ستدخل بنا هذه الرواية حرث الأحلام التي كتبها محمد قطب عالم العشوائيات مبشرا فيها بثورة يناير وفاتحا أمامنا باب واقع يعيش بيننا، ورغم ذلك لا يراه البعض منا لبشر يعيشون تحت خط الفقر وعذاباته. بطل الرواية عامل بناء متعطل بعد أن خمدت حركة العمران فباع كل ما يملكه ليسافر للعمل في دولة عربية وهناك يواجه واقعا أشد ضراوة وعسفا مع الكفيل الذي يسمح له بأن يعمل في أي شيء مادام سيدفع له الاتاوة من دخله! ويقرر سيد- رغم ما فيه من عبودية أن يعود إلي وطنه ليفاجأ بانهيار بيته في الزلزال ووفاة أمه تحت الانقاض وتضطره ظروف حياته أن يعمل في أي شيء حتي يلتقي بخادمة تعيش نفس ظروفه في عالم المهمشين ليقع في غرامها ويتزوجها ويعيشان معا في أحد مساكن الإيواء حيث الحمام الواحد للجميع والأبواب التي تفضح ولا تستر وحياة تعيش بعض الحيوانات حياة أفضل منها أما البشر فحلمهم الوحيد هو الخروج من مساكن الإيواء. وتحكي امرأة عجوز من جاراته عن أيامها الأولي وشقتها في الحي الراقي وعن زوجة ابنها التي تمكنت وسيطرت فكانت النتيجة أن جحدها أبناؤها بعد وفاة الزوج فجاءت لتعيش في مساكن الإيواء وحيدة ومريضة. هكذا حال الجميع رغم اختلاف القصص وهكذا هي الحياة التي يلخصها محمد قطب في كلمتين حال معوج مستخدما لغته الراقية المكثفة ربما ليظهر ذلك التناقض الرهيب بين الواقع الأسود وسطوع اللغة وكأنها الأمل أو هكذا يجب أن تكون الحياة. اسمعه وهو يصف مثلا همس الزوج لزوجته في لحظة من الصفاء النادر فيقول إنه همس مجروش! أو خرج صوته مغموسا بماء الفرح أو وراحا يلملمان حبهما ويواريانه خوفا من العين ولسان السوء أو فلمحها تجاهد البهجة حتي لا تسيل حولها.. انه مجتمع عجيب تعشش فيه كل المتناقضات في تآلف مذهل مشحون بالهم والوهم والفرح الشحيح. مجتمع متكافل يعيش أفراده هموم بعضهم كأنما قد وحدهم الألم لكن هذا التوحد لا يدوم إلا لحظات قليلة ينقلب بعدها إلي ساحة للعراك والقتال حول دورات المياه وحنفية الشرب في الحوش ونظافة السلالم. انهم بشر لا يملكون إلا أحلامهم يمضغونها ويقتاتون عليها بعدما روجت لها وزينتها أبواق دعاية الرجل الكبير. هنا تتسلل إليك ولابد سخرية محمد قطب وهو يحكي حلم البطل: غدا سيقوم الرجل الأول ذو القلب الكبير بتوزيع مليون شقة علي الفقراء والمهمشين سكان الإيواء والعشوائيات. أحلام تهتز لها قلوب جيرانه الذين يلتفون حوله ليذهب بهم إلي الرجل الكبير في مشهد سينمائي يبدع المؤلف في وصفه. لكنه مسيرتهم لابد أن تعبر الجسور إلي الرجل الأول فيفاجئهم أن السلطات قد هدمت كل الجسور إليه ولم يعد أمامهم إلا العبور بأجسادهم للوصول إلي حلمهم بعد أن تركوا وراءهم كل شيء لكنهم أخذوا معهم ضجة الحياة وخلفوا سكونا يرعش الأبدان.. انها عاصفة الثورة وقد تجمعت استعدادا للهبوب في رواية سبقت أحداث الثورة باثنتي عشرة سنة!!