو    مهرجان مراكش السينمائى يكشف عن أعضاء لجنة تحكيم الدورة ال 22    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال تطوير مستشفى طلخا المركزي وإنشاء فرع جديد لعيادة التأمين الصحي    أفضل مشروبات طبيعية لرفع المناعة للأسرة، وصفات بسيطة تعزز الصحة طوال العام    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    بعد غد.. انطلاق تصويت المصريين بالخارج في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    إطلاق أول برنامج دولي معتمد لتأهيل مسؤولي التسويق العقاري في مصر    وزير الري يؤكد استعداد مصر للتعاون مع فرنسا في تحلية المياه لأغراض الزراعة    الإسكندرية تترقب باقي نوة المكنسة بدءا من 22 نوفمبر.. والشبورة تغلق الطريق الصحراوي    مصرع 3 شباب فى حادث تصادم بالشرقية    بولندا تستأنف عملياتها في مطارين شرق البلاد    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    جيمس يشارك لأول مرة هذا الموسم ويقود ليكرز للفوز أمام جاز    اليوم.. أنظار إفريقيا تتجه إلى الرباط لمتابعة حفل جوائز "كاف 2025"    هنا الزاهد توجه رسالة دعم لصديقها الفنان تامر حسني    «اليعسوب» يعرض لأول مرة في الشرق الأوسط ضمن مهرجان القاهرة السينمائي.. اليوم    موعد مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدوري أبطال أفريقيا.. والقنوات الناقلة    تنمية متكاملة للشباب    الصحة: «ماربورج» ينتقل عبر خفافيش الفاكهة.. ومصر خالية تماما من الفيروس    صحة البحر الأحمر تنظم قافلة طبية مجانية شاملة بقرية النصر بسفاجا لمدة يومين    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    بحضور ماسك ورونالدو، ترامب يقيم عشاء رسميا لولي العهد السعودي (فيديو)    زيورخ السويسري يكشف حقيقة المفاوضات مع محمد السيد    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    فضيحة الفساد في كييف تُسقط محادثات ويتكوف ويرماك في تركيا    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكم على مبارك يفتح ملف ما لم يحاكم عليه

أكدت محكمة جنايات القاهرة الحكم بمعاقبة الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك ونجليه علاء وجمال بالسجن 3 سنوات، وتغريمهم 125 مليونا و779 ألفا و267 جنيها وألزمهم برد مبلغ 21 مليونا و197 ألف جنيه ومصادرة جميع المحررات المزورة المضبوطة وإلزام المحكوم عليهم بالمصاريف الجنائية وذلك فى إعادة محاكمتهم لاتهامهم بالاستيلاء على 125 مليون جنيه من ميزانية رئاسة الجمهورية المخصصة للقصور الرئاسية والتزوير فى محررات رسمية. ونظرا لقضاء المتهمين أكثر من عامين من مدة العقوبة خلال فترة الحبس الاحتياطي، فإنهم سيقضون نحو 10 شهور فقط في السجن طبقا لهذا الحكم.
وقد جاء ذلك الحكم على خلفية اتهام مبارك بالاستيلاء وتسهيل الاستيلاء على ما يقدر بنحو 126 مليون جنيه من الموازنة العامة المخصصة لمراكز الاتصالات بالرئاسة، حيث أصدر تعليماته المباشرة لمرءوسيه بتنفيذ أعمال إنشائية وتشطيبات لعقارات تخص نجليه وذلك خصماً من رصيد الميزانية، وبالطبع نفذ المرءوسون تلك التعليمات لأنها صادرة عن أعلى سلطة تنفيذية في البلاد. وزور مبارك ونجلاه في محررات رسمية عبارة عن فواتير ومستخلصات أعمال ومررها بعض من موظفى الرئاسة وشركة المقاولون العرب ومقاولوها من الباطن. وربما تكون تلك الجريمة التي حوكم مبارك وتم الحكم عليه بسببها هي أبسط ما جرى من جرائم في عصره.
