لم يعدّ مناسبًا أن نضيع أوقاتنا ونشتت جهودنا لمجرد أفكار لصحفيين وباحثين تنتقد الدين الإسلامي ، وتهدم ثوابته في نفوس المواطنين ، وتخلق معها مناحًا معاديًا للدين، تستغله جماعات الظلام الفكرى والتطرف الدينى ، وتوظفه جماعة الإخوان الإرهابية فى صراعها السياسي ضد الدولة المصرية ، وتحاول أن تصوره أمام البسطاء والعامة أنها معارك يتم التخطيط لها من الدولة ، لأضعاف مكانة الدين ، وهو ما ينافي ويجافى الحقيقة قولًا واحدًا. فكل ما طرحه الباحث الإسلامي والإعلامي إسلام البحيري من آراء وأفكار صادمة ، تم الرد عليها فى حوار رائع وراقى ، من خلال البرنامج التليفزيوني "ممكن" للإعلامي خيري رمضان، شارك فيه أثنين من كبار علماء الدين هما الدكتور أسامة الأزهري، والداعية الحبيب علي الجفري، و أثبتا أن ما يطرحه الباحث أطروحات فكرية قديمة حسمها وعى الفقهاء والمجددين منذ سنوات ، وأن أعادتها للمشهد العام يضر بالإسلام ، لأنها لا تعتمد على معلومات صحيحة عن الأحاديث النبوية الشريفه والسنة النبوية المطهرة وصحيح البخاري ومسلم. وأعتقد جازما أن المناظرة الفكرية كشفت عن أن الباحث لا يتمتع بقدرة على الاستنباط الفكري الصحيح، وأنه يزيد من احتمالات الشك في النصوص كمدخل لنقدها، وأن التأصيل العلمي لديه للنصوص الدينية ، يقوم على النقد أكثر من الاهتمام بالاتساق المعرفي، والتوثيق والتدقيق ، وهو ماجعله يصل لهذه الحيرة الفكرية فى قضايا دينية طرحها بتوسع وعنف على الرأى العام بدلا عن بحثه لإجابات شافيه من العلماء ورجال الدين . حتى جاءت كل الإنتقادات الفكرية التي سددها الباحث البحيرى للكتب المنقوله عن مذاهب الأئمة الأربعة سبق من قبل لعلماء الأزهر الشريف الرد عليها وتقنيدها ، وزادت ردود الداعية الحبيب الجفرى المشاهدة للمناظرة رصانة وعقلانية وسماحة وهدوء نفسى وإيمانى ، بينما حملت تفسيرات الدكتور أسامة الأزهرى قدرة عالية على الأقناع وأدراكا للنقاط الخلافية المطروحه لسلامة مقاصدة فى حماية الدين. لكن أروع ماقدمه الحبيب الجفرى والأزهرى أن تفسير علوم الدين الأسلامى ليس حكرا على الأزهر بل توجد مدارس معرفية دينية مماثلة فى كافة الدول العربية والأسلامية ، تستخدم أسس علمية فى مجملها متقاربة فى حماية ثوابت الدين ودراسته وتعليمه والإجتهاد به ، مما زاد من احساس ووعي المشاهدين بأن ما فعله الباحث أسلام البحيرى يجانبه الصواب لحد كبير ، لأنه أسس على فرضيات خاطئة منذ البداية، وبالتالى فهو مجرد خلق لمعركة فكرية واهية عن أحاديث الرسول تم حسمها من قبل. لكن المفاجأة الغريبة، هو ما طرحه الكاتب الصحفي شريف الشوباشي، وأيدته فيه الكاتبة الصحفية فريدة الشوباشي، وتمادى البعض من الذين وافقوا على الفكرة، في دعوى ضرورة خلع الحجاب للفتيات ، وتنظيم مليونية بشرية نسائية للإعلان عن خلعه والتخلي عنه بإعتباره أحد المظاهر التي تشير إلى التخلف الديني والفكري، والتي حان الوقت للتخلص منها، يمثل فى الحقيقة فكرة صادمة وغير مستحبه فى الإنسياق وراء ترويجها ، بين قطاعات كبيرة من السيدات اللاتي ينظرن للحجاب بنظرة أخرى مختلفة لاتقوم على أسس دينية . والمثير فى القضية أن نسبة مرتفعه من السيدات ينظرن للحجاب على أنه مجرد غطاء للرأس لصعوبة تحمل تكلفة تزيينه وكشف الرأس فى ظل مايعانيه المجتمع من فقر فى الريف والحضر ،وأنه رمزية لاحترام للفتاة لتقاليد المجتمع عند خروجها من المنزل ودليل للحشمة ، ولايوجد جبرا على أحداهن فى لبسه أو خلعه ، بل هو يرتبط بحرية شخصية لهن، ووهو أمر يختلف جذريا عن المنتقبات واستخدامهن للنقاب. وبالتالي فإن هذه الدعوة جاءت في توقيت غير مناسب وبطريقة لايفضلها المواطنين البسطاء، وتخلق معركة وهمية أخرى يستغلها المتشددين والموتورين ، ضد ما تبذله الدولة المصرية من تعزيز قضايا الاستنارة ، وتجديد الخطاب الديني ، ونبذ العنف والتطرف الفكرى و الدينى ، ولسنا فى حاجة الأن لطرح قضايا شكلية ومظهرية خلافية تؤدي إلى المزيد من التعقيد والانشقاقات داخل المجتمع المصرى ، وكفانا البحث عن الخلافات.