انتهت فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، ولم تنته الضجة التي أثيرت حول دعوة شاب اسمه «زاب ثروت» للمشاركة في أنشطة المعرض الثقافية، وكانت ساحة العراك هنا مواقع التواصل الاجتماعي، التي سادت فيها حالة من السخرية، من إدارة المعرض، وممن وجه الدعوة، ومن طريقة كتابة «ثروت» نفسه، لدرجة أن مغردين دشنوا «هاشتاج»: «ألِّف كأنك زاب ثروت» وتبارى الجميع في الكتابة على نمط ما تم تصويره من صفحات أحد كتب «ثروت»، ونشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي عموما كتابة منفلتة من المعايير، مجرد خواطر مكتوبة بالعامية المصرية. وضمن فوضى التصنيف والتبرير حاول البعض أن يجد أسبابا لاستضافة المعرض للكاتب، واضعا كتابه في «خانة الرواية» تارة، وفي «خانة الشعر» تارة أخرى، في حين أن «زاب» نفسه قال إن كتابه «لا رواية ولا شعر» وهذا معناه أن من وضعوا اسمه في أنشطة المعرض لا يعرفون النوع الذي يكتبه، بل برر البعض استضافته، على خلفية أن كتابه «حبيبتي»، الذي أطلقت احتفالية لتوقيعه بالمعرض، بيع منه ما يزيد على 15 ألف نسخة في يوم، وهي مقولة تجافي المنطق، وتقع في منطقة التهويل والمبالغة، هربا من المساءلة والإجابة عن السؤال: هل هذا هو النمط الذي تريد له وزارة الثقافة أن يسود؟ كذَّب «زاب ثروت» نفسه الأرقام، حين رد على الهجوم الذي شنه كثيرون عليه، فقد استضافته إحدى الفضائيات، وقال: إنه لم يكن يتوقع كل هذا الجدل حول كتابه، ولا يعرف مبرره، كما أن الكتاب ليس ديوانا أو رواية، لكنه كتاب تفاعلي، وقال: «أنا لم أقل إنني كاتب، وليس صحيحا أن كتابي وزع 30 ألف نسخة أو حتى 15 ألفا» وأشار إلى أن كل من شاركوا في ندوته بمعرض الكتاب، جاءوا لأنه مطرب راب وليس مؤلفا. واقع الحال أن الطوابير الطويلة التي اصطفت أمام بوابة المعرض الرئيسية، لم تنعكس على حضور الندوات الثقافية والأمسيات الشعرية، التي تنظم على هامش المعرض، باستثناء ندوة أدونيس عن تجديد الخطاب الديني، وحفل توقيع كتاب «حبيبتي» ل «زاب ثروت»، وبنظرة سريعة على القاعتين تكتشف أن الشاعر الكبير الذي قال يوما: «أنا آت من المستقبل» جمهوره ينتمي إلى الماضي، الذي يدعو إلى قطيعة معرفية معه، بينما جمهور «زاب ثروت» تتراوح أعماره بين سن الثامنة عشرة والخامسة والعشرين، وأغلبه فتيات يرتدين الحجاب الذي صار موضة في القاهرة، قبل أن يكون علامة تدين، كما أنهن ينتمين إلى الطبقة الوسطى. على أية حال فإن «ظاهرة زاب» ليست جديدة على الثقافة المصرية، وستستغرق وقتا، لتذهب إلى المكان اللائق بها، فهي كتابة لن تصمد أمام التاريخ، ففي عز سطوة نجيب محفوظ قفز إلى السطح «إسماعيل ولي الدين» برواياته التي سرعان ما كانت تتحول إلى شاشة السينما، وكانت تتناول أجواء الحارة المصرية وواقعها الشعبي، لكن من ذا الذي يتذكر «ولي الدين» الآن؟ كتابة «زاب ثروت» ستذهب إلى النسيان، في حين سيذهب من استضافوه في المعرض إلى المكان اللائق بهم، وهذا جزاء الفاسدين والمفسدين.