فالجرائم الكبرى تمثلت في إهدار ما بنته الحكومات والأجيال السابقة من خلال برنامج الخصخصة الفاسد كليا والذي لم يكتف بنقل ملكية الشركات العامة إلى القطاع الخاص المحلي والأجنبي في صفقات فساد وإهدار للمال العام بصورة مروعة، بل تم إهدار صناعات استراتيجية كليا كما حدث بالنسبة لصناعة المراجل البخارية. كما أن ذلك البرنامج الفاسد ألقى بأكثر من نصف مليون عامل إلى صفوف العاطلين تحت مسمى المعاش المبكر مسببا أزمة اجتماعية معقدة.
كما تغول الفساد في كل شىء تقريبا مما خلق ثقافة عامة قائمة على التسامح مع الفساد أو المشاركة فيه، وهو أمر من أسوأ ما حدث لمصر في تاريخها، ويحتاج لجهد تعليمي وثقافي هائل لمعالجته، إضافة إلى المعالجة القانونية بالطبع. كما أن إحدى الجرائم الكبرى لذلك العصر هي تكريس ثقافة التوريث للوظائف العامة من أدنى الوظائف وصولا إلى منصب الرئاسة نفسه الذي أثارت محاولات توريثه ثورة الشعب ضد الديكتاتور المخلوع وأزاحته من الحكم. وهذا التوريث للوظائف العامة أدى إلى انحطاط مستوى الكفاءة في مؤسسات الدولة، فضلا عن الظلم الاجتماعي الفادح المتمثل في حرمان المواطنين من غير أبناء العاملين لدى الدولة من الحصول على حقهم العادل في الحصول على فرص عمل في مؤسسات الدولة. ورغم أن الدستور ينص على إتاحة الوظائف العامة طبقا لمعيار الجدارة والكفاءة، فإن التجاوزات التي تنتهك هذه القاعدة الدستورية كانت ملمحا لعصر مبارك وما زالت مستمرة حتى الآن. وحسنا فعلت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بإرساء مبدأ الانتصار للكفاءة في التوظيف دون النظر للترهات المسماة بالجدارة الاجتماعية. وتلك «الجدارة الاجتماعية» حرمت الأعلى تأهيلا وكفاءة من أبناء العمال والفلاحين من الحصول على حقهم الطبيعي في الوظائف العامة التي يستحقونها طبقا لمؤهلاتهم بالذات في النيابة العامة، وهو موضوع يستحق تناولا منفردا في مقال قادم لأنه ما زال مستمرا حتى الآن بصورة تشكل اعتداء صارخا على حقوقهم المبنية على المواطنة.

كما أن إحدى الجرائم الهائلة لعصر مبارك تتمثل فى عمليات منح أراضى التنمية الزراعية والصناعية بأسعار هزلية لبعض الأقارب والمحاسيب وقيادات الحزب الوطنى المنحل، والسماح لهم بكل أشكال »التسقيع« والاتجار، وبكل أشكال مخالفة الأغراض التى خصصت الأرض من أجلها للتربح الفاسد على حساب مصر وشعبها. وكان مبارك نفسه يرأس جمعية صحراء الأهرام فى وقت من الأوقات. وخصصت الأراضى لها بغرض التنمية الزراعية، لكنه تم تحويلها واستخدامها فى مجال التنمية العقارية دون أن تحصل الدولة على أى فوارق سعرية. أما عمليات منح الأراضى على الطريق الصحراوى الذى يربط بين القاهرة والإسكندرية، وأراضى العوينات وتوشكى وشمال غرب خليج السويس وأراضى الحزام الأخضر حول مدينة 6 أكتوبر وأراضى المدن الجديدة، فإنه قصة فساد عملاقة. وفى تلك المناطق وغيرها تم منح غالبية الأراضى للمقربين من «رجال أعمال» نظام مبارك وقيادات أجهزة الدولة بلا معايير وبأوامر مباشرة وبأسعار بالغة التدني. ولم يتم إلزام من حصلوا على أراض للتنمية الزراعية باستخدام الأرض فى المجال المخصصة له وفى وقت محدد. ولم تتم معاقبتهم على تغيير الإستخدام بالذات من التنمية الزراعية إلى التنمية العقارية، رغم أنهم كونوا من ذلك التغيير جبالا من الثروات المنهوبة من حقوق الشعب والدولة من هذا التغيير فى إستخدام الأرض بخلاف ما هى مخصصة له. وعلى سبيل المثال فإن سعر متر الأرض على طريق القاهرة-الإسكندرية الصحراوى بعد تحويله للاستخدام العقاري، يبلغ عشرات آلاف أمثال السعر الذى بيع به عندما تم تخصيصه للتنمية الزراعية.
