تحتفل مصر اليوم ب يوم اليتيم وفكرة الاحتفال بهذا اليوم ترجع إلي عام2004, والهدف منه لفت الأنظار إلي وجود أيتام يحتاجون إلي الرعاية, وإلي الإحساس بمشاعر الأسرة ككل الأطفال, وقد حث الإسلام علي رعاية اليتيم والإحسان إليه, ليس في يوم معين ولكن في كل أيام السنة, فقد بشر الرسول الكريم من يكفل يتيما بالرفقة في الجنة, وجعل القرآن الكريم الإنفاق علي اليتيم المحتاج من أبواب البر فقال تعالي:( يسألونك ماذا ينفقون قل ما شأنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامي والمساكين وابن السبيل) البقرة:215, وأفضل تكريم لليتيم هو اصطفاء المولي عز وجل ليتيم, وهو محمد بن عبد الله, ليكون خاتم رسله إلي البشرية وخير خلقه. في هذه المناسبة يقول الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر لليتيم: لست وحدك, الله معك, وسيعوض عليك الابتلاء بجوائز السماء, إذا رضيت بقدر الله وقضائه, وستلتقي سيد اليتامي محمد بن عبد الله علي حوضه, وفي جنات رب العالمين, لقول الله تعالي: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) البقرة:155. وأقول لليتيم أيضا: المجتمع كله معك, أنت في حبات العيون, نواسيك في الجروح, ونداوي القروح, ونذكرك بأن النهج القرآني( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) الحج:77. والنبي صلي الله عليه وسلم يقول: إذا أردت أن يبارك لك في رزقك, وأن يغفر ذنبك, ويشفي مريضك, فامسح علي رأس اليتيم, وقد دخل النبي علي يتامي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه, عندما استشهد أبوهم في غزوة مؤتة, فدخل النبي إلي داره, وضم أولاده إلي صدره, ومسح علي رءوسهم, وذرفت عيناه الدمع, رقة لهم, وشفقة عليهم. ويؤكد د. كريمة أن تخصيص يوم للاحتفال باليتيم إنما هي مناسبة اجتماعية, لا شأن لها بشعائر العبادات, ولا مانع منها كما يقول الفقهاء: لا مانع إذا لم يكن هناك مانع, أما منع ذلك وتحريمه فهو ضيق أفق وتنطع وعدم إلمام بالفقه وأصوله, فهناك فرق بين العيد والموسم والمناسبة, فلا تضييق لواسع, ولا تحريم لحلال. ويقول الشيخ وائل عبد المطلب, من علماء الأزهر الشريف: ما تقوم به جمعيات رعاية الأيتام, والكثير من الهيئات والمؤسسات الخيرية, بل وكثير من الأفراد من الاحتفال بيوم اليتيم في الجمعة الأولي من شهر ابريل في كل عام, والاحتفاء بهم وإدخال البهجة والسرور عليهم, وإعداد الرحلات والحفلات الخاصة بهم, وتقديم الهدايا العينية والمادية لهم, هذا الاحتفال من أعظم أبواب البر, لدخوله في باب رعاية وكفالة اليتيم, وهو أمر حثت عليه الشريعة الغراء وجعلته فرض كفاية علي الأمة, لابد أن يقوم به البعض, وإلا وقع الجميع في الإثم, قال تعالي:( ويسألونك عن اليتامي قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح) البقرة:59, بل أمرت به كل الشرائع السماوية السابقة, كما قال تعالي:( وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربي واليتامي والمساكين) البقرة83, والنبي صلي الله عليه وسلم بشر القائم علي كفالة ورعاية اليتيم بمجاورته في الجنة, فقال: أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطي وفرج بينهما رواه البخاري, وقال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: حق علي من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلي الله عليه وسلم في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك. وقد