سنوات أربعة كاملة ، أنشغل فيها الداخل التركي بقضايا الانقلاب ضد حكومة العدالة والتنمية ، والتي عرفت تارة بالارجينكون ، وتارة ثانية بالمطرقة وفي مرحلة لاحقة الحقت بهما قضية الانترنت وجرت تحقيقات تجاوزت أوراقها المائة ألف وروقة ، وعقدت محاكمات كانت عنوانا عريضا ليس فقط في وسائل الإعلام المحلية ، بل الميديا الدولية ، وبعد مارثون طويل والاستماع إلى شهود لم تؤخذ شهادات معظمهم ، انتهت إلى اصدار احكام مدى الحياة ضد العشرات من العسكريين الذين ادينوا بالتخطيط للاطاحة بحكومة رجب طيب اردوغان وطبيعيا اثارت ردود فعل داخلية وخارجية معظمها أن لم يكن كلها اتسمت بالغضب وخرجت عشرات التقارير المنددة بها . ورغم تلك القتامة كان في نهاية النفق بصيص ضوء ، حينما اعتبرت المحكمة الدستورية العليا ، قبل أن يأتي على رأسها موال لصناع القرار ، حبس جنرالات وكتاب ومثقفين إحيتياطيا لسنوات غير دستوري ، ثم بدأت تتكشف شيئا فشيئا حقائق ما وصف بالمؤامرة ، ومنذ أيام وتحديدا يوم الرابع والعشرين من مارس الماضي ، كانت المفاجاة المدوية والتي اعلنها من روج في البداية للمخطط الشيطاني ، إذ اعترف اردوغان بأن عمليات الإنقلاب ضد حكومته لم تكن حقيقية جاء ذلك في كلمته التي ألقاها في مقر قيادة الأكاديمية الحربية ، وقال فيها نصا " لقد تم خداع الدولة بجميعأجهزتها وتم توجيهها خطأ في هذا الصدد وانه هو شخصيا أول المخدوعين” مشددا " لقد خدعونا، وكان ينبغي ألا يكون معظم الضباط في السجون" وكان طبيعيا أن تنتفض المعارضة وفي القلب منها حزب الشعب الجمهوري بزعامة كمال كيلتش دار أوغلو الذي سبق وبح صوته " لقد قلنا في السابق إن هذه القضايا ليست صحيحة، إلا أن أردوغان قال عنا حينها " يا حزب الشعب الجمهوري، أنت حزب انقلابي وتدعم الانقلابيين" وفي عبارات شديدة القسوة والدلالة وجه الزعيم المعارض سيل من الانتقادات اللاذعة لاردوغان متسائلا : ماذا يعني " لقد خدعوني" هل أنت طفل؟ ألا يوجد لك عقل تفكر به؟ ألا توجد لديك سلطة إدارة الدولة؟ ألا يوجد لديك جهاز مخابرات؟ ألا يوجد لديك جهاز شرطة؟". ولم تمر ساعات على هذا الاعتراف المخز إلا وانطلق سجال ردح بكل ما تحملة الكلمة من معان بين قياديو الحزب الحاكم في سابقة خطيرة ، والأهم أنه لم يخل من إتهامات وتهديدات بكشف المستور والمسكوت عنه ، وبالطبع لم يكن اردوغان بعيدا عنه بل كان محوره ومركزه ، فنائب رئيس الوزراء بولنت ارينتش يبدو أنه تجاوز الخطوط الحمر عندما انتقد قائد البلاد في وقت سابق من الاسبوع قبل الماضي ، ولهذا كان لابد من عقاب سريع ، وفي وصلة نفاقية بإمتياز أنبرى مليح جوكتشيك عمدة أنقرة ، منددا بالخروج على الزعيم ، مطالبا بإقالة " هذا الذي تجرأ من منصبه فورا "ولأن أرينتش وهو في الاصل حقوقي وسياسي مخضرم سرعان ما جاء رده المزلزل واصفا جوكتشيك بال " عامل مأجور يعمل لصالح غيره ويهدف بكلامه ضدي إلى أن يتقرب إلى مكان ما ، ومن أجل أن يصبح ابنه نائبًا في البرلمان " وهذا في حد ذاته تلميح غير مباشر لساكن القصر الابيض الذي دشن على خلاف القانون ، ومضي قائلا " إنه ليس رجلا ذو كرامة لدرجة تجعله يرغب في إقالتي من منصبي " ، وأرجو ألا يضطرني لأفصح عن أشياء أخرى غير ذلك" ثم مستطردا أنه لن يتحدث قبل الانتخابات البرلمانية بشأن جوكتشيك ( الذي لم يلقبه بالسيد ) فثمة 100 ملف سيرفع عنها الستار بعد هذا الاستحقاق التشريعي في إشارة إلى إلى التلاعب في فرز الاصوات بالانتخابات المحلية التي جرت في مارس العام الماضي وأوصلت جوكتشيك لرئاسة بلدية العاصمة دون وجه حق . أذن أنه صراع القصر ، وها هي الفضائح تتوالي ، والصحف المناوئة تتساءل بدورها إذا كان أرينتش على حق فلماذا صمت وهو يري جوكتشيك يبيع أنقرة شبرا شبرا وأجرى تعديلات على المخطط العمراني للمدينة ؟ ولماذا ينتظر حتى الثامن من يوينو اي عقب السباق البرلماني بيوم واحد كي يفصح عن ما بجعبته من فصول فساد؟ هؤلاء وفقا لما ذهب إليه كيلتش دار أوغلو لا يصلحون لإدارة البلاد، مضيفا " التواطؤ في الجريمة المشتركة يظهر شيئا فشيئا ، وقد بدأوا يلقون التهم على بعضهم البعض ، وسنرى خلال الفترة المقبلة كل التفاصيل”. ورغم أنه مقرب من السلطة إلا أن عبد القادر سيلوي الكاتب بصحيفة " يني شفق” ، والمعروف بتأييده المفرط لرئيس الجمهورية ، علق على هذه الأحداث وحرب التصريحات بين آرينتش وجوكتشك، مشددا على أن ناقوس الخطر بدأ يدق وحزب العدالة والتنمية ينجر إلى مصير مجهول. لكن اردوغان لا يري ذلك فرغم عراك أقرانه ، إلا أنه يمضي في جولاته ، ملقيا رهاناته على بسطاء الاناضول أملا في تصويتهم لصالح مشروعه ألا وهو تحويل النظام البرلماني إلى آخر على غرار نموذج البيت الابيض الأمريكي ، غير أن الطريق وعر نتوءاته لا تنتهي ، وها هو صلاح الدين دميرطاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطية ، النجم الكردي الصاعد يتوعده ويؤكد له أنه لن ينعم برؤية النظام الرئاسي الذي يريده في تركيا طالما كان الأكراد موجودين فيها. تلك هي بعض جوانب الحياة السياسة التركية في صورتها الراهنة الآن ، والتي يبدو أنها باتت على فوهة بركان ينتظر إشارة ليطلق حممه وشظاياه وهو ما جعل سعد الدين طنطان الوزير الاسبق للداخلية وحاليا رئيس حزب الوطن يطلق تصريحات محذرة أن تركيا قد تشهد فوضي داخلية عارمة عقب الانتخابات البرلمانية التي ستجري السابع من يونيه القادم في حال تصدر العدالة الحاكم المشهد السياسي من جديد مؤكدا أن الأخير يسعي إلى حرق البلاد نتيجة السياسات الانهزامية التي يتبعها وشدد أن تنجرف البلاد لأتون الصراعات كتلك الحاصلة في افغانستان والعراق و ليبيا وسوريا.