في عام 95 كانت المرة الأولي التي ألتقي فيها قداسة البابا شنودة, ضمن وفد مكث معه نحو ساعتين بالمقر البابوي. وقال يومها كلاما في السياسة والأدب والشعر والفن, لكن عندما تحدث في الأمور الخاصة بالأخوة المسيحيين. كان جادا وحازما, ويومها اشتكي من أزمة أرض كنيسة المقطم وحوادث الإرهاب التي استهدفت الأخوة المسيحيين في الصعيد. لم يخف البابا شنودة في هذا اليوم مشاعره ومخاوفه مما كان يحدث في ذلك الوقت. ولكنه دوما وضع مصلحة الوطن فوق الجميع, ولا أنسي قولته الشهيرة لن يذهب أحد من شعبي لزيارة إسرائيل طالما تحتل الأراضي العربية, وقد نصح المسئولين بفتح قنوات فضائية عربية وانجليزية لمخاطبة العالم ونقل الصورة الحقيقية لما يحدث بعيدا عن تزييف الواقع من جانب الإعلام الغربي. البابا الراحل, مواقفه واضحة, لا لبس فيها, ووطنيته لا تحتاج للمزايدات عليها, فالرجل قاد الكنيسة القبطية أربعة عقود كاملة, كان فيها محبوبا من المسلمين قبل المسيحيين, ولم أنس في عام 2008 وهي آخر مرة أقابل فيها البابا شنودة, مصافحته لي بعد أن قدمني إليه الصديق هاني عزيز, ووقتها قال: الأهرام صحيفتي المفضلة. وفاة البابا أحزنت أبناء هذا الوطن, لحكمته وإخلاصه وحفاظه علي وحدة المصريين, وكان دائما يرفض من يهاجمون مصر من خارجها, ويقول من يرد أن ينتقد فليأت إلي هنا. هذا المصاب الجلل, أظهر بالفعل مدي عمق العلاقة والروابط بين عنصري الأمة. فهذا الموقف أثبت للعالم وحدة هذا الشعب وتكاتفه في الشدائد, ولقداسة البابا الكثير من المواقف الوطنية ومنها رده علي محاولات التدخل الأمريكي ومطالباتها بفرض حماية علي المسيحيين في مصر بقوله: لو أمريكا هي التي ستحمي الأقباط فليموت الأقباط وتبقي مصر.. وكان يرفض من يقولون لفظ الأقليات, ويعتبر ذلك أمرا يستهدف طلب التدخل الأجنبي والذي وقف ضده طوال قيادته للكنيسة المصرية. رحيل البابا شنودة في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد من حالة عدم الاستقرار, يتطلب من خليفته في المنصب البابوي, أن يكمل المسيرة بالتلاحم بين المصريين. ويضع مصلحة الوطن فوق الجميع مثلما كان يفعل البابا شنودة, وألا يسمح بالتدخلات وفرض النفوذ. وأحسب أن رجال الكنيسة من المحبين والمخلصين سيحافظون علي وحدة مصر في ظل الشكاوي الخاصة بالمسيحيين بأنهم يخافون علي مستقبل الوطن. سوف تنقل قيادة الكنيسة في هدوء بعيدا عن الأحاديث المنتشرة بوجود صراع علي من يخلف البابا, وفي تقديري أن من سيأتي ستواجهه الكثير من المطبات في ظل الأجواء السياسية الساخنة. فمن البابا ال118 هل الأنبا موسي أم بيشوي أو يوأنس أم أرميا أم بسنتي ؟! خالص العزاء لأصدقائي المسيحيين ولكل المصريين. المزيد من أعمدة أحمد موسي