يري البعض أن تخصيص يوم للاحتفاء باليتامي بدعة, متعللا بعدم جواز استحداث يوم معين للاحتفال بمناسبة معينة, لأنه لم يرد بها دليل, مستشهدا بقوله صلي الله عليه وسلم من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد, وبأن الإسلام حثنا علي الإحسان إلي اليتامي في جميع الأوقات, والحقيقة أن الاحتفال بيوم اليتيم, وتخصيص يوم الجمعة الأولي من شهر ابريل له, لا يتعارض مع أحكام الإسلام, فتخصيص يوم لأمر ما لا يخلو أن يكون إما عادة أو عبادة, فإذا كانت عبادة فلابد أن يتوافر لها دليل تفصيلي علي مشروعيتها, وإن كانت عادة فيحكمها ما يحكم العادات من المصالح والمفاسد, وتخصيص ذلك اليوم ليس من أمور العبادات التفصيلية, ولكنه من باب العادات الاجتماعية, وعند تقديرها بميزان المصالح والمفاسد, نري أنها تدخل في إطار التعاون علي البر والتقوي, والإعانة علي المعروف, والدلالة علي الخير, وإشاعة روح التكافل لرعاية اليتيم والإحسان إليه, ونحن مأمورون بهذا شرعا, ومع هذا فإنه يجب تكريم اليتامي كل يوم في العام, وليس في يوم واحد فقط. ولكن نري أنه لا بأس بتخصيص يوم في العام لتكثيف الاهتمام وتعميق الاحساس بهم وتقديم كل صور الدعم المادي والمعنوي لهم وتعويض ما قصرنا فيه معهم طوال العام. ويقول الشيخ أحمد عبد الكريم, الواعظ بالأوقاف: كفالة اليتيم والإحسان إليه من الأعمال الاجتماعية العظيمة التي تعود علي المجتمع بالخير والود, ويلحق باليتيم في الحكم مجهول النسب, بل إن الاعتناء بهم أكبر أجرا وأعظم قربة, فاليتيم قد يجد العم أو الخال أو الجد أو القريب, أما مجهول الأبوين لأي سبب من الأسباب لا يجد أيا من ذلك إلا رحمة الرحمن الرحيم وهي خير وأبقي. والحقيقة أن لكفالة اليتيم عدة مزايا, أهمها الفضل العظيم والثواب الجزيل عند الله سبحانه وتعالي الذي يصل إلي مزاحمة النبي صلي الله عليه وسلم في دخول الجنة, والثانية تعود علي الشخص نفسه فكافل اليتيم يلين قلبه وترق مشاعره وتتهذب أخلاقه, ففي الطبراني: أتي النبي صلي الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه؟ فقال: أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك, يلن قلبك وتدرك حاجتك. كما أن لكفالة اليتيم ومجهول النسب فائدة تعود علي المجتمع كله, فهذا اليتيم إن لم يجد من يكفله, ويعتني به فسيكون عبئا علي المجتمع, وبدلا من أن يكون ثمرة مثمرة ويدا منتجة فسيكون مشكلة تتطلب حلا, يقول الشنقيطي في أضواء البيان عن كفالة اليتيم: وحقيقة هذا التشريع الإلهي الحكيم منذ أربعة عشر قرنا تأتي فوق كل ما تتطلع إليه آمال الحضارات الإنسانية كلها, مما يحقق كمال التكامل الاجتماعي بأبهي معانيه, المنوه عنه في الآية الكريمة( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا) النساء:9, فجعل كافل اليتيم اليوم, إنما يعمل حتي فيما بعد لو ترك ذرية ضعافا, وعبر هنا عن الأيتام بلازمهم وهو الضعف إبرازا لحاجة اليتيم إلي الإحسان, بسبب ضعفه فيكونون موضع خوفهم عليهم لضعفهم فليعاملوا الأيتام تحت أيديهم, كما يحبون أن يعامل غيرهم أيتامهم من بعدهم. وهكذا تضع الآية أمامنا تكافلا اجتماعيا في كفالة اليتيم, بل إن اليتيم نفسه, فإنه يتيم اليوم ورجل الغد, فكما تحسن إليه يحسن هو إلي أيتامك من بعدك, وكما تدين تدان, فإن كان خيرا كان الخير بالخير والباديء أكرم, وإن شرا كان بمثله والباديء أظلم. رابط دائم :