السيدة وفاء بوقعيقيص سفيرة ليبيا فى واشنطن تقوم بمهمة فوق العادة فى العاصمة الأمريكية تخوض معركة دبلوماسية على أصعدة عدة لتوصيل رسالة الشرعية فى بلادها إلى دوائر صناعة القرار فى الحكومة والكونجرس ودوائر الأبحاث. وعُرف عنها نشاطها الدبلوماسى الملحوظ وقدرتها على الاشتباك فى نقاشات ممتدة مع كبار الباحثين فى مراكز التفكير. تفخر بوقعيقيص بثورة فبراير فى ليبيا وترفض الاتهامات الموجهة إلى الشعب الليبى بعد خروجه ضد معمر القدافى وتقول إنها كانت فى بنى غازى ورأت بطولات أبناء وطنها ضد القوات التابعة للنظام السابق وكيف تحملت بنى غازى ساعات عصيبة حتى تدخلت قوات خارجية لمنع القدافى من ارتكاب مجازر ضد المدنيين وترفض وصف ما حدث فى بلادها «بالثورة الفاشلة» وتقول إن الشعب أطاح بالنظام وبعد ذلك حدث ما حدث من سوء إدارة وتهميش للمجتمع المدني. اليوم، تقف بوقعيقيص، التى فقدت ابنة عمها المناضلة الكبيرة سلوى بوقعيقيص فى عملية اغتيال فى وضح النهار قبل الانتخابات البرلمانية، مدافعة عن حق الليبيين فى وطن بلا إرهاب وضد التقسيم وضد التهاون الغربى مع المصالح العليا لبلادها. وقد التقت"الأهرام" السفيرة الليبية فى واشنطن بمنزلها، بعد خمسةاشهر من توليها مهام منصبها ،حيث سبق لها العمل وكيلة لوزارة الخارجية الليبية، لتروى ما يجرى من مشاورات مع الإدارة الأمريكية وما تطالب به الحكومة الشرعية فى طبرق من القوى الغربية وإمكانية البناء على القمة الأمريكية- الخليجية المرتقبة فى كامب ديفيد. فإلى نص الحوار: سعادة السفيرة، لديكم مطالب عديدة لدى الإدارة الأمريكية فى الأونة الأخيرة.. ما أبرز تلك المطالب وتفاصيلها؟ نعمل فى إطار شراكة مع الولاياتالمتحدة والقوى الدولية ولا نتصرف بمفردنا نظرا لتمدد الإرهاب فى بلادنا، ومطالب الحكومة الشرعية اليوم تتمثل فى مراقبة الحدود البحرية، وليس حصارا، والهجرة غير الشرعية ومتابعة حركة تهريب النفط والأموال إلى خارج ليبيا. نريد أن تشارك جميع الدول وشركاء ليبيا لأن الخطر يمتد إلى كل دول جنوب المتوسط ودول الساحل والصحراء. ومن الصعب جدا على الحكومة الشرعية أن تراقب كل تلك الحدود الشاسعة ولكن المراقبة مسألة مهمة. كما طالبنا الدول الصديقة برصد والتشديد فى حركة الأفراد الذين يمثلون خطرا على ليبيا وهناك دول لا تقوم بالدور المطلوب نتيجة عدم وجود اجراءات صارمة لديها. وفى الوقت الذى ننتظر تشكيل حكومة توافق وطنى نريد أن تتعاون الدول المعنية فى مراقبة الحدود البحرية ولا نستطيع الانتظار لأن الإرهاب لا يتمهل ولا ينتظر! لماذا لا تقوم الدول الغربية، ومنها إيطاليا التى اجتمعت مؤخرا فى واشنطن برئيس وزرائها بمراقبة فورية للحدود البحرية، خاصة أنها الأطراف نفسها التى شاركت فى ضربات حلف الأطلنطى ضد النظام السابق؟ هناك بالفعل حوارات وتنسيق ولكن دعنى اقول إن هناك بعض الإجراءات التى ربما لا تتوافق مع المصالح الليبية. نحن لا نريد أن تصبح صورة ليبيا أنها دولة مصدر للإرهاب والخطر لاننا دولة تملك موارد كبيرة وبوابة لإفريقيا ودول الجوار، والحكومة الليبية ترى ضرورة التنسيق معها فى الإجراءات المطلوبة مثل الضربات الجوية التى يتدارسها البعض لأن الأمر يمكن أن يكون معقدا بالنسبة لنا. وتشكيل حكومة وحدة هو الخيار الأفضل لنا والدول الغربية وأولها الولاياتالمتحدة قالوا إنهم لن يدعمونا بدون حكومة توافق وطنى وهو ما قالوه مؤخرا لوفد مجلس النواب الليبى فى زيارته الأخيرة. ما التصور المطروح على واشنطن بشأن حكومة التوافق؟ لو شُكلت حكومة التوافق من الأطراف المعتدلة فى المجتمع الليبى حينها سيتحرك المجتمع الدولى لدعم ليبيا فى كل المجالات ولكننا قلنا للقوى الدولية إن تشكيل الحكومة التوافقية لا يجب أن يعتمد على مسار سياسى أو اقتصادى ولكن يجب أن يكون هناك حوار بين العسكريين على الأرض لأنهم من يمتلكون القوة الفعلية والمسار العسكرى مسألة بالغة الأهمية ولو لم يتفق العسكريون ستصبح الحكومة الجديدة "رهينة" وندخل دائرة جديدة من العنف والترهيب. ونحن نؤيد بشدة تشكيل الحكومة وقدمنا مستندات لمفاوضات "السخيرات" فى المغرب تتضمن مقترحاتنا ولدينا فريق يفاوض وهناك تقدم كبير. "المسار الأمني" و"المسار الاقتصادي" فى المفاوضات مسألة نؤكد عليها حتى نجيب عن الأسئلة الحرجة التى تصادفنا اليوم مثل من هى المؤسسة التى سيدعمونها؟ وما هى الخطة الأمنية وتفاصيلها؟ ويجرى اليوم التفاوض مع العسكريين على الأرض. وقد صرح المبعوث برنارد ليون مؤخرا بأن الحل سيتضمن المسار العسكري. هل هناك قلق فى واشنطن والدول الغربية من إمكانية حدوث "إفلاس"للحكومة الليبية؟ ليبيا دولة ريعية تعتمد على النفط ولكننا نواجه تحديات والمنطقى أن توقف التصدير، مع وجود احتياطيات لا تملكها أى دولة أخري )أكثر من 90 مليار برميل(، يمكن تداركه فى فترة وجيزة وتعويض العوائد، ولكن يجب تدارك الأمر، فالإفلاس لا يمكن أن يحدث فى عام أو عامين حتى لو توقف النفط تماما، وهناك احتياطيات نقدية كبيرة ولا يجب، رغم ذلك، المساس بتلك الاحتياطيات ولكن فى أسوا الأحوال يمكن تعويض الأمر فى فترة قصيرة فى حال استئناف الإنتاج .. وربما هناك اشكالية فى إدارة الأموال وقد قدم السيد على الحفظى محافظ البنك المركزى الليبى المعين من مجلس النواب إلى واشنطن بخطة جيدة ولقيت استحسانا كبيرا. هل تطالبون بالإفراج عن أموال من الأرصدة الليبية لدعم الحكومة الشرعية فى طبرق؟ لم نطلب الإفراج عن أرصدة ليبية لأن المجمد هو احتياطى الدولة الليبية وهناك توجه للابتعاد عن هدا الأمر وهو موقف وطنى يحسب للحكومة وللبنك المركزى الليبى ولو فشل الحوار بين الأطراف الليبية سوف يكون الوضع حرجا جداً. كيف ترين مستوى التنسيق مع مصر فى ظل تلك الظروف؟ بدون شك مصر تمثل عمقا استراتيجيا لليبيا وطالما كانت مصر سندا وعونا للشعب الليبي. ومصر تدعم الليبيين مند اندلاع الثورة واستقبلت اعدادا كبيرة منهم. ونحن نعول على الوزن الإستراتيجى الضخم لمصر على المسرح الإقليمى والدولى وهى تريد أن ترى ليبيا دولة مستقرة وعبر الرئيس عبد الفتاح السيسى عن المساندة القوية للشعب الليبى مرات عديدة. وقد حزن الليبيون كثيرا على المصريين الذين ذبحوا قبل شهور.