كذلك فإن إهدار الموارد الطبيعية من الغاز والذهب والثروات المعدنية والمحجرية بالبيع للدول أجنبية أو لبعض المقربين من رجال الأعمال بأسعار بالغة التدني، يشكل ملمحا مهما لجرائم الفساد فى عصر مبارك.
ولمن لا يدركون حجم الجرائم التى لم يحاسب عليها مبارك، سنعيد تذكيرهم ببعض من صفقات الخصخصة الفاسدة...

ذروة الفساد.. خصخصة القطاع العام

بالرغم من أن النموذج الاقتصادى فى العهد الناصرى ، قد حقق نجاحات مهمة ومكن مصر من بناء أعظم مشروعاتها على مر العصور وهو السد العالى، ومكنها أيضا من بناء قواعد مهمة للصناعة الثقيلة، ومن تحويل قطاع الصناعة إلى القطاع الأكثر حركية وتأثيرا فى الاقتصاد ، كما مكنها من أن تواجه التحديات الخارجية المتمثلة فى الدولة الصهيونية بالذات خلال الفترة الحرجة بين حربى 1967 ، و1973 ، التى أثبت الاقتصاد المصرى وبالذات قطاعه الصناعى خلالها ، قدرته على تشكيل رافعة مهمة للقوة الشاملة للدولة فى مصر…بالرغم من كل ذلك ، إلا أن الحكومات المصرية المتتابعة منذ بدء الانفتاح الاقتصادى، قد تركت هذا القطاع يغرق فى سوء الأداء وضعف كفاءة قياداته والفساد الذى ينهشه. كما حملته بسياساتها الاجتماعية بدلا من دفع التحويلات الاجتماعية مباشرة إلى مستحقيها، مما عرضه للخسائر. وانتهى الأمر بطرح ذلك القطاع للبيع للقطاع الخاص المصرى والأجنبى ضمن عملية التحول نحو الاقتصاد الرأسمالى الحر فى مصر، بدلا من إصلاح ذلك القطاع، مع فتح المجال أمام القطاع الخاص للعمل فى جميع قطاعات الاقتصاد. لكن عملية البيع تلك لم تكن أكثر من حلقة فى السلسلة العالمية من عمليات بيع القطاع العام فى الدول النامية والدول الاشتراكية السابقة، إلى القطاع الخاص المحلى والأجنبى بضغوط قوية من صندوق النقد والبنك الدوليين ومن الدول الدائنة، تلك العمليات التى انطوت على مستويات مذهلة من الفساد ونهب المال العام بالذات فى بلدان مثل مصر حيث لم يتوافر اى مستوى من الشفافية فى ظل نظام مبارك الديكتاتورى البوليسى.
