تعويض شهداء الثورة ليس منحة مالية من الحكومة المصرية لكل من قتل أو أصيب في أحداث ثورة 25 يناير, إنما هو حق من الحقوق المسلم بها ليس محل جدل أو خلاف من أحد. فلن يقبل الشعب المصري ومصابو الثورة وأهالي الشهداء أن يتقرر التعويض بقرار من رئيس الوزراء و لا من المجلس العسكري الحاكم للبلاد حتي ولو كان تعويضا ماليا كبيرا, فحق لهم أن يكون مقررا بقوة القانون وليس بقوة السلطة الحاكمة, فالقانون فوق الحاكم والمحكوم. من أجل ذلك وجب علي أن أشير إلي أن القواعد العامة للمسئولية في القانون المدني تنبئ عن أن تعويض أسر الشهداء والمصابين إن لم يكن أمرا عسيرا فهو مستحيلا. كونه أمرا عسيرا, لأن القاعدة القانونية تنص علي أن الخطأ الذي ينتج عنه ضرر للغير يلزم المسئول بالتعويض, والخطأ هنا واجب الاثبات, بمعني أن المصابين و أهالي الشهداء هم المكلفون قانونا بإثبات خطأ الضابط أو الجندي الذي أطلق النار أو اعتدي عليهم بالضرب وإلا فشلوا في دعواهم, وعليهم بعد ذلك أن يثبتوا ما أصابهم من ضرر, فورثة الشهيد عليهم عبء اثبات أنه كان ينفق عليهم حال حياته ودخله وما انفقوه علي علاجه قبل وفاته, وعلي المصابين أن يثبتوا الضرر المادي المتمثل فيما تحقق لهم من خسارة وما فاتهم من كسب, تلك هي القواعد العامة في المسئولية القانونية عن العمل غير المشروع. أما كونه أمرا مستحيلا, لأن القاعدة القانونية تقضي بأنه إذا شكل الفعل غير المشروع جريمة جنائية قدمت للمحاكمة الجنائية, أوقفت المحكمة المدنية الفصل في دعوي التعويض عن ذلك الفعل غير المشروع حتي يفصل في دعوي الجنائية بحكم نهائي وبات, فإذا قضت المحكمة الجنائية بالبراءة تقيدت المحكمة المدنية بهذا الحكم, ومن ثم لا تستطيع أن تحكم بالتعويض, مما يعني أن دعاوي التعويض قبل الضباط ووزارة الداخلية سوف يوقف الفصل فيها لحين صدور حكم جنائي وبات بإدانتهم, فإذا قضت محكمة الجنايات ببراءتهم, تقيدت المحكمة المدنية بذلك الحكم وعليها أن تقضي برفض دعوي التعويض. من أجل ذلك فإنني أطالب مجلس الشعب المنتخب بصفته أول مجلس تشريعي بعد الثورة, ذات الأغلبية من التيار الديني, أن يسرع في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بسن تشريع ينظم أحكام التعويض لأسر الشهداء وأهالي المصابين طبقا لأحكام الدية الشرعية في الشريعة الإسلامية, تحقيقا للعدالة في هذا الوطن قبل العدل. فإذا كان العدل هو المساواة الجامدة بين الناس دون اعتبار للظروف, فإن العدالة تقتضي تحقيق المساواة الواقعية لكل من استشهد أو أصيب في ظل ظروف الثورة التي مرت بها مصر, ولا يعيب هذا القانون الاخلال بقاعدة عمومية القانون وتجريده مادام لا يخاطب الأشخاص بذواتهم, وإنما يطبق عليهم بصفتهم شهداء ومصابين في فترة زمنية معينة توافرت لها صفة الثورة الشعبية, ويتعين علي هذا التشريع أن يتضمن أربعة مبادئ رئيسية: المبدأ الأول- أن يكون أساس المسئولية هو الضرر وليس الخطأ, فلا يكلف المصاب أو أهل الشهيد إلا بإثبات أن الاصابة حدثت في زمن الثورة وناتجة عما وقع فيها من أحداث, دون أن يكلف بإثبات خطأ ما. المبدأ الثاني- يحدد القانون مبلغا من المال كتعويض جزافي يقدر سلفا لشهداء الثورة وهو ما يتمثل في الدية الشرعية عن النفس وفق أحكام الشريعة الإسلامية, ويرفق بالقانون جدول للديات لمصابي الثورة يسمي في الشريعة الاسلامية الأرش المقدر يصدره وزير العدل يحدد مقدار التعويض عن كل إصابة, وتدفع هذه الدية الشرعية للمضرورين من غير تمييز بين شخص وآخر وتقسم بين الورثة وفقا لأنصبتهم الشرعية, فإن لم تبلغ الإصابة مبلغ ما تدفع عنه الدية أو الأرش, فإن التعويض يكون وفق ما تقدره المحكمة وهو ما يسمي في الشريعة الإسلامية بحكومة عدل, وذلك كله دون إخلال بالتعويض عن العناصر الأخري للضرر وفقا لأحكام القانون المدني. المبدأ الثالث- أن هذه الدعوي لاتسقط بالتقادم ما دامت ناشئة عن إصابة أو فقدان للحياة حدث في زمن الثورة وبسببها. المبدأ الرابع- تضمن الدولة أداء التعويض المقضي به, فإذا وفت الدولة بالتعويض حلت محل المضرور في حقه قبل المسئول قانونا.