محاكمة قتلة المتظاهرين فى ثورة 25 يناير.. قضية الساعة التى لم تعد تخص أسر الشهداء وحدهم.. بل أصبحت قضية رأى عام يتابعها الشارع المصرى باهتمام بالغ، مطالبا بالإسراع فى إجراءات محاكمة المتهمين بقتل المتظاهرين وعلى رأسهم الرئيس السابق حسنى مبارك، وعدد من قيادات وزارة الداخلية وضباط الشرطة المتورطين فى هذه الجريمة. ولكن التسريبات الأخيرة التى وردت على لسان بعض محامىّ أسر شهداء الثورة كشفت عن المحاولات التى يبذلها ضباط الشرطة المتهمين بقتل الثوار للتفاوض مع أهالى الشهداء من أجل تنازلهم عن القضية مقابل دفع «الدية» الأمر الذى أسفر عن قبول بعض أسر الشهداء لهذا الغرض، وبالتالى تغيير أقوالهم وأقوال الشهود أمام النيابة والمحكمة بعد تصالحهم مع المتهمين واستلام الدية.. هذه التطورات أثارت قلقا واسعا، وطرحت سؤالا مهما حول إمكانية إفلات هؤلاء الضباط من توقيع العقوبة القانونية عليهم سواء كانت السجن أو الإعدام بعد التصالح ودفع الدية.. وهو ما طرحته «أكتوبر» على عدد من المستشارين ورجال القانون وعلماء الدين والسياسة للوقوف على حقيقة التوصيف القانونى لهذه القضية المثيرة للجدل. يؤكد المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادى قضاة مصر السابق أن الدية لا تعفى قتلة المتظاهرين أو حتى المتورطين من العقوبة, موضحا أن تصالح وحصول أهالى الضحية على تعويض من القتلة هو تنازل عن الحقوق المدنية، أما حق الدولة فلن يسقط بعد دفع التعويض وتستمر المحاكمات منعقدة إلى أن تقر العقوبة على المتهم دون النظر إلى تصالح الطرفين استنادا إلى قول الله تعالى «ولكم فى القصاص حياة يأولى الألباب». وأشار عبدالعزيز إلى أن التعويض فى الأساس يتبع العقوبة والقاضى يحكم بالقانون الذى ينص على تنفيذ العقوبة إلى جانب دفع التعويض المقرر، أما إذا ما اتفق الطرفان وتصالحا فإن القاضى يحكم بالعقوبة فقط تاركا الغرامة أو التعويض لحصول أهالى الشهداء على حقهم مدنيا بعيدا عن القضاء. مشددا على أن سبب تأخر محاكمة المتورطين فى قتل المتظاهرين للإصرار على إجراء المحاكمات فى القاعات العادية والتى لا تتسع لكل المحامين والمدعين بالحق المدنى، الأمر الذى يفرض على القاضى الذى ينظر تلك القضايا أن يؤجل المحاكمات حتى يتمكن كل المدعين من الحضور. كما يفاجأ القضاة بتغيب المدعين بالحق المدنى عن حضور الجلسات، مما يدفعهم إلى تأجيل المحاكمات، وهو الأمر الذى يتطلب ضرورة نقل هذه المحاكمات إلى قاعات كبيرة مثل مركز المؤتمرات حتى يتمكن كل من المحامين والمدعين من حضور الجلسات. واتفق معه المستشار أحمد مكي، نائب رئيس محكمة النقض وعضو مجلس القضاء الأعلى السابق، مضيفا أن التصالح مع قتلة المتظاهرين أو تعويض أهاليهم بالمال لا يسقط العقوبة مدللا على ذلك بقضية هشام طلعت مصطفى والذى دفع دية القتل بعد تورطه فى مقتل سوزان تميم ورغم دفع الدية إلا أن المحاكمة كانت سارية ولم تتأثر بالتصالح والتعويض وعوقب بالسجن. وعن دور القضاء فى هذا الأمر قال مكى إن القضاء صمام أمان مصر وأداتها لفرض العدل، مشددا على أن محاكمات قتلة المتظاهرين ليست أداة للانتقام، ولابد أن يحوطها العدل، وأنه لن يفلت أحد من الجناة من سيف العدالة مادام كان مخطئا وأشار « ظلم القضاء لأى من رموز النظام السابق أو ضباط وزارة الداخلية مرفوض، ويمهد لظلم بقية المصريين، ويجعل القضاء غير مستقل فى المستقبل». وعن رأيه فى مبدأ الدية قال المستشار محمود الخضيرى نائب رئيس محكمة النقض السابق