باختصار خضعت مصر الشعب والنخبة الثقافية عند تطبيق برنامج الخصخصة لابتزاز الحالة العالمية خاصة وأن هذا الابتزاز تم عبر مواقف الدول الدائنة لمصر وعبر صندوق النقد الدولى الذى أصبح أهم أدواره هو إنه يعمل كوكيل للدول الدائنة فى مواجهة الدول المدينة. وقد ساهمت كل هذه الظروف والملابسات فى سيادة منطق أيديولوجى متعسف فى تناول القضية ، مما أدى إلى تجاهل مناقشة مسائل رئيسية فى قضية الخصخصة، وفتح المجال أمام تحول هذه العملية إلى أكبر نهب تتعرض له مصر فى تاريخها الحديث، وإلى أكبر إهدار للمال العام ولكل ما بنته الحكومات والأجيال السابقة على يد حكومات الرئيس مبارك
1- خصخصة شركة النصر للغلايات (المراجل البخارية):
تعتبر تلك الصفقة علامة مميزة على الفساد الذى يمكن أن يكتنف عملية الخصخصة. وتبلغ المساحة المقامة عليها الشركة 31 فدانا أى 130.2 ألف متر مربع ، وتقع الشركة فى منطقة منيل شيحة على النيل مباشرة قبالة حى المعادى على الجهة الأخرى من النيل.
وقد قدمت خمسة عروض لشراء هذه الشركة عند عرضها للبيع ، وكل العروض قدمت من شركات أجنبية تنتمى إلى الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وإيطاليا واليابان.
وكانت الشركة قبل خصخصتها تضم 1100 عامل ، وكانت تنتج أوعية الضغط من طن واحد إلى 12 طنا وبسعات تصل إلى 1300 طن بخار فى الساعة ومراجل توليد الكهرباء وأوعية غازات سائلة ووحدات تنقية مياه الشرب وتحلية مياه البحر وغيرها من المنتجات. وكانت الشركة تحقق أرباحا حتى العام المالى 1991 ، قبل أن تدخل فى توسعات استثمارية حولتها إلى شركة مديونة وخاسرة قبل أن يتم بيعها. وربما كان دفع هذه الشركة الى هاوية الديون والخسارة عملا متعمدا لتبرير بيعها ، لأنه ليس هناك أى منطق فى دخول شركة سيتم بيعها فى استثمارات جديدة توقعها فى أزمة مديونية. لكن «تخسير» الشركات الرابحة والمهمة هو سلوك تلجأ إليه الجهات المسئولة عن خصخصة القطاع العام فى العديد من البلدان النامية لتبرير بيع شركات استراتيجية تقوم بدور حيوى فى الاقتصاد أمام المعارضين لهذا البيع. وللعلم فإن الشركة قبل خصخصتها كانت تتبع الشركة القابضة للصناعات الهندسية التى كان يرأس مجلس إدارتها عبد الوهاب الحباك الذى يعد أحد رموز الفساد فى مصر والذى حوكم بعد ذلك بعد أن أدت خلافات عائلية خاصة بعلاقته بزوجته الى كشف جانب من فساده.
وقد أسندت عملية تقييم ثمن الشركة الى بيت خبرة أمريكى يتبع شركة «بكتل» العقارية العملاقة. وتم تقدير ثمن الشركة من قبل بيت الخبرة المذكور بما يتراوح بين 16 ، 24 مليون دولار. وهو سعر يقل كثيرا عن سعر الأرض المقامة عليها الشركة لو تم تقييمها كأرض بناء حيث يبلغ هذا السعر ما يوازى نحو 100 مليون دولار أو نحو 330 مليون جنيه آنذاك. وهذا يؤكد أن بيت الخبرة الأمريكى «بكتل» وضع تقديره المتدنى لسعر الشركة لصالح المشترين المحتملين وعلى رأسهم الشركة الأمريكية التى تقدمت بعرض لشراء الشركة المصرية.
