هل يمكن للإشتراكيين أن يتحالفوا مع جماعة الإخوان؟ الرد يبدو بديهيا، فلا يوجد ما هو مشترك بين الإثنين، بل العكس، فجماعة الإخوان تعبر عن أشد أجنحة الرأسمالية تخلفا، وهى معادية على طول الخط لحقوق العمال وفقراء الفلاحين، وأيدت الجماعة قوانين نظام مبارك المعادية للعمال والفلاحين، والمتعلقة بقانون العمل والتنظيم النقابى والعلاقة بين الملاك والمستأجرين للأراضى الزراعية وغيرها. أما فى القضية الوطنية فجماعة الإخوان تابعة لأتباع أمريكا، وهى أداة فى أيدى قطر وتركيا، ولا تجد أى حرج فى العلاقة المباشرة مع إسرائيل، وهى دائما فى خندق حلفاء الأمريكان، من سوريا إلى العراق إلى اليمن. أما التراث الفكرى لجماعة الإخوان فهو يجمع نفايات الفكر السلفي، الأكثر رجعية وتخلفا، بينما الإشتراكية تلصق نفسها دائما بصفتى العلمية والتقدمية. إذا من أين جاء بعض الإشتراكيين بفكرة التحالف مع جماعة الإخوان، العدو الطبقى الوطنى والفكري؟؟ هناك بعض الحركات الدينية التى ربطت نفسها بالتحرر وحقوق الفقراء، مثل »لاهوت التحرير« فى أمريكا اللاتينية، الذى برز دوره فى الدفاع عن حقوق الفقراء بدول أمريكا اللاتينية، وبلغ أوج نشاطه الثورى فى السبعينات، حتى التصق بالحركات التحررية اليسارية. لكن هل هناك أى وجه شبه بين جماعة الإخوان ولاهوت التحرير؟ بالطبع لا، فجماعة الإخوان دوما تقف إلى جانب مصاصى دماء الفقراء، ومعظم نشاط قيادتها فى الاستثمار التجارى والزراعي، بل وقفت دوما ضد كل حركات التحرر فى المنطقة والعالم، وعدائها لجمال عبد الناصر كان معلنا وواضحا، بينما كانت تقف دوما إلى جانب الأنظمة الملكية الأشد عداء لشعوبها، والمتحالفة مع القوى الإستعمارية، وعندما تقيم جماعة الإخوان مشروعا خيريا فى منطقة فقيرة، فهى لا تستهدف سوى حشد الفقراء خلفها، لتكسب أصواتهم فى الإنتخابات، أو لتضم عناصر يسهل قيادتها من الفئات الأقل وعيا والأكثر »سمعا وطاعة« ويقتصر دورهم على جر عربة الإخوان الأثرياء. لكن بعض الإشتراكيين الذين يعانون من العزلة عن الجماهير، وفشلوا فى كسب ثقة العمال وفقراء الفلاحين، ووجدوا أن العمل بينهم شاق ويحتاج إلى جهد كبير، خاصة فى ظل تدنى وعى وتنظيم هذه الفئات التى تراهن الإشتراكية على ثوريتها. وعندما احتاج الإخوان إلى غطاء شرعي، ودعوا إلى »تحالف وطني« فى يونيو 2005، اندفع هؤلاء الأشتراكيون إلى دفء المؤتمرات الجماهيرية الحاشدة التى تنظمها الجماعة، وبرروا سلوكهم هذا بأنهم سيسعون إلى كسب جماهير جماعة الإخوان، وسحب البساط من تحت أقدامها، وهو مجرد وهم عبثي، لأن جماهير الإخوان تربت على السمع والطاعة لقيادتها مهما أخطأت، ولا تسأل عن مدى صحة ما يقوله مرشدهم أو القيادات المباشرة، لأنهم فى نظرهم لا ينطقون عن الهوى. هؤلاء »الإشتراكيون المعزولون« وجدوا ضالتهم فى جماعة الإخوان الثرية بالمال والجماهير، والقريبة من أضواء الفضائيات المحلية والعربية والأجنبية. ذهبت مرة لأشارك فى وقفة إحتجاج أمام دار القضاء العالي، فطلب منى صديق من قيادات حركة »كفاية« أن أسير معه إلى شارع التوفيقية المقابل لدار القضاء العالي، لندخل مكتبا، وجدت فيه شابا ملتحيا، ودار حوار غاية فى الغرابة، لقد طلب صديقى من الشاب أن تمده جماعة الإخوان بمائتى متظاهر، لكن الشاب أجرى إتصالات، ثم قال له »مائة فقط« فدار بينهما جدل هاديء، وصل إلى درجة »طيب خليهم 150 ، طيب 120 عشان خاطري، فأدركت أن جماعة الإخوان تقرض متظاهرين للطامحين إلى زعامات وهمية، وهى إحدى وسائل الإخوان فى السيطرة على الحلفاء الضعفاء، لتجعل منهم ديكورا، تتباهى به أمام الجهات الدولية، وتنفى عن نفسها فكرة العزلة وتبدو منفتحة وديمقراطية. وإذا كان غريبا أن نجد إشتراكيين متحالفين مع جماعة الإخوان فهناك ما هو أغرب، فقد ذهب هؤلاء الإشتراكيون إلى التحالف مع »داعش«، وبدأ ذلك باستقبالهم أمثال سلامة كيلة، الشيوعى السورى الذى جندته قطر، وجاء ببعض أقرانه الواهمين بأنهم سيكونون من ضمن القيادة السورية الجديدة، بعض الإطاحة بنظام بشار الأسد، ولعبوا دور الديكور لجماعات إرهابية مثل داعش والنصرة وجيش الإسلام وجند الشام وغيرهم من الجماعات الإرهابية، وروجوا لأن فى سوريا ثورة شعبية، وانتفاضات للجماهير الفقيرة، التى تطالب بالخبز والحرية، بينما كانت تتردد فى الحقيقة أنشودة »صليل الصوارم« لكن هذه المجموعة من الإشتراكيين رفضت إلا أن تسمعها وكأنها أنشودة البروليتاريا، مثلما رأوا أن راية »داعش« السوداء هى الراية الحمراء للشيوعية، وظلوا ينادون بسقوط الجيش السورى والدولة السورية، حتى لو بمطارق داعش والنصرة، الذين أطلقوا عليهم لقب »الثوار السوريون«، ولم تزعجهم الشعارات والأسماء السلفية، وقالوا إنها من تراث المنطقة، وتعبير عن ثقافتها، أما التمويل القطرى والتركى والأمريكى للدواعش فقد برروه بأنه لا يختلف كثيرا عن الدعم الروسى والإيرانى للجيش السوري. وهكذا ذهب هؤلاء إلى حد التحالف مع أكثر الجماعات دموية وعداء للإنسانية، ممن يذبحون ويحرقون ويسبون النساء، والذين حولوا الصراع الطبقى إلى صراع دينى ومذهبي، ليمحو أى أثر لإمكانية إنتصار الطبقات الشعبية، بوهم أن هؤلاء يمكنهم تحقيق الديمقراطية والعدالة!!. لمزيد من مقالات د. مصطفي السعيد