مثلما تقدم القهوة أحيانا بمذاق البندق، أو الفانيليا أو الكراميل، ويقبل الشباب على هذا الخليط العجيب مدفوعا بحب التجربة والتجديد، يقدم مسرح الطليعة مسرحية كلاسيكية هى أنتيجون لسوفوكليس ولكن برؤية تجريبية مدهشة بمذاق الأوبرا. أقول إنها رؤية مدهشة لأسباب كثيرة.. أولها حداثة سن ثلاثة من أبطال العرض الأربعة، هند عبدالحليم التى أدت شخصية أنتيجون الفتاة الشجاعة المثالية التى تقبل أن تدفع حياتها ثمنا للوفاء لأخيها وإصرارها على دفن جثمانه متحدية رغبة الملك، ورحاب خليل التى لعبت دور «أسمينا» أخت أنتيجون التى لا تمتلك نفس شجاعة أختها، ومحمد ناصر الذى لعب دور «هيمون» ابن الملك المحب لأنتيجون، والثلاثة طلبة فى السنة الأولى بمعهد الفنون المسرحية وعمر كل منهم فقط ثمانية عشر عاما!!. وبرغم هذا وقفوا على خشبة المسرح ليؤدوا الغناء بطريقة الأوبرا دون وجود موسيقى مصاحبة، بالإضافة الى الحوار الطويل باللغة العربية مع تلاحق الأحداث التراجيدية المكثفة التى تتطلب تغيير الانفعال بسرعة ومهارة قد لا يقدر عليها إلا عدد قليل من نجوم المسرح المحترفين، وقد نجحوا بالفعل فى إثبات وجودهم وتقديم مواهبهم بصورة لائقة، وشاركهم فى بطولة العرض الدكتور علاء قوقة فى دور الملك «كريون» الظالم، الذى يأمر بعدم دفن جثمان بولينيسيوس وتركه فى العراء عقابا له على الخيانة من وجهة نظره، ثم يعاقب أنتيجون خطيبة ابنه لأنها تحمل مشاعر إنسانية راقية وتقرر ضرورة دفن أخيها ومخالفة أمر الملك.. وعلاء قوقة الأستاذ بمعهد الفنون المسرحية يشارك طلبته فى عرض جماعى ربما ليقدم لهم الدرس الأول فى فن التمثيل، وهو أن البطل دائما هو الموضوع والفكرة، وعلى جميع المشاركين فى أى عرض أن يطوعوا قدراتهم وطاقاتهم لخدمة العمل الفنى وليس لخدمة أنفسهم داخل العمل الفني، لهذا يخضع الجميع، أساتذة وطلابا، لرؤية المخرج الشاب تامر كرم، الذى قدم وجهة نظره فى أسطورة أنتيجون مازجا بين الحوار والغناء والاستعراض، مستفيدا بالديكور الرائع الذى صممه محمود صبرى فكان أهم أبطال العرض وليس فقط مجرد أداة مساعدة، فبداية يرسم الديكور من خلف الستائر الشفافة وجوها حزينة معلقة فى الهواء تختلط بوجوه حقيقية لممثلين يقفون خلف الستائر فيوحى المشهد بالجو الأسطورى ووجود الأشباح، ثم يرسم محمود صبرى فى مشهد الفينال «قبر» أنتيجون الذى يتحول بمهارة وبساطة الى سلم حياة وخلود للعاشقين، وقبر للملك الظالم كريون وكذلك استفاد المخرج من التأليف الموسيقى لوليد غازى والملابس الموحية التى شارك عدد كبير من الفنانين فى تصميمها وتنفيذها، وبالتأكيد الدعم والتشجيع من البيت الفنى ورئيسه الفنان فتوح أحمد، وبالطبع مسرح الطليعة ورئيسه الفنان محمد دسوقي، فضلا عن الدعم العلمى والتشجيع المتواصل من أساتذة معهد الفنون المسرحية وتبنيهم لكل عروض الطلبة والخريجين والحرص على استمرار شعور الانتماء للأكاديمية باعتبارها البيت الكبير لمعظم الفنانين. ولعلى بعد مشاهدة هذا العرض الجميل أمتلك الحماس لدعوة الفنانة الكبيرة الدكتورة إيناس عبدالدايم لحضور هذه المسرحية، لعلها اذا أعجبها العرض تقدم لهم فرصة أكبر مثلما عودتنا على تبنى الموهوبين من الشباب.