ورغم احتجاجات عمال الشركة على طرحها للخصخصة، إلا أن عملية الخصخصة مضت قدما. وفى 13/12/1994 قام مجلس إدارة الشركة بالحصول على موافقة الجمعية العامة لشركة الصناعات الهندسية ببيع الأصول الثابتة للشركة بمبلغ 11 مليون دولار، وبيع المخزون بمبلغ 6 ملايين دولار بحيث تصبح القيمة الإجمالية للشركة ومخزونها 17 مليون دولار. وتم البيع إلى شركة أمريكية كندية هى شركة «بابكو اند ويلكوكس» دون التزام الشركة المشترية بسداد الديون والضرائب المستحقة على شركة النصر للغلايات. وبعد خصم هذه المستحقات، أصبح المتبقى من ثمن الشركة نحو 2.5 مليون جنيه مصرى أى أقل من ثلاثة أرباع مليون دولار. وبعد عملية البيع تم اسناد عملية محطة كهرباء الكريمات بقيمة 600 مليون دولار الى الشركة الأمريكية الكندية المشترية لشركة المراجل البخارية المصرية (نتائج برنامج الخصخصة ..إنجاز أم كارثة ، جريدة الأهرام 31/7/2000.).
وللعلم فإنه كان هناك عرض أفضل يقضى بشراء الشركة والالتزام بسداد ديونها والضرائب المستحقة عليها مع دفع عشرة ملايين دولار، أى ما يوازى 33.5 مليون جنيه مصرى، لكن المسئولين عن خصخصة الشركة اختاروا العرض الأسوأ فى تجسيد فج للفساد واهدار المال العام. ولأن الفساد اتخذ أبعاداً درامية فى هذه الصفقة فإن الأمر انتهى بإيقاف إنتاج الغلايات العملاقة التى تعتمد عليها محطات الكهرباء، فقد وجدت الشركة الأمريكية الكندية التى اشترت الشركة أن مصلحتها تقتضى أن تشترى مصر المراجل البخارية من الخارج بدلا من إنتاجها محليا ، أما العمالة فإن صفقة البيع لم تضمن حمايتها إلا لثلاثة أعوام. وبذلك كسبت الشركة المشترية السوق المصرية وأرض الشركة ودمرت واحدة من أهم صناعاتنا الوطنية وألقت بعدد كبير من العاملين إلى هوة البطالة!!
2 عملية خصخصة البنك المصرى الأمريكي:
كان البنك المصرى الأمريكى أحد أفضل البنوك المصرية من حيث الأداء، حيث بلغت أرباحه نحو 337 مليون جنيه بواقع 5 جنيهات للسهم فى عام 2005. وتبلغ مخصصات القروض فيه قيمة رمزية هى جنيه واحد نظرا لأن قروض البنك سليمة وعملاءه ملتزمون بالسداد، وهو وضع ممتاز لا يتوافر لأى بنك آخر تقريبا، حيث تشير بيانات البنك المركزى إلى أن مخصصات القروض فى الجهاز المصرفى المصرى بلغت نحو 50565 مليون جنيه، بما شكل نحو 16.2% من قيمة رصيد القروض فى نوفمبر 2005. أما الودائع الموجودة لدى البنك فبلغت نحو 8 مليارات جنيه. ويمتلك بنك الإسكندرية نحو 30.8% من أسهم البنك المصرى الأمريكي، بينما يملك بنك أمريكان إكسبريس 41%، ويملك صغار ومتوسطو المستثمرين باقى الأسهم. ويوجد عجز فى صندوق العاملين بالبنك يبلغ نحو 324 مليون جنيه.
وعند عرض حصة المال العام فى مثل هذا البنك للبيع، فإنه من المفترض أن يقوم الملاك بإظهار مزايا بضاعتهم وهى هنا البنك المصرى الأمريكي، لكن كل ما صدر عن محافظ البنك المركزى آنذاك، وعن رئيس بنك الإسكندرية، لا يمكن أن يوضع إلا فى إطار التقليل من قيمة وشأن البنك المطروح للبيع. فقد أكدا أن قيمة البنك فى البورصة عندما بدأت عملية تقييمه تمهيدا لبيعه كانت تقل كثيرا عن السعر الذى عرض لشرائه بما يعنى أن هذا الأخير هو سعر بالغ الارتفاع.
