لفت انتباهى فى الأسبوع الماضى صدور حكمين من القضاء بعزل عميدين لكلية أزهرية والأخرى بجامعة إقليمية، لسرقتهما نتاجا علميا وبحثيا من آخرين، ولعلها أول مرة فى تاريخ التعليم الجامعى أن يعزل عميد متهما بالسرقة وعدم الأمانة فإذا أدركنا أن منصب العميد يختار من بين أفضل أساتذتها ،فما بالك من الآخرين إذا كان الرأس بهذا المستوى غير الأمين، فهل سيكون الآخرون أفضل ؟!، أم أن هذا يكشف أن هناك معايير أخرى لاختيار القيادات ليس منها العلم والتميز والأمانة ؟!،صحيح أن مثل هذه الوقائع ليست مقياسا وهى ليست مفاجئة لى، فقد كنت أعتبر أستاذ الجامعة فى أثناء دراستى النموذج شبه المقدس، والمثالى فى العلم والأخلاق معا،ولكن بعد أن صار تعاملى مباشرا مع شريحة عريضة من أساتذة هذا الزمان، هالنى أن نسبة عالية منهم لا يعرفون شيئا حتى فى تخصصاتهم فالأخطاء الإملائية معتادة فى مجتمعهم والنطق الخطأ يشكك فى أنهم حصلوا على الإبتدائية أودرسوا اللغة العربية، وحتى بعد مراحل الدراسات العليا التى قضوها بحثا وقراءة، تجدهم لايعرفون أساس اللغة على مستوى (كان وإن وأخوتها ) فهم يجلجلون المؤتمرات والمحافل بالأخطاء اللغوية لدرجة تجعلك تحس بالغثيان والقرف، فكيف لباحث تكون اللغة العربية لغة بلده ؟!، وهو نموذج لتلاميذه الذين يتناولون مادته العلمية فى كتبه ومذكراته المكتوبة بالعربية (المكسرة) الفاضحة ،والتى تنم بالتأكيد عن عدم الانتماء لبلده، حتى ولو درس بالخارج، فاللغة هى الوطن . أذكر أن صديقى أستاذ بالجامعة كان يشرف على رسالة دكتوراه لمدرس ثانوى، وعندما حلت المناقشة وجد الرسالة ركيكة لاتضيف شيئا، وليس فيها أى جهد يستحق منح الدرجة العلمية، فأعطاه أكثر من فرصة وتوجيهات لتغيير مسارها، غير أنه فى كل مرة يعود بلا أى تغيير، وأمام إصرار الأستاذ اتجه الطالب للشكوى لكل من يراه، حتى أصبح كل من يقابل الأستاذ يلومه على تأخير المناقشة، لأنها مجرد ورقة (سيأكل بها عيش) بالعمل فى دولة عربية أويترقى بها فى التربية والتعليم مثل غيره، وتطور أمر ( أكل العيش) إلى أن أمرت وكيلة الكلية بإسناد الإشراف إلى أستاذ آخر والمناقشة خلال أسبوعين، لذلك لم أعد انبهر بمن يحصلون على الدكتوراه أو اتعجب من جهل معظمهم أكاديميا، حتى أننى أصحح الأخطاء العلمية أحيانا لبعضهم قبل النشر. وذكر لى أستاذ كبير أن زميله أشرف على رسالة دكتوراه منقولة نصا من إنتاج أستاذ توفى منذ 20 عاما، ومرت الشهور بعدها إلى أن التقى بالباحث فى أداء العمرة مصادفة ، فأعترف له - وهو من بلد شقيق -بأن المشرف هو من أعد له الرسالة ولقنه عرض المادة فى المناقشة، وحصل على كيلو من الذهب الخالص، أما على مستوى الصحافة فإن كثيرا من المغمورين فى المراكز البحثية الفاشلين عملا وعلما ،يتسولون نشر أسمائهم لدى الصحف ليل نهار ،وعلى أى شئ وحتى فى غير تخصصاتهم، حتى تمكنوا من الشهرة الواسعة التى هى مفتاح المناصب فى هيئاتهم، ووصلوا قمتها حتى درجة وزير، وهذه النوعية تستجديك أن تكتب اسمها على أى موضوع، ولأنهم عرفوا اللعبة فالمسئولون بالدولة لايقرأون ولا يبحثون، ويختارون الأشخاص بالسمع والشهرة ، وليس بالإنتاج والقيمة العلمية، ثم تجد وزيرا يساوى(كارثة) ليس فى العلم فقط ولكن حتى على المستوى الشخصى، وكم ضاع تحت الأقدام كبار الخبراء والباحثين ممن أفنوا حياتهم فى أمانة وضمير، أو هربوا خارج بلدهم بلا عودة . وهناك أيضا سماسرة الرسائل العلمية ممن يجلسون على مخازن المكتبات بالجامعات ويجيدون إعدادها وتطويرها لتباع فيما بين 5-20 ألف جنيه، وهو مافتح الباب أيضا للحصول على هذه الشهادات بالمراسلة وأداء الإمتحان على الشبكة الدولية ،فتتملك لقب (الدكتور)خلال شهرين اثنين من بعض تجار أوربا وأمريكا، فهناك جامعات سمسرة ونصب أيضا، فأصبحت الموضة أن يقال لك : (خد لك دكتوراه)، لأنها من تمام الوجاهة فى المجتمع (فالدال) التى تسبق اسمك ، تفتح لك كل الأبواب المغلقة، فالهدايا موجودة، وبعض المشرفين ليس لديهم أى مانع لمنح الجهل لمن يريد اللقب ولا تهم النتيجة ،وننحدر شعبا ودولة تحت رحمة المزيفين والمرتزقة، وإلا لما كان حالنا يتدهور من سئ لأسوأ الآن، وتسجل جامعاتنا خيبة عالمية دون بلاد الدنيا فهى جميعا خارج تصنيف أفضل 500 جامعة فى العالم، بينما سجلت إسرائيل ترتيبات متقدمة بالمائة الأولى فى ست جامعات لديها، لأن العقول المفكرة والمبدعة لدينا مجرد رمال منثورة. فلا أرضا خصبة ..أو أملا نتوقع ! لمزيد من مقالات وجيه الصقار