رغم أن موعد إنتخابات الرئاسة الأمريكية يبدو بعيدا, فإن حملتها بدأت بالفعل وأصبح الجدول السياسي الأمريكي مركزا على الانتخابات التمهيدية للانتخابات الرئاسية لسنة 2016. وبينما تبدو هيلاري كلينتون السيدة الأولى ووزيرة الخارجية السابقة، الأوفر حظا فى معسكر الديمقراطيين, رغم أنها ليست مرشحة رسميا حتى الآن، بات جيب بوش المرشح المحتمل للحزب الجمهورى، رجل الجمهوريين الأقوى والأقدر على إعادتهم من جديد للبيت الأبيض من بين كل المرشحين الآخرين، فكبار الحزب يلتفون حوله وأثرياء المانحين يغدقون عليه ملايين الدولارات. ورغم عدم إعلان حاكم ولاية فلوريدا السابق جيب بوش رسميا عزمه خوض الإنتخابات إلا أن الخطوات الأخيرة التى قام بها دفعت البعض للتكهن بنيته الواضحة لخوض غمار السباق الرئاسي, فقد قدم الابن الثاني للرئيس الأسبق بوش الأب، والأخ الأصغر للرئيس السابق جورج دبليو بوش استقالته من عضوية كل مجالس إدارات الشركات والمؤسسات غير الربحية, كما استقال من منصبه كمستشار لإحدي الشركات التعليمية التى تبيع كتبا دراسية على الإنترنت لطلاب الجامعات الحكومية, وذلك من أجل التركيز على خوض انتخابات الرئاسة. ويري البعض أن جيب بوش (62 عاما) الذي درس العلوم السياسة فى جامعة تكساس، يواجه تحديات كثيرة فى حال قرر الترشح للإنتخابات القادمة, أولها فضيحة تداوله معلومات حساسة تتعلق بقضايا عسكرية وأمنية على بريده الخاص أثناء توليه منصب حاكم فلوريدا فى العقد الماضى. وكانت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية قد كشفت عن أن جيب بوش ساعد أحد رجال الأعمال على تجاوز القواعد الفيدرالية فى الثمانينيات عندما كان ابن نائب الرئيس الأمريكى، فيما يمثل تناقضا للصورة التى يروج لها عن العلاقة المفترضة بين السلطة ورجال الأعمال. تلك القضية توضح جانب من سجل بيزنس بوش والذى سيظهر على السطح على الأرجح مع اقترابه لحملة الترشح للرئاسة. فقد استفاد جيب مرارا من اسم عائلته وعلاقاتها من أجل إتمام صفقة استشارية أو الحصول على عضوية مجلس إدارة، وفى بعض الأحيان قام بأعمال مع أشخاص وشركات اتهموا بمخالفة القانون فيما بعد. أما ثاني المشاكل التى قد يواجهها بوش هي إرثه العائلي, فعلى صعيد القضايا المحلية، تعتبر عائلة بوش في صفوف بعض المحافظين مرادفا لزيادة الضرائب والإنفاق الفيدرالي. وربما كانت أكبر خطيئة في حركة المحافظين الحديثة هي موازنة 1990 في عهد بوش الأب، الذي فرض زيادات ضريبية لتحقيق وفرة في الموازنة, الإرث العائلي أيضا سيطول النقاش القوي الذي سيدور داخل الحزب الجمهوري حول السياسة الخارجية, حيث سيجد "جيب" نفسه مجبرا على الإجابة على أسئلة كثيرة حول الحرب في العراق أكثر من أي شخص آخر. وبما أنه يبدو مخلصا لوالده وأخيه، فإنس التعامل مع إرثهما سيؤدي إلى نزاعات تصرف الانتباه أوعلى الأقل تزيد التوتر, وهذا ما أكدته الكاتبة الأمريكية ترودي روبين في مقال نشرته صحيفة (ذا فيلادلفيا إنكوايرر) حيث قالت أن انهيار الشرق الأوسط الذي مهّد السبيل أمام ظهور الإرهابيين كان من نتائج الحرب غير الشرعية التي شنها أخوه (جورج بوش الابن) على العراق. ورأت صاحبة المقال أن حرص الجمهوريين على غسل يدي جورج بوش الابن من أخطاء استراتيجية ارتكبها ، تعني أنهم عازمون على تكرار الأخطاء ذاتها إذا ما فازوا بالرئاسة العام المقبل ، ورصدت أخطاء أخيه فيما يتعلق بحرب العراق على الجانب الاستخباراتي الذي لم يكن دقيقا بشأن برنامج صدام حسين للسلاح النووي وعلى عدم تهيئة بيئة آمنة بعد الإطاحة بصدام. ولفتت الكاتبة إلى قفز (جيب) للفترة الدامية في العراق بين 2003 و2007 وإلى ثنائه على ما وصفه باستراتيجية أخيه البطولية بإرساله آلاف الجنود الأمريكيين للعراق ، وإلى انتقاده قرار أوباما سحب تلك القوات بالكامل عام 2011 ، ورصدت في تلك النقطة قول جيب بوش "إن هذا السحب للقوات أوجد حالة من الفراغ أعطت إيران نفوذا في العراق يفوق ما لأمريكا من نفوذ في البلد ذاته ، كما مكّن تنظيم داعش من الاستيلاء على أكثر من ثلث مساحة العراق العام الماضي. مشكلة أخري قد يواجهها "بوش الثالث" تتمثل في الأشخاص الداعمين له, فهذا الدعم يأتي مما يطلق عليه تيار الحزب الجمهوري المخضرم «فئة المانحين»، هذه المجموعة التي يشار إليها بأسماء مختلفة مثل «المؤسسة» أو «الجناح المعتدل بالحزب الجمهوري». ومن ناحية أخرى، فإن حركة المحافظين سئمت من النخبة التي تستغل أموالها لترتيب أمورها دون التدخل لدى الناخبين المزعجين. ومن هنا، فإن بوش سيدخل الحملة حاملاً وشم المؤسسة ومتحملاً عبء أخطاء الماضي. أما المشكلة الأخيرة، فهي أن جيب بوش قد اتخذ مواقف سياسية ضد القاعدة الشعبية لحزبه، فيما يتعلق بالقضايا الساخنة مثل الهجرة والتعليم. فهو يدافع عن مسارات للحصول على الجنسية والإقامة للمهاجرين غير الشرعيين، وهي مواقف لا يريد القادة الجمهوريون بمجلس النواب مناقشتها في هذه السنة الانتخابية خوفا من إحداث انقسامات في صفوف الحزب. فى عام 2003 صرحت الأم باربرا بوش أن الأمريكيين "ضاقوا ذرعا" بإسم "بوش" في البيت الأبيض, لكنها عادت وغيرت رأيها حينما علمت بنية إبنها الترشح, فهل تحتمل أمريكا "بوش" أخر فى السلطة؟