وإذا كان الأمر الطبيعى أن يأتى المشترى إلى البائع، فإن رئيس بنك الإسكندرية سافر إلى باريس عدة مرات لإنهاء صفقة البيع بدلا من التفاوض مع مندوب بنك كاليون، وبرر هذا الأمر بأن التفاوض مع كل مجلس إدارة البنك الفرنسى أفضل من التفاوض مع المندوب. وهذا الأمر يضفى بعض الشبهات التى لم تكن لها أى ضرورة، وكان من الأفضل البعد عنها.
وكان سعر سهم البنك فى البورصة فى الستة أشهر الأخيرة من عام 2005 يتراوح بين 56و70 جنيها، وفى 4/1/2006، صدر إعلان مشترك من البنك المركزى وعلى رأسه د. فاروق العقدة، ووزارة الاستثمار وكان على رأسها محمود محيى الدين، وبنك الاسكندرية، يشير إلى أن سعر سهم البنك المصرى الأمريكى لا يزيد على 45 جنيها، وهو إعلان فاسد شكل ضغطا على المستثمرين فى البورصة لتخفيض سعر السهم إلى ذلك المستوى بمساعدة شركات سمسرة متواطئة، حتى يتسنى لوزير الاستثمار بيع البنك بذلك السعر المتدنى للسهم، بدعوى أن هذا هو سعره فى البورصة. وبالفعل تم الإعلان عن بيع البنك المصرى الأمريكى إلى بنك كاليون بسعر 45 جنيها للسهم، مع استحواذ المشترى على أرباح العام الأخير وهى 5 جنيهات للسهم، مما يعنى أن السعر الحقيقى لبيع البنك هو 40 جنيها فقط للسهم. وهذا الفارق بين سعر بيع سهم البنك فى صفقة «كاليون» وبين سعره فى البورصة وقت البيع، يعنى أن صغار المستثمرين الحائزين لنحو 28.2% من أسهم البنك قد خسروا الفارق بين سعر سهم البنك فى البورصة قبل الإعلان عن صفقة البيع (56 جنيها) وبين السعر المعروض لبيع البنك فى صفقة كاليون (45 جنيها). كما يعنى أيضا أن حصة المال العام فى البنك المصرى الأمريكى قد خسرت نحو 320 مليون جنيه بسبب هذا الفارق طبقا لهذه الصفقة. وللعلم فإن القانون 95 لسنة 1992 الخاص بسوق المال نص على وجوب إتمام عملية البيع بمتوسط أسعار الإقفال خلال الأسبوع السابق على الإخطار أو السعر الوارد فى العرض أيهما أعلى.
ورغم أن التوافق مع هذا النص أصبح أمرا سهلا ومعتادا فى البورصة المصرية حيث يجرى بمختلف الآليات تخفيض سعر سهم الشركة المطلوب بيعها حتى يبدو سعر البيع إنجازا للقائمين على البيع، لكن حتى هذا التوافق مع نص القانون لم يحدث فى صفقة بيع البنك المصرى الأمريكي.
أما الصدمة الكبيرة فى تلك الصفقة فقد تمثلت فى أن وزيرين فى الحكومة آنذاك هما أحمد المغربى وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة، ومحمد منصور وزير النقل هما من قام بشراء البنك بالاشتراك مع كريدى أجريكول فرنسا «كاليون». وجدير بالملاحظة أن أحمد المغربى كان عضوا بمجلس إدارة بنكHSBC البريطاني، وهو أحد البنوك التى تقدمت بعرض لشراء البنك المصرى الأمريكى بسعر منخفض بلغ 31 جنيها للسهم، وهو أمر يبرر الظن بإمكانية حدوث تواطؤ واتفاق بين البنك المذكور وبنك كاليون الذى اشترك معه المغربى فى صفقة شراء البنك المصرى الأمريكي، من أجل تخفيض الأسعار المعروضة لشراء البنك المذكور. كما أن محمد منصور كان عضوا بمجلس إدارة »كاليون« وأعلن أنه قدم استقالته فى 28 ديسمبر 2005 بعد أن أصبح وزيرا، لكنه كان قد حسم صفقة البيع التى تم توقيع عقدها رسميا بعد ذلك فى 5/1/2006، وتمت عملية نقل الملكية فى 7/2/2006. كما أن تلك الاستقالة سواء كانت حقيقية أم شكلية، فإنها لم تنه ارتباطه المصلحى مع البنك الذى يملك حصة كبيرة فيه. وهو أمر يظهر سوء عاقبة دخول رأس المال إلى الحكم وسيطرته على مواقع مهمة فيه.
