على ما يبدو أن حلم اعتلاء عرش البيت الأبيض بات يراود عائلة بوش للمرة الثالثة، لتكتمل بذلك سلسلة جديدة من الدراما السياسية العائلية، وبطل القصة هذه المرة جيب بوش الذى ينتمى لواحدة من أشهر العائلات السياسية فى التاريخ الأمريكى. ولكن الطريق ليس دائما مفروشا بالورود، فجيب بوش تقف أمامه عدة عثرات فى حال ترشحه رسميا للانتخابات الرئاسة الأمريكية، وفى مقدمتها ميراث عائلته الثقيل. إرث ثقيل فالتاريخ يحمل الكثير من الاخفاقات لعائلة بوش فى إداراتها للبيت الأبيض، فبوش الأب الرئيس الحادى والأربعون للولايات المتحدة، شهدت فترته كثيرا من الأحداث التى أعادت تقسيم العالم مرة أخرى. فبعد انهيار الاتحاد السوفيتى السابق وبدء مرحلة النظام العالمى الجديد على حد تعبيره، لم يدرها بكفاءة تجعل التاريخ الأمريكى ينصبه فى موقع لا ينافسه فيه أحد، وقد زادت فى رئاسته الصراعات الداخلية بين حزبه والحزب الديمقراطى بخصوص قضية زيادة عائدات الضرائب التى رضخ لها، مما اعتبرها الجمهوريون خيانة للوعود التى قطعها على نفسه فى برنامجه الانتخابى. وبجانب ذلك شهدت معدلات البطالة أعلى مستوياتها، وتضاعف الدين العام، ثلاث مرات مما كان عليه خلال1982، لتصل شعبيته فى 1993 إلى 25%. أما فى الشأن الخارجى قام بقيادة أكبر تحالف دولى فى الحرب على العراق, وخلق قواعد عسكرية أمريكية فى منطقة الشرق الأوسط . وبعد مرور ثمانى سنوات من خروج «بوش الأب» من البيت الأبيض, تولى «بوش الأبن» الرئاسة بعدما فاز فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية بفارق1٪ بعد معركة شديدة الضراوة مع منافسه أل جور. وسار "بوش الابن" على درب أبيه ليكمل من حيث انتهى بتوريط الولاياتالمتحدة فى حرب مع الإرهاب غازيا أفغانستانوالعراق، مما كان له تأثير كبير على وصول الاقتصاد الأمريكى لأسوء حالاته. وانطلاقا من ذلك يمكن القول انه فى حال حسم «جيب بوش» قراره بخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016، سوف يواجه العديد من المشاكل بخصوص حرب العراق أكثر من أى مرشح آخر، حيث سيعتمد مستقبله السياسى على كيفية تعامله مع إرثهما، مما يحمله أخطاء الماضى، خاصة وأن الحروب التى خاضتها عائلة بوش فى الخليج والعراق لازالت تداعياتها فى الأذهان ،ولا سيما أن «جيب بوش» من أنصار التدخل المباشر للولايات المتحدة فى الشأن الدولى كوالده وأخيه. بوابة المرور للجمهوريين أما «جيب بوش» (61) عاما، فيبدو لأنصاره رجل المرحلة، فقد درس العلوم السياسة فى جامعة تكساس وتخصص فى العلاقات الأمريكية مع دول أمريكا اللاتينية ،وهو العضو الوحيد بالحزب الجمهورى الذى فاز بمنصب حاكم ولاية فلوريدا لدورتين متتاليتين من 1999 إلى 2007، وقام بعدها بدور فعال فى دعم أنشطة الحزب وسياساته ومرشحيه علاوة على الإصلاحات المالية، مما جعله يكتسب شعبية جارفة فى الولاية، بعد أن وفر له عمله فى مجال العقارات خلفية اقتصادية تمنحه فرصة جيدة للسير تجاه البيت الأبيض. كما يعقد عليه الحزب الجمهورى آماله فى تغيير وتجميل صورته باجتيازه بنجاح الانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة بعد فشل الحزب على مدار الأعوام الخمس والعشرين الماضية فى دخول البيت الأبيض سوى عبر عائلة بوش. ويعزز ذلك أيضا اتهام المنافس الجمهورى، «كريس كريستى» (52 عاما) بقضايا فساد، مما جعل الحزب يقوم فعليا بحملة للدفع ببوش الثالث إلى سباق الانتخابات الرئاسية . وحسبما أوردت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية فإن مائة من كبار المسئولين عن جمع التبرعات للحزب الجمهورى قرروا دعم جيب بوش للترشح فى انتخابات الرئاسة المقبلة، علاوة على إبداء تجمع المسيحيين الإنجيليين استعداده لمساندة جيب إذا أعلن ترشحه لانتخابات 2016 . وعلى الرغم من ذلك فان يوجد الكثير من نقاط الخلاف الجوهرية بين الحزب الجمهورى «وجيب بوش» والتى تتمثل فى العديد من القضايا الساخنة مثل الهجرة والتعليم. فهو يدافع عن حصول المهاجرين غير الشرعيين على الجنسية الأمريكية. ويشار إلى أن جيب يعمل كمدير لمؤسسة «باربرا بوش» لمحو الأمية يدافع أيضا عن المعايير الأساسية المشتركة للتعليم التى من شأنها زيادة تنافسية الولاياتالمتحدة فى العالم. والتى تعارضها القاعدة الشعبية من المحافظون بشدة. إلا أن الحزب قد يجد نفسه فى موقف لا يحسد عليه فى حالة دفع الديمقراطيين بمرشحة فى حجم «هيلارى كلينتون» وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، ومن ثم فأن أسهم «جيب بوش» سوف ترتفع خاصة أن يوجد عليه إجماع بين أجنحة الحزب المتعددة باعتباره يحاول تقديم نفسه دائما على انه وسطى، وتشير العديد من التحليلات إلى أن «بوش» جاد فى خوض انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، بالرغم من انه لم يعلن رسميا قراره، كما أن تحركاته الأخيرة يسودها لقاءات رسمية وشعبية توحى بذلك، بالإضافة لتواصله مع الجهات الممولة للانتخابات. تحديات قائمة وأخيرا تبقى عدة تحديات قد تواجه جيب بوش فى هذا السياق والتى يمكن إجمالها فى السؤال الأهم وهو: ماذا سيقدم جيب بوش للمواطن الأمريكى يجعله يتغاضى عما فعلته عائلته فى الولاياتالمتحدة سواء إقحامها فى حروب دفعت بشبابها إلى حروب مع عدو وهمى لا وجود له؟، أو بالأحرى عدو صنعته هى بيدها؟ بالإضافة إلى إشكالية أخرى وهى ماذا سيفعل للعمل على إعفاء الاقتصاد الأمريكى الذى لا يزال يواجه الكثير من التحديات والمشكلات الداخلية والخارجية أبرزها أزمة الديون والضرائب وعجز الموازنة العامة؟ و هل ستنجح خبرته الاقتصادية والسياسية فى تخطى هذه الصعاب؟ كل هذا سوف تجيب عليه الفترة المقبلة.