ونعلم أن الشعب المصرى يدرك أن من ارتكبوا تلك الجريمة الشنيعة ليسوا من نسيج المجتمع الليبي. الرئيس الأمريكى باراك أوباما تحدث مؤخرا أنه سيطالب دول الخليج فى القمة المقبلة فى كامب ديفيد بدعم الحل فى ليبيا والتوقف عن دعم أطراف بعينها.كيف ترين موقع ليبيا فى القمة الأمريكية-الخليجية؟ نحن بالفعل نجرى مشاورات مع سفارات الدول الخليجية قبل القمة المرتقبة وأعتقد أن الرئيس أوباما يرى أهمية فى مناقشة الوضع الليبى ودعم الحل السياسى والحلول التوافقية وقد وجه كلمات واضحة أن هناك"دولا فى الخليج أشعلت فتيل الحرب، وعليها أن تساعد فى إطفائها"، دون أن يحدد ماهية تلك الدول التى قصدها. وتلك الروح من المجتمع الدولى هو ما نريده ونسعى إليه. وقد طالبنا الدولة الأمريكية بدعم الخيار الديمقراطى مثلما كان طموحنا فى ثورة فبراير ضد النظام السابق وحصلنا على تأكيدات بعدم اعتراف واشنطن ب "بقايا" ما سمى بالمؤتمر الوطنى فى طرابلس وأنهم لا يستقبلون أعضاء المؤتمر والذى شكل حكومة "ذاتية" غير معترف بها. وعنما استفسرنا عن استقبال أعضاء من المؤتمر فى واشنطن قال لنا المسئولون الأمريكيون أنهم يأتون بشكل شخصى ويتمكنون من مقابلة بعض المسئولين، فى المقابل، الحكومة الأمريكية تؤكد مرارا وتكرارا أنهم لا يعترفون بالمؤتمر فى طرابلس. ويقول الأمريكيون إنهم عندما يلتقون ببعض الأفراد فهى مقابلات للضغط عليهم من أجل توصيل رسائل أن ما تفعلونه خطأ ،حيث لا يمكن الضغط على جهة دون التواصل معها والمقابلة لا تعطيه الشرعية القانونية وجميع المقابلات تتم على مستوى منخفض المستوي. هذا مؤتمر منحل لم يعد فيه سوى عدد قليل من الأعضاء ونحن نريد حلا سياسيا يجمع "المعتدلين" فى الدولة الليبية ولن نتفاوض مع الجهات غير المعتدلة. العمل على المسار العسكرى والأمنى مع المعتدلين يجب أن يبدأ فوراً. رئيس الحكومة الإيطالية قال إن "الحل فى ليبيا فى يد القبائل"، هل تتفقون مع هذا الطرح وأين دور القبائل فى مسار الحل..؟ مسار الحوار الوطنى فى المغرب شكلت له لجان ولا تلعب الحكومة الحالية دورا مباشرا فيه وهو يجرى بمعزل عنها، وهناك لجان من الشرق والغرب وممثلون عن مجلس النواب والاجتماعات مستمرة مع كل الفئات. القبيلة تلعب دورا كبيرا فى الماضى وتوجد تحركات فى هذا المسار ضمن التحرك الأفقى فى المجتمع الليبى لتحقيق التوافق. ويوفر التحرك الأفقى فرصة لاقناع الرأى العام بنتائج الحوار وتخفيف الضغوط على مجلس النواب الشرعى الذى يمثل الشعب الليبى والقبائل جزءا من التحرك الأفقي. هل أعضاء مجلس النواب لديهم قدرة على الوصول إلى ناخبيهم فى الداخل الليبى لفهم اتجاهات الرأى العام؟ الكل فى المجلس متمسكون بالخيار الديمقراطى للشعب الليبى وتوجد غالبية قادرة على الوصول إلى ناخبيه والبعض لا يستطيع وتوفر مواقع التواصل الاجتماعى فرصا هائلة للنواب للتشاور مع الرأى العام اليوم. وهؤلاء النواب يتعرضون لتهديدات دائمة باستهداف أسرهم وبيوتهم ولكنهم مستمرون فى مهامهم بشجاعة.