وإذا كانت هناك العديد من عناصر التقييم مثل مضاعفة الربحية وقيمة الأصول بسعر السوق طبقا لما هى مستخدمة فيه إذا كان ممنوعا على المشترى منعا باتا أن يحولها لأى استخدام آخر، أو قيمتها بسعر السوق طبقا لأى استخدام آخر إذا كان المشترى حرا فى تحويلها، فإن سعر البنك المصرى الأمريكى كان من الممكن أن يرتفع إلى 4.8 مليار جنيه بزيادة 1.9 مليار جنيه عن السعر المعروض لشرائه، وبزيادة أكثر من 600 مليون جنيه فى حصة المال العام من بيعه، لو تم استخدام مضاعف الربحية 15 مرة كمحدد للسعر المبدئى للبنك.
3 خصخصة الشركة المصرية لخدمات المحمول
تعتبر صفقة بيع الشركة المصرية لخدمات التليفون المحمول واحدة من أكثر صفقات الخصخصة فسادا. وكانت الشركة تحقق أرباحا كبيرة، فضلا عن أن اعتبارات الأمن القومى كانت تفرض بقاءها فى حوزة الدولة. لكن الأسوأ هو أن الشركة بيعت بنحو 1,7 مليار جنيه بكل بنيتها الأساسية والاشتراكات فيها. وذكرت لى السفيرة ميرفت التلاوى التى كانت تشغل منصب وزيرة الشئون الاجتماعية آنذاك أنها طلبت شراء الشركة من أموال التامينات لصالح أرباب المعاشات بقيمة 2 مليار جنيه، أى أعلى ب 300 مليون جنيه عن السعر الذى بيعت به، لكن طلبها قوبل بالرفض. وبعد عام ونصف العام كان سعر سهم الشركة الذى بيع بعشرة جنيهات قد وصل إلى نحو 180 جنيها وهو ما يقترب من قيمته الحقيقية، بدلا من القيمة الهزلية التى بيع بها والتى تطرح تساؤلات مشروعة حول وجود فساد كبير فى تلك الصفقة. كما أن سنوات الاحتكار الكامل لتلك الشركة لخدمات المحمول قد تضمنت أسعارا خيالية للخطوط ولسعر الدقيقة فى المكالمات، بدون وجود أى رقابة على حساب الفواتير مما مكن المشترى لتلك الشركة من تحقيق جبال من الثروات. وبعد عدة أعوام كان معدل التضخم (معدل ارتفاع أسعار المستهلكين) منخفضا بيعت رخصة الشبكة الثالثة بدون بنية أساسية أو مشتركين بقيمة 16 مليار جنيه، وهو ما يشير للقيمة الحقيقية للشركة المناظرة ولحجم إهدار المال العام فى عملية بيعها.
وهناك الكثير مما يحتاج لمجلدات عن الفساد فى الخصخصة وغيرها من الجرائم التى لم يحاكم عليها مبارك ونظامه حتى الآن. وصحيح أن البناء للمستقبل هو الأهم، لكن محاسبة الفاسدين واستعادة حقوق مصر منهم هى رسالة قوية وضرورية مفادها أن أى جريمة لن تمر بدون محاسبة، وأن البناء الجديد ينبغى أن ينهض على قيم النزاهة والشفافية.
لمزيد من مقالات أحمد السيد النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.