أمام قادة الخليج ثلاثة خيارات فى حوار كامب ديفيد الذى دعا له الرئيس الأمريكى باراك أوباما دون أن يحدد موعدا له، باستثناء الإشارة إلى أنه سيعقد فى "الربيع". الخيار الأول : أن يتوجه القادة إلى المنتجع الرئاسى الشهير ليستمعوا إلى تطمينات أوباما بشأن الاتفاق النووى الإيراني، فيقبلون بها أو لا يقبلوا بها. والثانى : أن ينتهزوا فرصة الحوار لنقل موقفهم الرافض بشدة لأى محاولات للتقارب بين واشنطنوطهران فى هذا التوقيت الذى تواجه فيه منطقة الخليج تهديدات أمنية صريحة من طهران. والثالث : أن يمتنعوا عن الذهاب لعدم وجود جدوى من اللقاء أصلا، بهدف تفويت الفرصة على الرئيس الأمريكى لإلقاء محاضرات تقليدية تتضمن محاولات للتدخل فى شئونهم الخاصة. قبل أيام، استبق أوباما حوار كامب ديفيد بعبارات أقل ما توصف به أنها "غير مطمئنة" أو ربما تكون "مرعبة" لأنها تحتوى على تهديدات غير مباشرة بزعزعة أمن المنطقة ما لم تقبل بما هو قادم من البيت الأبيض. أوباما فى تصريحاته للصحفى الشهير توماس فريدمان، توقع أن يكون حوار كامب ديفيد المقترح مع قادة الخليج هذا الربيع حوارا "صعبا"، وهو محق فى ذلك، لأن الهدف الرئيسى من هذا اللقاء هو محاولة إقناع الزعماء الحاضرين بالاتفاق النووى مع إيران كأمر واقع، بكل ما فيه من تداعيات سلبية على الأمن القومى لدولهم. أوباما سيحرص فى هذا اللقاء، الذى لم يتحدد موعده بالضبط، على التسويق للاتفاق الإطارى بين القوى الكبرى وإيران، والذى يفترض أن يكتمل باتفاق نهائى الصيف المقبل، وسيفعل ذلك بقوة وحماس، بكل تأكيد، لأن هذا الاتفاق هو الإنجاز الحقيقى الوحيد الذى حققه كرئيس، بعد إخفاقاته المتكررة، فى القضية الفلسطينية، أو فى مخطط الربيع العربي، أو حتى فى الأزمة الأوكرانية، فضلا عن إخفاقاته الداخلية، وأبرزها مشروع "أوباما كير" وهزيمة حزبه الديمقراطى فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس العام الماضي. أوباما إذن لا يملك فى حقيبته غير اتفاق إيران، ومن أجل ذلك، لم يلتفت للمخاوف الخليجية، بل لم يصغ لتحذيرات إسرائيل وتهديداتها بالعمل على إفشال الاتفاق، وهو الآن فى طريقه لتحقيق ذلك بأى ثمن، حتى وإن خسر كثيرا من الحلفاء، وهو فى سبيل ذلك أيضا ارتضى باتفاق هزيل مليء بالثغرات والقنابل الموقوتة التى سيستغلها الكونجرس ضده فى الفترة المقبلة، بدليل أن الإيرانيين احتفلوا بهذا الاتفاق ويصفونه ب"الانتصار العظيم"، والطريف أن هذه الاحتفالات كانت تجرى فى وقت كان فيه الإعلام الموالى للديمقراطيين الأمريكيين يحتفل هو الآخر بالاتفاق ويصفه بأنه إنجاز كبير لا يقل عن إنجاز عودة العلاقات مع كوبا العام الماضي! وكما كانت خطوة كوبا نكاية فى روسيا، فإن خطوة إيران تأتى نكاية فى رافضى ومقاومى الربيع العربي، ولهذا، جاءت الدعوة إلى حوار كامب ديفيد، ومما يثير التشاؤم إعلان أوباما عن أن كامب ديفيد ستكون فى الربيع، وهو مصطلح يثير كثيرا من التشاؤم لدى دول المنطقة من حيث المبدأ! ومن حيث المبدأ أيضا، تبدو تصريحات أوباما لفريدمان أنه يريد لكامب ديفيد أن تكون بمثابة فرصة لإلقاء المحاضرات الأمريكية التقليدية حول الحريات وحقوق الإنسان وحماية الأقليات، وغير ذلك من هذا الهراء. فقد قال بوضوح إنه سيبلغ قادة الخليج بأن إيران ليست خطرا عليهم، ولكن التحديات السياسية الداخلية فى دولهم هى الأكثر خطورة، وأنه يتعين عليهم أن يكونوا أكثر فاعلية فى معالجة الأزمات الإقليمية، وفى هذه النقطة قال بالحرف الواحد : "أعتقد أنه عند التفكير فيما يحدث فى سوريا على سبيل المثال، فهناك رغبة كبيرة لدخول الولاياتالمتحدة هناك والقيام بشيء، ولكن السؤال هو : لماذا لا نرى عربا يحاربون الانتهاكات الفظيعة التى ترتكب ضد حقوق الإنسان أو يقاتلون ضد ما يفعله الرئيس السورى بشار الأسد"؟ كما تحدث أوباما بشكل غير مباشر عن رغبته فى فتح حوار بين العرب وإيران بعد التوصل إلى الاتفاق النووى "النهائي"، وهذا أمر مفهوم، ولكن الرجل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ أكد أن الاتفاق النووى "فرصة العمر"، وأن أكبر خطر يتهدد قادة الخليج "ليس التعرض لهجوم محتمل من إيران، وإنما حالة السخط داخل بلادهم، بما فى ذلك سخط من سماهم بالشبان الغاضبين والعاطلين والإحساس بعدم وجود مخرج سياسى لمظالمهم"، وفى هذه العبارة إشارة واضحة إلى عواقب من لا يستجيب لفكرة الحوار مع إيران أو لنداءات التغيير القادمة من واشنطن. ويزداد الأمر وضوحا مع قول أوباما : "لذلك، ومع تقديم دعم عسكري، ينبغى على الولاياتالمتحدة أن تتساءل : كيف يمكننا تعزيز الحياة السياسية فى هذه البلاد حتى يشعر الشبان السنة أنهم لديهم شيء آخر يختاروه غير تنظيم داعش". وطبعا حديث أوباما عن الخطر الذى يهدد دول الخليج يذكرنا بحديث القيادات الإخوانية فى لندن التى تضمنت تهديدا غير مباشر ب"عواقب" ستتعرض لها بريطانيا فى حالة تصنيف الإخوان جماعة إرهابية، وهنا أوباما يستخدم نفس اللغة غير المباشرة، والأسوأ من ذلك أن حديثه عن إيران بهذه الصورة الودودة أمر يدفع المرء إلى "فرك عينيه" من شدة عدم تصديق ما يحدث أمامنا من تقلبات! وبناء عل كل ما سبق، فإن رفض المشاركة فى "محاضرة" كامب ديفيد هو الخيار الأنسب من جانب قادة الخليج، والخيار الأرجح أيضا، لأن المقدمات لا تطمئن، وما قاله أوباما لفريدمان يؤكد أنه حتى فى حالة عقد هذا الحوار، فسوف يكون حدثا هزيلا فاشلا من جانب واحد، لا يختلف كثيرا عن القمة التى عقدها أوباما لبحث محاربة التطرف، وأثارت سخرية الجميع، بمن فيهم الأمريكيون أنفسهم!