بأن الدية لن تعفى القتلة من العقاب، مطالبا أن ينال كل مجرم عقابه، بداية من الرئيس السابق حسنى مبارك وحتى أصغر ضابط قام بعملية اعتداء على المواطنين، حتى يكون عبرة لغيره، وحتى نستطيع العيش فى أمان وطمأنينة فى البلاد . وأشار إلى أن العفو عن ضباط الشرطة المتهمين بقتل الثوار أمر لا يمكن أن يكون بتصرف فردى أو دعوات من اتجاهات سياسية، قائلا: «من يرد أن يعفو عن هؤلاء فعليه أن يسأل أهالى الشهداء أولا لأنهم من ضحوا بأولادهم وهم وحدهم الذين دفعوا ثمن حرية مصر، فإذا عفوا فأبحث بعد ذلك عن سكان العشوائيات الذين جاعوا بسبب سرقة هؤلاء اللصوص لأموالهم». وبرؤية دينية قالت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر إنها ترفض فى البداية الفتاوى التى صدرت الأيام الماضية من رئيس جامعة الأزهر وبعض مشايخ السلفية عن قبول الدية مقابل التنازل عن الدعوى كما تنص الشريعة الإسلامية، موضحة أن الدية تكون بين عائلتين للبحث عن السلامة العامة وعدم الاقتتال، لكن قتل الشباب فى ميادين وشوارع مصر قضية وطن، وليست قضية عائلة أو أسرة. مضيفة «هذه الدية مرفوضة، ولا وجود لها فى الإسلام، وقبولها يعنى أننا قتلنا القضية وقتلنا الثورة، وبهذه الفتوى سنفتح الباب لأصحاب المليارات، لكى يدفعوا الدية، وتموت المحاكمات». وقال الشيخ على أبو الحسن، رئيس لجنة الفتوى الأسبق، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن القتل الجماعى لا تقبل فيه الدية، وهو ما حدث فى ثورة 25 يناير، إذ كان القتل موجها للأمة بأسرها، وعلى أهالى الشهداء أن يرفضوا هذه الدية. متابعا «سقط أكثر من 800 قتيل خلال الانتفاضة الشعبية التى أسقطت نظام الرئيس السابق حسنى مبارك، ووجهت أصابع الاتهام إلى قيادات أمنية وضباط وأفراد شرطة بالمسئولية عن قتل هذا العدد الكبير من الضحايا نتيجة الاستخدام المفرط للعنف فى مواجهة المتظاهرين السلميين، ووجهت اتهامات إلى الرئيس المخلوع ووزير داخليته حبيب العادلى بالتحريض على قتل المتظاهرين وبالتالى فإن القتل الجماعى لا يمكن أن يسقط بالدية. وقال الشيخ محمود عاشور، وكيل مشيخة الأزهر السابق إن قتل المتظاهرين خلال ثورة يناير، كان «قتلا عمدا، ويتم بصفة العمومية، أى إعطاء أوامر مباشرة بضرب المتظاهرين، وبالتالى فهو ليس بالقتل الخطأ». مشددا على أنه لا يجب إقناع أهالى الشهداء «بقبول الدية، رغم أنها نص شرعي». لافتا إلى أن القصاص أيضا أمر شرعي، عملا بقول الله تعالى «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا، وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ، وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً». كما أن «قاتل شهداء الثورة مصيره جهنم، وبئس المصير».. ومن جانبه قال الدكتور وحيد عبد المجيد، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية إن الوضع القائم فى مصر حاليا لا يقبل بمبدأ الدية لإسقاط تهمة القتل، كما أن المجتمع سوف يرفض التصالح مع قتلة الثوار, موضحا أن حالة القتل الجماعى للمتظاهرين تختلف عن قضايا القتل العادية التى تحدث بين عائلتين. من جانبه قال خلف بيومي، مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان ومحامى أهالى الشهداء، ان القصاص هو الحل الوحيد لأخذ حقوق الشهداء ولن يتنازل أهالى الشهداء عن هذا المبدأ مقابل الدية, مؤكدا أن بعض الأهالى تعرضوا لإغراءات مالية بدأت بمبالغ 300 ألف جنيه حتى وصل الأمر إلى مليون و200 ألف جنيه، بغرض التنازل.