فى ظل الاستعداد لاحتفالات العالم العربى بيوم اليتيم فى أول جمعة من أبريل, دعا علماء الدين أصحاب القلوب الرحيمة, إلى الذهاب إلى اليتامى والتعرف عليهم وأن يقدموا لهم الطعام والشراب والكساء, فهم أحوج ما يكونون فى هذا اليوم إلى يد حانية تمتد لمسح جراحاتهم من على صفحات قلوبهم المنكسرة, ومن هذا المنطلق. حث النبى صلى الله عليه وسلم أصحاب القلوب الرحيمة على أن يتسابقوا من اجل هؤلاء اليتامي, ومن اجل تلك الأم التى انكسر فؤادها بموت زوجها, فمن سعى عليها وعلى أولادها, فهو كالمجاهد فى سبيل الله, وكالذى يقوم الليل ليناجى ربه, وهو كذلك كالذى يصوم النهار. وهم وحدهم, من يأخذون بيدك إلى رفقة النبى صلى الله عليه وسلم فى الجنة, وهم أيضا من خصهم المولى تبارك وتعالى تكريما لهم فى كتابه العزيز ثلاثا وعشرين مرة, وقدمهم فى أفضل صورة إنسانية شهدتها المجتمعات الحضارية. وطالب علماء الدين بأن نجعل من هذا اليوم بداية مستمرة طوال العام للاهتمام بهم وتوفير ما يحتاجونه من دعم واهتمام معنوى ومادي, والتعريف بحقوقهم ومكانتهم فى الإسلام, والمحافظة على أموالهم, والحث على الإحسان إليهم, والتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم فى رعايته لهم, وكفالتهم روحيا بالكلمة الطيبة ومعنويا بالمال والتعليم وبالصحة حتى ينشأ بشرا سويا نافعا لمجتمعه. تغليظ عقوبة ظالمه ويقول الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء، إن الطفل اليتيم من أشد المخلوقات احتياجا إلى العطف والرحمة، والتعامل معه بما لا يشعره بضعفه، لأن اليتيم لا ناصر له غير الله، ولهذا لا غرابة فى أن الله شدد فى أمره فبين تغليظ العقوبة على ظالمه، فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) وقد دل القرآن على اللطف باليتيم وبره والإحسان إليه، فقال تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر)، وطالب د. عثمان الجميع بأن يكونوا لليتيم كالأب الرحيم، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم (أنا وكافل اليتيم كهاتين)، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى، وورد أن رجلاً شكا للنبي، صلى الله عليه وسلم، قسوة قلبه، فقال له (إن أردت أن يلين قلبك فامسح رأس اليتيم وأطعم المسكين) وكان عبدالله بن عمر رضى الله عنه إذا رأى يتيما مسح برأسه وأعطاه شيئا، وروى عن أنس عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (من ضم يتيما فكان فى نفقته وكفاه مؤنته (أى تكاليف حياته) كان له حجابا من النار يوم القيامة). وطالب الدكتور عثمان الدولة بأن تهتم بأمر اليتامى اهتماما بالغا، وأن تتيح لهم التعليم بكل إمكانياته حتى ينتهى من التخرج من الجامعة، لأن اليتيم فى حاجة إلى كل منا سواء الأفراد أو الدولة، وخاصة الرحمة والحنان، وعلى الدولة أن توليه أكثر رعاية حتى يشب محبا لوطنه وللمجتمع. تذكرة للناس ورغَّب الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق، فى الاحتفال بيوم اليتيم وأنه يوم لتذكرة الناس بالأيتام فى هذا اليوم، والغافل يتنبه، فلا بأس أن يكون هناك يوم يسمى يوم اليتيم، نحتفل فيه باليتيم بغرض تذكرة القادرين لمساعدة هؤلاء الأيتام فى هذا اليوم، فهناك جمعيات خيرية، ومؤسسات كبيرة تقوم على رعاية هؤلاء الأيتام، ويتم التبرع إلى هذه المؤسسات لرعاية الأيتام حتى لايشعروا بأنهم فقدوا عائلهم، فيجب أن ندخل عليهم السرور، وننظم لهم الحفلات ويجب تكريمهم فى هذا اليوم ونشعرهم بأن المجتمع يعمل على رعايتهم، وأحاديث النبي، صلى الله عليه وسلم كثيرة حول رعاية الأيتام، فمنها (من مسح على رأس يتيم له بكل شعرة حسنة). وبشر النبي، صلى الله عليه وسلم، بأن كافل اليتيم معه فى الجنة، وهذا أكبر دليل على الاهتمام بهذا اليتيم. فإذا كان الاحتفال بيوم اليتيم بدعة، فركوب السيارة أو الطائرة أو القطار بدعة أيضا، ويضيف، أنه فى إحدى المرات وبالتحديد بعد صلاة العيد، قام بعض الناس بتوزيع البالونات ولعب الأطفال والهدايا، لإسعاد الأطفال فى العيد، فسألنى بعض الناس معتبرين أن أيام النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يفعل ذلك ولم يوزع اللعب والبالونات بعد الصلاة على الأطفال، فإذن هى بدعة، ويجيب، هل كان أيام النبى توجد هذه البالونات ولعب الأطفال، أو ركوب السيارات وخلافه؟! ويتساءل لماذا يفتى الناس بما لايعلمون؟! ويحللون ويحرمون دون علم، فهناك بدعة حسنة، وبدعة سيئة، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وقد رأى المسلمون أن هذا الفعل حسن، ويسعد كل الأيتام، فلا بأس من ذلك اليوم بأن نحتفى جميعا بكل الأيتام وأن نخرج لهم ما نستطيع من أموال أو ملابس أو خلافه، فهذا العمل نتقرب به إلى الله وإلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وحذر الشيخ عاشور من إهانة اليتيم، لأن شر البيوت بيت يهان فيه اليتيم، والأخطر من ذلك أكل مال اليتيم، لأننا نسمع عن بعض الناس تتلاعب بأموال اليتامى، فتصل هذه الأموال إلى اليتامى ناقصة، فهذا المال يكون ناراً فى بطونهم، ولابد من التعامل بحذر مع هذه الأموال فهى أمانة فى أعناق من تكفل بهم. الاحتفال بهم كل يوم وفى سياق متصل أكد الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم, عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط، أن اليتيم من مات أبوه ولم يبلغ سن الحُلم، أما إذا ما بلغ الحُلم، فإنه لا يكون يتيما، ولكنه يدخل فى زمرة المساكين أو الفقراء، أما من ماتت أمه فلا يعد يتيما وإن كان يحتاج إلى معونة الآخرين ومساعدتهم له، وبخاصة من النساء، وربما يكون هذا فى حاجة أكثر من اليتيم الذى مات أبوه، وهو ما سماه البعض (اللطيم)، وهو أشد حاجة إلى المعونة وبخاصة من النساء، وطالب د. مرزوق الدولة بأن تحتفل باليتامى فى صورة تكريم، وكل امرأة مات زوجها، وقامت على أطفالها حتى كبروا أو كانوا فى مرحلة الصغر، هؤلاء يجب أن تقدم لهم المعونة المادية بصفة شهرية، ولا يكون هذا فى يوم واحد فقط، يسمونه يوم اليتيم، فالإسلام لا يعرف قطع المعونة، ولا قطع المعروف عن المحتاجين، والتكريم دائم وبصفة مستمرة، سواء كانوا من اليتامى أو الفقراء والمساكين.